لم يتوقع الناشط ومدير المكتب الإعلامي (رائد الفارس) في مدينة "كفر نبل" التي أدهشت السوريين والعالم بمدنية لافتاتها وقدرتها على حشد الدعم العالمي لانتفاضة السوريين أن تتحوّل التهديدات التي تلقاها قبل أشهر إلى رصاصات غادرة تستقر في جسده بتاريخ 29 كانون الثاني 2014، لينجو منها بأعجوبة جعلت أصدقائه ومحبيه: الناشطين السوريين يتنفسون الصعداء، حيث بث راديو "فرش" الذي يعمل مع المكتب الإعلامي بعد يوم من الحادثة: " "تم الإنتهاء من إجراء عملية شق الصدر لرئيس المكتب الإعلامي في كفرنبل رائدالفارس بنجاح وتم إيقاف النزف والوضع مستقر".
"الفارس" الذي كان شاهدا ومؤسسا مع مجموعة من الناشطين لأجمل اللحظات والفعاليات والنشاطات التي صنعت أسطورة "كفرنبل" حتى بات يعرف بمهندس اللافتات الشهيرة، كان يدرك جيدا أن المقاومة السلمية والمدنية والإبداعية التي قدموها بوجه النظام وعنفه هي من ساهم بصنع تلك الأسطورة، لذا عمل جاهدا على إبقاء تلك الشعلة حيّة كي تستمر، وبقي الأمر كذلك إلى أن دخل السلاح إلى الميدان و اختلطت الأوراق فبات عليهم المواجهة و المقاومة على أكثر من صعيد: النظام والفوضى وأصحاب الأجندة الإسلامية والمسلحين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فباتت المهمة أصعب، خاصة أن رائد لم يوقف نقده للجماعات المسلحة، مؤكدا بشكل دائم وشبه يومي أن "لديه مشكلة مع أي مجموعة ستفرض وجهة نظرها على السوريين" كما تقول صديقته الناشطة رزان غزاوي، وهو الأمر الذي أكده رائد حين حضر ملتقى "دبلن السابع" في أكتوبر / تشرين الأول 2013، مؤكدا أن رسالة مركز "كفرنبل للإعلام" هي أن شعب كفرنبل يدين عنف الدولة وعنف الجماعات المسلحة معا، الأمر الذي فتح عليه أبواب الجحيم، وبدأت تأتي التهديدات سواء بشكل مباشر أو عبر بعض الأصدقاء الذين كانوا يأتون للمكتب.
تقول الناشطة "رزان غزاوي" أنها في كانون الأول 2013 كانت برفقة رائد في جولة إعلامية على مؤسسات دولية لشرح قضية الانتفاضة السورية والحديث عنها، حين تلقيا نبأ الهجوم على المركز الإعلامي في "كفر نبل" و"باص الكرامة"، حيث تم "اختطاف ست نشطاء من المركز الإعلامي وأربع من الراديو وتم إطلاق سراحهم، بعد ست ساعات، ليخطف بعدها رئيس تحرير مجلة "الغربال" و رئيس تحرير جريدة "المنطرة". وكان هذا موقف واضح ضد الإعلاميين الذين يعملون في "كفرنبل". ورائد كان ضد هذا الموضوع"، الأمر الذي جعله في مرمى سهامهم، حيث انتظروه عند المنزل بعد عودته و أطلقوا النار عليه، ليصف رائد تلك الليلة: "ركنت سيارتي قريبأ جدأ إلى حائط منزلي ونزلت أقفلتها، والتفت يسارا لأرى أولهما كان قزما رغم طوله يختبئ خلف قناعه وسلاحه وفتح النار، وجاوره قزم آخر بقناع وسلاح آخر وفتح النار تفصلهم عني خطوات، ولم يعد يفصل رصاصهم عن جسدي شيء, عانقني الموت وتنشقني وانطلقت شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله تمخر عباب صدري تنطلق في الهواء تلتصق بأنيني, حينها فكرت لن أصرخ لكيلا لايعودوا. بعد دقائق أسعفوني إلى المشفى أهل وأصدقاء, لكنني لازلت أتلمس نفسي أنا على قيد الحياة" ليتساءل: "من يملك الحق أن يلغيني من الحياة؟ ما شكل هذا الكائن الذي يمنح لنفسه حق قتل الآخرين ليثبت أنه على حق؟ من يملك الحق أن يصنفني مؤمنا كنت أم كافرا؟ أو ليس هذا اختصاص رب العباد الذي لولا يده التي أحاطت بي لتحميني من غدرهم لما كنت هنا اليوم".
