ميلاد السوريين: دموع ولجوء وتوق لدفء البيوت


07 كانون الثاني 2014

للعام الثالث على التوالي يمر عيد الميلاد على السوريين حزينا وهو يخوضون دربهم الصعب نحو الجلجلة/ الحرية، فشجرة الميلاد لم تزيّن إلا في أحلامهم أو لوحات الفنانين الذين نقلوا هواجس شعبهم الممزقة بين زنازين المعتقلات وبرد المخيّمات وتطلعهم الدائم نحو حرية تنأى يوما بعد يوم، وبيت آمن يعودون إليه يقيهم شر اللجوء وذل الحاجة.

مائدة مكوّنة من بقايا القذائف، وشجرة ميلاد تعتمر قبّعة على أشلاء الدمار والموت. شجرة ميلاد علّقت قارورة غاز ووعاء مازوت بدلا من الأضواء والزينة. بابا نويل يصل متأخرا حيث الطفل مات وأصبح صورة على جدار، ويبقى حظه أفضل من حظ رفيقه في مخيم اليرموك حيث هناك الحصار والجوع الذي قتل بابا نويل نفسه، ويبقى حظ الأخير أفضل أيضا رغم موته أفضل من قنبلة اعتمرت قبعته وباتت توّزع الموت بالمجان.

ماسبق بعض ما هجست به لوحات الفنانين السوريين وهي تعبّر عن حال عيد الميلاد الذي مر حزينا كئيبا على السوريين، على خلاف الأعوام السابقة، إذ كان العام الماضي موّارا بفعاليات ونشاطات تصر على التحدي والفرح، حيث أحيا السوريون والناشطون فعالية "ميلاد الحرية" ونشاطات كثيرة تحتفي بالحرية وتقاوم الاستبداد، لنكون أمام التحوّل الذي أصاب الانتفاضة حيث بات التعب واضحا على محيّاها من خلال أصوات الناشطين وصور الفنانين التي عكست هذا الأمر.

لوحة لمجموعة بصمة سورية تمثل شجرة ميلاد مكوّنة من آثار القصف والدمار. المصدر: بصمة سورية
لوحة لمجموعة بصمة سورية تمثل شجرة ميلاد مكوّنة من آثار القصف والدمار. المصدر: بصمة سورية

اليوم غابت هذه النشاطات والفعاليات إلا ما ندر، لصالح التعبير عن الجوع والتعب والحصار والحرب التي أرخت بثقلها على كاهل السوريين، وهو ما انعكس على اللوحات التي عبّرت إحداها عن شجرة ميلاد تتكون من آثار وغبار الدمار الناجم عن براميل الموت التي تلقي بها طائرات النظام، لنكون أمام أبلغ لوحة تعبر عن حال السوريين، حيث شهدت اللوحة احتفاءا واضحا بها على مواقع التواصل الاجتماعي إذ تم تناقلها من صفحة إلى أخرى، وغدت بروفايلا للسوريين، فهي إدانة لنظام البراميل من جهة، وتعبير حي عن مدى صعوبة الميلاد على السوريين الذين أصبح ميلادهم عبارة عن غبار وبقايا غارة أو برميل!

الفنانة السورية المقيمة في مدينة فرانكفورت في ألمانيا منذ سبعة شهور "سلافة حجازي" عبرت عن مأساة السوريين من خلال "الإزدواجية" التي يحملها العيد بين "ما بين الاحتفال والمأساة, ما بين الطقوس العائلية الحميمة والتهجير واللجوء, وما بين دفئ المنزل وبرودة المعتقل ووحشيته" كما تقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

لوحة للفنانة سلافة حجازي تمثل شجرة ميلاد مكوّنة من أجساد السوريين. المصدر: صفحة الفنانة على الفيسبوك
لوحة للفنانة سلافة حجازي تمثل شجرة ميلاد مكوّنة من أجساد السوريين. المصدر: صفحة الفنانة على الفيسبوك

   وتتابع حجازي قائلة: "مثل أي سوري يعيش في المنفى, نعيش "ازداوجية المكان" المكان الذي نسكن فيه, والمكان الذي يسكن فينا والذي خرجنا منه قسراً. ترافقت احتفالات عيد الميلاد في ألمانيا وما يرافقها من طقوس بهجةٍ وطقوس اجتماعية أسرية, مع عاصفةٍ ثلجية كانت شديدة القسوة على كثير من السوريين في مخيمات اللجوء وفي الداخل السوري أيضاً, ممن حرموا من منازلهم أو من متطلبات العيش الأساسية كالمحروقات والكهرباء والتدفئة, أضافةُ إلى المعتقلين السياسيين في سجون النظام السوري ممن يعيشون ظروفاً أشد قسوةً مما يمكن تخيله .شجرتي لهذا العام تحمل الازدواجية نفسها" التي عبرت عنها لوحة مكوّنة من أجساد الضحايا/ المعتقلين/ اللاجئين الذين تداخلت أجسادهم فيما بينها مكوّنة ميلادا خاصا للسوريين.

لوحة للفنان وسام الجزائري تمثل شجرة ميلاد بجانبها غاز وخبز كدلالة على وضع السوريين. المصدر: دولتي
لوحة للفنان وسام الجزائري تمثل شجرة ميلاد بجانبها غاز وخبز كدلالة على وضع السوريين. المصدر: دولتي

الميلاد الخاص هذا عبّر عنه الفنان "وسام الجزائري" على طريقته أيضا من خلال لوحة تمثل بابا نويل وحيدا مع هداياه وسط الثلج، إذ لا أطفال في سوريا لنقدم لهم هدايا فهم إما قتلى أو لاجئين أو بعيدون في دنيا الفقر التي لا يصلها بابا نويل وهداياه، حيث قال لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" قائلا: " أعياد الميلاد و رأس السنة هي أعياد عالمية و بسبب العولمة أصبح لهذه الأعياد أهمية أكبر في العالم العربي و الإسلامي و كانت الفكرة أن نظهر للعالم الغربي كيف هي أجواء الأعياد في سوريا خلال الحرب يلي بتختلف عن كل العالم"، إضافة إلى لوحة أخرى تمثل شجرة ميلاد وبجانبها خبز وغاز كدلالة على حاجة السوريين وميلادهم الحزين.

عيد الميلاد الذي تزامن عاصفة ثلجية قاسية  (توقفنا عندها في سيريا أنتولد) وجدت صداها في تعبيرات ونشاطات الناشطين الفنانين السوريين أيضا، جعلت من ميلاد السوريين انعكاسا لهمهم اليومي البسيط في تأمين الخبز والغاز والدفء، وكأن تفاصيل الحياة اليومية أقصت الحرية مؤقتا، مما يدل على نجاح سياسة الحصار والتجويع التي انتهجتها الدكتاتورية وسط صمت عالمي فاجع، فهل يدفن رغيف الخبز الحرية أم ينتصرا معا؟

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد