امتزجت السخرية بالغضب وبالطائفية في ردود فعل السوريين على الخبر الذي تم تناقله عن قيام سوريين من مدينة حمص مؤيدين للنظام بتشكيل حائط بشري لمنع وصول المواد الإغاثية إلى الأماكن المحاصرة في حمص، في ظل الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة بين المعارضة والسلطات السورية، حيث ارتفعت مستويات الطائفية إلى حد مخيف، مع وجود "مثقفين" عبّروا عن الأمر طائفيا على وسائل التواصل الاجتماعية، في حين نبذ آخرون ردود الفعل، وإن اتفقوا جميعا على إدانة الأمر، قائلين أنها لعبة نظام نجح في جر الجميع إلى ملعبه الطائفي، وأنها تمثل الأفراد القائمين عليها وليس طائفة بأكملها.
اتفق الجميع على إدانة حادثة منع وصول الطعام إلى 250 عائلة محاصرة في حمص القديمة ( كنا ركزنا الضوء عليها في قصة سابقة)، حيث قال المترجم "ثائر ديب": "هل يمكن حتى لبهائم البرّية أن تحول بين أحد وبين اللقمة وشربة الماء؟"، وعبر الإعلامي "عروة الأحمد" عن استغرابه بالقول: "لك يا أمّة الله بحصار غزة في اسرائيليين طلعوا يعتصموا بالقدس ليفكّوا الحصار عن أهل غزة !!!"، وقال الكاتب "عزيز تبسي": "تحاربون الجوعى بجرعة ماء ورغيف خبز. حتى الضواري لا تفعل مثل هذا يا شبيحة عكرمة والنزهة".
وركز الشاعر "فادي جومر" على دلالة الحائط البشري حين قال: "هذا الحائط البشري. سيصير حائط مبكى ذات يوم. ستقف ذرية الضباع. تهزّ رؤوسها بإيقاع كإيقاع ضربات السوط في المعتقل. رتيب بارد. قاتل.. وستبكي طويلاً..ستبكي حقداً على أهل أنجبوها وغمسوها في عار أزلي... وعتباً على وجوه حمص الطيبة لأنها لم تحرقها مع الضباع التي أنجبتها"، وقال الفنان "فارس الحلو": "الجدار اللا بشري .. دليل كالشمس، أن الطائفية هي الحمق في ذروة تجلياته".
بعض المثقفين ذهب باتجاه اتهام طائفة الرئيس كلها بأنها تقف خلف الأمر، وقد عبر الشاعر "ماهر شرف الدين" عن الأمر بالقول: "سيسجّل التاريخ أن أول مظاهرة يخرج بها العلويون ضدّ النظام كانت احتجاجاً على سماحه بإدخال الطعام إلى أهل حمص المحاصرين!".
هذا الأمر اعتبره المترجم "ثائر ديب" انحدارا حيث قال: "بدلاً من تحديد الفاعلين بعينهم، كما يليق بأبسط أشكال التفكير العقلاني وطلب القصاص العادل وليس المجرم، لا يزال التعميم الطائفي ديدن بعض الأوغاد، وأكثرهم تفاهة وطائفية أولئك الذين يتذاكون فيدينون طوائفهم هم أنفسهم على أساس أنَّ ذلك دليل على عدم الطائفية. يا لبؤس المنطق الطائفي. ويا لتهافته في كلّ أشكاله وتلويناته".
وقد رفض هذا المنطق الطائفي الفنان "فارس الحلو" حين قال: "وهناك قيادات غبية تبنت رأياً سياسياً من باب تحدي طائفية السفاحين هو ان الرد يكون بنشر الطائفية والمذهبية، وأنه لولاها لانطفأت جذوة الثورة منذ زمن بعيد".
وانتقد "الحلو" أيضا ردود الفعل الطائفية قبل التأكد من الخبر حيث قال: "قديشها نهفة ردود السوريين العنيفة والطائفية على خبر ماله أي صورة أو فيديو اللي بيحكي عن حاجز علوي بشري ضخم منع قافلة الاغاثة الاممية من الدخول!!..وكأن الامر بحاجة الى جموع بشرية كبيرة لتشكل (كما كتب ونشر وتداول) (سداً) (جداراً) (حاجزا ضخما) بينما الامر لايحتاج الا لرصاصة واحدة فقط لتوقف كل شاحنات النقل!!".
وكذلك رفضت الدكتور "ريم تركماني" الانجرار وراء الغرائز الطائفية وردود الفعل، حيث قالت: "إذا كُنا نريد الخير لهذا البلد فعلينا أيضاً أن نحميه من أنفسنا, من انفعالنا ونزقنا وميلنا إلى تقفي ونشر أخبار معينة دون عينها.لا أحد يريد أن يتكلم عن ما يحدث في الكثير من مناطق الساحل من مناصرة ومساعدة للنازحين من مناطق مثل حمص وحلب, ولا أحد يكترث للجهود الجبارة التي تبذلها مجموعات جلها تنحدر من الطائفة العلوية في الساحل وفي بعض قرى حمص مثل شين لتأمين المعيش والكرامة للنازحين فيها. لكن خبر غير موثق عن قيام أعضاء من جيش الدفاع الوطني بسد طريق الدبلان في حمص على قافلة مساعدات متجهة نحو المناطق المحاصرة مما اضطرها إلى اتباع طريق آخر, أصبح فوراً خبر ينتشر كالنار في الهشيم يُقضي بأن المدنيين من الطائفة العلوية أنفسهم شكلوا سداً بشرياً لمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق. إذا كان ما حصل حقيقةً فهو ليس مستغرب أبداً من جيش الدفاع الوطني والذي هو المنفذ الأكبر للحصار الحالي في حمص, لكن إذا كنا نبتغي مصلحة أهلنا تحت الحصار فقد لا يفيد إيغالنا في شيطنة فئة مجتمعية كاملة. هكذا نحنُ, نهوى الأخبار المثيرة التي تعمق الكره وتؤزم ما هو مؤزم أصلاً, ونبحث عن صدمة جديدة وكأننا لم نشبع من الصدمات".
