ليس لونا للحياة، وليس لونا للحرية وليس لونا للفرح..
إنه الأصفر: " لون الموت، الكارثة، الشحوب ، اليأس ......".
إنه الأصفر، لأنها " 20 شهراً والعالم : صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون".
الأصفر: اللون الذي اختاره ناشطو تجمع "ناشطون" ليصرخوا من خلاله بوجه الجوع والدبابة والعالم: "الإنذار الأخير والصرخة الأخيرة من بعض جياع في حمص المحاصرة، الذين لا ينسوا ولن ينسوا أنهم ثوار. وإذا كان لابد أن يموتوا في ظل صمت محلي ودولي مخجل ومخز على نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية فإنهم سيموتون كما ينبغي لرجال أن تموت".
استيقظ أهالي المناطق المحاصرة في حمص صباح 19 يناير 2014، ليجدوا أوراقا صفراء، مكتوب عليها "الأصفر يغطي حمص"، و "13 حيا محاصرا من تاريخ 6/9/2012" و "250 عائلة على حافة الموت جوعا" و" 591 يوم على الحصار" و "الحصار أن تقتل قصفا أو قنصا أو جوعا" و "الموت صمتا بسلاح الجوع هو آخر مجازر الأسد" و "الموت جوعا أكثر إيلاما من الكيماوي"، لنكون أمام بدء حملة "الأصفر يغطي المنطقة المحاصرة في حمص".
عبارات صفراء زرعها الناشطون في أحياء حمص المحاصرة( القرابيص، جورة الشياح، باب هود، بستان الديوان، القصور، وادي السايح، الحميدية، ، باب التركمان، الصفصافة، بني السباعي، باب تدمر، الورشة، باب الدريب)، فوق رماد البيوت المهدمة، وفوق سبطانة دبابة معطبة، وعلى مفارق الشوارع والساحات والجوامع والكنائس، لتصرخ في وجه "الضمير الإنساني العالمي بعد نسيان حمص كل هذه المدة" كما يقول أحد الناشطين لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
استهدفت الفعالية المناطق المحاصرة من مدينة حمص، مختارة اللون الأصفر "للتعبير عن الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه في بعد 20 شهر من الحصار"، موثقة ومذكرة أن هناك "أكثر من 4000 شخص في 13 حيّاً مُحاصراً منذ تاريخ 9 حزيران من عام 2012, يمثلون 250 عائلة أي ما يقارب 20 شهراً. رحل خلالها ألف شهيد وأكثر من ألف مصاب و ثمانية حالات وفاة نتيجة الجوع و نقص الغذاء, إضافة إلى وجود ما يزيد عن 300 طفل دون تعليم منذ عامين تقريباً" ووجود مئة حالة بحاجة لعمليات جراحية مستعجلة، لتأخذ الحملة طابعا توثيقيا من جهة، وتعبويا تحريضيا من جهة أخرى من خلال الاعتصامات والغرافيتي واللافتات، بهدف لفت انتباه العالم نحو الموت الغير مرئي والبطئ.
على عكس الفعاليات الأخرى التي تتم في المناطق التي يسيطر عليها النظام لم تعاني الفعالية من مضايقات أمنية، كونها قائمة "في المنطقة التي تخضع لسيطرة المعارضة أي أنّه كانت العوائق محدودة إن لم تكن معدومة" بل على العكس من ذلك أيضا، وجدت الحملة احتضانا شعبيا واجتماعيا من الناس الواقعة تحت الحصار، لأنها "تتكلم بلسان المحاصرين في المنطقة المحاصرة في حمص، مما كلّلها بالتقدم والنجاح"، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مشاركة الأطفال والنساء والرجال في الحملة، من خلال رفعهم لافتات وشعارات الحملة التي وجدت تضامنا وصدى لها في مصر وبرشلونة ومدن أخرى من العالم.
لم تنس الحملة أن توّجه صوتها/ نقدها للمجتمعين في جنيف، حيث كتب أحد الناشطين على صدره والأصفر يغطيه" لن نقبل بكم إلا بعد فك الحصار" ورفع إحدى الأطفال لافتة كتب عليها " إلى المجتمعين في جنيف: مطلبنا الأساسي هو فك الحصار وليس إدخال المساعدات الإنسانية فقط" في رد واضح على ما يدور في أورقة جنيف حول إدخال مساعدات دون فك الحصار.
ذلك لا يعني أن لا عوائق وقفت في وجه الحملة، حيث "الامكانيات المحدودة، وقدم الأجهزة التي نعمل عليها وعدم وجود تمويل لمثل هذه الحملات، وانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي فالتيار الكهربائي لا يأتي إلا بضعة ساعات في اليوم مما يجعل العمل يأخذ منا وقتاً طويلاً أو حتى يوقفنا عن العمل لأيام متلاحقة".
ورغم تمتع الحملة والتجمّع معا بحماية المعارضة المسلحة في ظل " حصار يفرضه النظام الأسدي يخضع لكل أنواع القصف والتدمير والتجويع"، إلا أن التجمع يفصل بين نشاطه و العمل المسلح، حيث أن العلاقة بين الطرفين لا تتعدى "الأمور الأمنية"، معتبرين أن "حملة الأصفر والحملات الأخرى اللاحقة لتجمع ناشطون هي مرادفة للعمل العسكري تسير بالموازاة معه، ولا تقل أهمية عنه وخصوصا بعد انخفاض النسبة لنجاح أي عمل عسكري في ظل هذه الظروف".
ربما تكون الفعالية أحد المؤشرات الهامة على الواقع الصعب الذي تعانيه المقاومة المدنية السلمية اليوم، فبعد أن كانت النشاطات والفعاليات طيلة عمر الانتفاضة السورية تهدف بالدرجة الأولى إلى "إسقاط النظام" وبلوغ عتبة الحرية التي خرج لأجلها السوريون تأتي فعالية "الأصفر" كـ "رسالة إنسانية بحتة بعد تكرر حالات الوفاة من الجوع وسوء التغذية والوضع المزري للعائلات والمدنيين والأطفال والمسنين من جميع النواحي"، لنرى أن النشاط السلمي المقاوم أصبح يهدف لدرء الجوع وإبعاد شبحه عن المواطنين، مما يعطينا فكرة عن الزاوية الضيقة التي تجد المقاومة المدينة السلمية نفسها فيها اليوم، من خلال تغيّر أولويات النضال لديها.
وبقدر ما يدل الأمر على صعوبة النشاط السلمي اليوم، فإنه يؤكد من جهة أخرى أنه لازال صامدا رغم كل الواقع المر، إذ وسط هذا الحصار والجوع يبحث عن منافذ أمل يطل من خلالها ليعبر عن نفسه، مؤكدا وجوده وعدم خفوت صوته رغم " الإمكانيات المحدودة" لناشطي الحملة المتواجدين في المنطقة المحاصرة، حيث لم تلقى الحملة "أي تمويل" ونفذت بجهود عدد من الناشطين، حيث "وزعت المهام حسب اختصاص كل شخص من أعضاء التجمع" مع مشاركة "بعض الأفراد الناشطين المستقلين الذين قدموا بعض الخدمات لهذه الحملة مشكورين".
"الأصفر يغطي المنطقة المحاصرة في حمص": صرخة ضد الجوع والموت البطيء، صرخة بوجه الدبابة والقتل، صرخة لأجل أن يحيا الإنسان حرا، صرخة تؤكد أن الإنسان عندما يجوع يغرز أسنانه في لحم القمر، دون أن يتنازل عن حرية خرج لأجلها وطال انتظارها.