لأن المواطنة والحرية والديمقراطية والسلام والتسامح ليست مجرد شعارات ترفع وكلمات تقال، عمل مجموعة من النشطاء الشباب ( ولازالوا) في مدينة القامشلي على تحويلها من فكرة جميلة تعيش في الأذهان إلى واقع معاش من خلال "بيت مانديلا" الذي أسّسوه، بما يعني ذلك مغامرة الغوص في شعاب واقع معقد وصعب: واقع لاتزال ثقافته مكوّنة بشكل تقليدي بدائي، لنكون أمام نضال مدني يعمل على تكوين الوعي المدني الحديث للمواطن السوري بعيدا عن ثقافات الطوائف والقبيلة ومرجعياتها التي تحكم العقول، سعيا منهم لبدء ثورة وعي تلاقي انتفاضة السوريين السياسية وتتقاطع معها، باعتبار الوعي الثوري واحدا من أهم مقوّمات الانتفاضة.
"بيت مانديلا" الذي افتتح بتاريخ 10/1/2014 في مدينة القامشلي تأسس على يد ثلاثة أشخاص: أسامة أحمد و روزان وغاندي سعدو من المنظمة الأثورية، إذ أدى تعاونهم فيما بينهم في مشاريع سابقة مثل "مهرجان الربيع الاول" و"سينما باص" و"ماراتون السلام"، إلى ولادة فكرة البيت التي جاءت "من الحاجة لحاضنة للمنظمات والمجموعات الشبابية التي تعمل في مدينة القامشلي وتوفر لهم البينة التحتية والدعم اللازم لإنجاح مشاريعهم المدنية"، وذلك بهدف "التنمية المستدامة في مدينة القامشلي خاصة، ومحافظة الحسكة عموما من خلال ورش ودورات تدريبية عن كافة المواضيع. كما يعمل البيت على نشر ثقافة الحوار بين مكونات المجتمع في منطقة الجزيرة" كما يقول أحد النشطاء لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
وجاء اختيار اسم مانديلا لما "يحمله هذا الرجل من فكر متسامح نحن السوريين أحوج إليه في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها سوريا" حيث يخشى الناشطون من انعكاس هذا العنف التي تمارسه الفصائل المسلحة على سوريا ومنطقة الجزيرة "التي تتكون من عدة قوميات.. في ظل غياب قانون يلجم هذه الفصائل"، حيث يعمل النشطاء على "إقامة جسور اجتماعية بين هذه المكونات عبر تأمين بيئة خصبة للمنظمات والمجموعات الشبابية على مختلف توجهاتها للمشاركة في بيت مانديلا وإقامة ودعم عدة فعاليات من شأنها تعزيز مفهوم العيش المشترك وثقافة الحوار" مستلهمين بذلك قول مانديلا: "العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها"، وكأن كل هذا العنف الحاصل في سوريا اليوم لم يوهن من عزيمة النشطاء الشباب بل زادهم إصرارا على النهوض رغم كل ما يتعرضون له.
أما كيفية تحويل هذه الأفكار إلى واقع عمل يساهم في بلورة التسامح ونبذ العنف كقيم منفذة في الواقع، فإنه يتم من خلال نشاطات وفعاليات وورش في مجال الاعلام والعدالة الانتقالية و إعداد مدربين للدعم النفسي والاجتماعي عند الأطفال "حيث سنقوم بتدريب 200 ناشط في محافظة الحسكة" عبر مرحلتين تغطي الأولى:( قامشلو – عامودا –درباسية –رأس العين)، والثانية: ( الحسكة – القحطانية – الجوادية – ديريك) لمنع حصر النشاطات في المركز فقط، ولإيصال أفكار المشروع ونشرها في الأطراف حيث سيطلب "من المتدربين مشروع تخرج في نهاية كل ورشة سيعمل البيت على دعم وتبني المشاريع التي تراها مناسبة".
وتتضمن نشاطات البيت فيلم وكتاب الشهر، حيث يتم عرض فيلم ومناقشة كتاب ذو تماس مع أهداف المشروع في السلم الأهلي وتبعات الحروب والديكتاتوريات وما يحصل في سوريا حيث تم اختيار فلم "باي لينين" وكتاب "الهويات القاتلة" لأمين معلوف، في سعي منهم لفتح "نقاش حول الكتاب الذي سيوزع مجانا على ثلاثين شخصا، لكي يتم التركيز على نقاط الخلاف و نقاط التوافق بين المكونات لنحصل على نتائج في نهاية كل نقاش، ليتوضح لنا بعد عدة نقاشات فكرة واضحة عن نقاط القوة و الضعف في التعايش السلمي ومن خلال هذا النشاط نكون قد نشرنا الفكرة بين ثلاثين شخصا مع احتمال زيادة العدد بشكل مستمر" علما أن المشروع ثمرة "تعاون بين نشطاء الداخل ومؤسسة البيت والآن يعتبر البيت من منظمات "مؤسسة بيل PÊL- Civil Waves ".
"بيت مانديلا" الذي يصفه النشطاء القائمون عليه بأنه "ساعي البريد" و "صلة الوصل بين مجمل السوريين" يشكل أحد أنواع مقاومة المجتمع المدني السوري للعنف واليأس الذي يسعى لجر الجميع إلى هاويته، إذ "رغم كل المعضلات التي تسعى لخلق الهوة بين المكوّن المزركش اللطيف في مدينة قامشلو. نحن ساعون بكل قوة، ومبادرون للجثوم في فضاء التسامح والسلام والحرية... قوتنا تكمن في استمرارنا، رغم ضيق الأفق في الوصول إلى الحل الناجع للأزمة السورية في الوقت الراهن"، سعيا منهم لبناء الوعي خطوة خطوة، وترسيخ أسس السلام والتسامح وزرعها شتلة شتلة.
إنهم الزهور التي تنبت وسط أشواك العنف والفوضى، مقاومة اليباس لتنشر آريج الأمل بين السوريين.