ولكن البعض لم يعجبه هذا النقد الذي رأى فيه دفاع عن الطائفيين أيضا، حيث رد الشاعر "فادي جومر" بالقول: " اللي مبعوص كتير من ستاتوسات حملت ردات فعل طائفية ع سلوك - طائفي بامتياز - ما مرق بسفالته بالتاريخ.. ومعه وقت يكتب عن هالستاوسات أو حتى يحط لايك ع حدا عم ينتقدها.. بس ما حكى ولا حرف عن الهمج اللي وقفوا اليوم ليمنعوا الأكل عن السوريين بحمص..هاد هاد بالذات... رح يعجز البشرية لبين ما يجي حدا يحطم الرقم العالمي المسجل باسمه: بالوطاوة".
البعض الآخر ذهب باتجاه اتهام النظام سواء مباشرة أو مداورة، حيث قالت "بيسان أبو حامد": "جدار بشري لمنع المساعدات الانسانية؟؟ وينن الأمن عن هيدون؟ او هلق صارت حرية الرأي دح؟؟؟"، في حين قال المعارض المعروف "وليد البني" : "قيام سكان بعض أحياء حمص بإعاقة وصول الإغاثة لسكان حمص المحاصرة، دليل إلى مدى التخريب الذي سببه النظام المافيوي لعائلة الأسد للبنية المجتمعية السورية، من العار أن يقوم سوريين بمحاولة قتل مواطنيهم جوعا، لأسباب طائفية بغيضة لم يعرفها السوريون قبل بشار وأبيه. سنحتاج الكثير من الوقت لترميم هذا الخراب"، حيث نراه يدمج بين دفع النظام للأمر و "الأسباب الطائفية" الدافعة للقتل لدى هؤلاء.
المنطق العقلاني في محاكمة الأحداث كان له وجود، حيث رأى البعض أن الفعل يمثل أفرادا بعينهم لهم مصالح خاصة تتعارض مع السلام وليس طائفة بأكملها، عدا عن قدرة النظام على جر الجميع إلى مستنقعه ليكونوا أداة التحريض الطائفي حتى وهم يعارضوه، وهو ما نبّه له الفنان "فارس الحلو" حين قال: " أن يظهر الامر كما صدر من المبالغات الاعلامية اللا مجانية، والتي استجرّت ردوداً انفعالية عنيفة، فهذا يثبت ان الخطة الطائفية المنحطة التي اتبعتها الطائفية الاسدية في مواجهة الثورة للحط من قيمتها تلاقي تجاوباً ملحوظاً إما تحدياً أو تواطؤاً" وقال السجين السياسي السابق "محمد صالح": "هناك مجموعة من الشبان تحت الطلب ليقوموا بأعمال قذرة بأمر مشغليهم هم من فعل اليوم فعلهم تجاه قافلة المساعدات. وللأسف نجحوا نجاحا باهرا بتوصيل مايريدوه، وكان مشغلوهم أذكى وأقذر بما لايقاس.ولكن كان هناك ردة فعل بنفس القذارة ولكن بغباء شديد وقدمت خدمة لأعداء سوريا لاتقدر بثمن".
الحدث فتح الجرح الطائفي على مداه، وكشف كم النفوس باتت محتقنة، مع ذلك لازالت أصوات العقل تصرخ، محذرة من القادم، فهاهو الفنان "الحلو" يقول: "هالحالة اللعينة رح تودينا عالتقسيم"، في حين بكى المعارض الوطني "أبو علي صالح" الذي يعمل منذ بداية الانتفاضة في حمص لوأد الاحتقان الطائفي قائلا: "تريثوا وتبينوا ولاتهجموا كالمجانين حتى لايصيبكم الندم. ماحدث مخجل أن يفعله كائن بشري، ولكن ردة الفعل كانت من نفس البضاعة وكلي أسف وأنا مكتئب لدرجة أنني فكرت بتسكير كل أنواع الاتصالات وقنوات التلفزيون, لن ننتصر إلا بالحب ومن يصدر الحقد سيرتد إليه"، معترفا: "أنا مزعوج لدرجة القهر .لم أستطع أن أكتب بالبداية كنت أبكي أمام أسرتي وهربت منهم إلى غرفة أخرى .وأنا أرى مابنيناه يتحطم أمامي"، داعيا من "من يريد المحافظة على سوريا موحدة ويريدها مختلفة عن سوريا الحالية التي نعيش جحيمها ,عليه أن يقدم خطابا وسلوكا أرقى من السائد اليوم والا هو كاذب ومنافق".