يبقى سؤال رائد عن هويتهم غصة وحلقة مفقودة في أذهان جميع أصدقائه النشطاء والإعلاميين الباحثين عن الحقيقة الضائعة، إذ طالما بقي الفاعل مجهولا، فهذا يعني أن يده طليقة باتجاههم، والأصعب أنه يصعب توجيه الاتهام نحو أحد بعينه، إذ تقول رزان: " لا نسطتيع أن نقول أن داعش تقف خلف الأمر، لأن الأمور جدا متشابكة: يوجد كثير لهم أعداء، وهناك من له مشكلة مع النشاط المدني، وهناك مشاكل لها علاقة بتطورات المنطقة، وهناك من له علاقة شخصية مع رائد"، لتخلص إلى القول: "بشكل شخصي لا نعرف من خلف محاولة الاغتيال. لكن بالسياق العام في تهديدات لرائد وفي استهداف للإعلاميين وفي استهداف للنشطاء السلميين"، في حين قالت المسؤولة عن الحملة التضامنية "بطاقات إلى رائد": "ما بقدر حدد مين اللي قام بهذا الفعل. لكن أيا كان فهو عدو للثورة والانسانية وكلمة الحق".
وعمّا يمكن أن يفعله النشطاء لمواجهة هذا الأمر، تقول المسؤولة عن حملة "بطاقات" أن "أهم شي أن يتوحد الثوار على كلمة واحدة، ويشكلوا مجالس إدارية تنظم مناطقهم والحياة فيها٬ ويحاولو قدر الإمكان يحرسوها من الأشخاص المشكوك بأمرهم" في حين تقول "غزاوي" فيما يبدو مفارقة مدهشة: "نحن نعيش بحرب و يوجد ميليشيات، وإذا أراد المرء أن يحمي نفسه عليه أن يرفع سلاح، و لكن نحن أصلا سلميين، لذا لا حل سوى أن نفعل مثلما كنّا نفعل بمواجهة النظام في بداية الثورة، أي أن نترك الضيعة ونهرب أو نختبأ عند أصدقائنا" ليبدو الأمر وكأننا أمام حلقة مفرغة، إذ رغم رحيل النظام عن هذه المناطق عاد الناشطون للاختباء والهروب، وكأنهم أمام نظام شبيه به قبل أن يسقط أو أدوات تعمل لصالحه!
https://www.youtube.com/watch?v=XdoHWmbU-10
عمل النشطاء على أن لا يمر أمر اعتقال "الفارس" بسلام، حيث تظاهر أهالي "كفرنبل" بتاريخ 13/1/2014 وهم يرفعون لافتة كتب عليها: "فارس الحقيقة...شلت يد الغدر التي أذتك ...محاولة اغتيال الفارس إرهاب نحن ضده"، وأطلقت مجموعة من الحملات والتغطيات الإعلامية التي تدين الأمر، بعضها نفذتها "أفاز" تحت عنوان "كلنا رائد الفارس" وأخرى حملت اسم "بطاقات إلى رائد"، حيث أكدت المسؤولة عن الأخيرة لـ"سيريا أنتولد syria untold" أن "الحملة كانت مبادرة من بعض أصدقاء رائد بالمغترب، للتعبير عن تضامنهم وامتنانهم لبطل رفع اسم الثورة بالعالي، ومثّلها أحسن تمثيل على مستوى العالم. حبينا نقلو لرائد إنو مكانتو كبيرة عنا، وإنو ما منفرط فيه وداعمينو للنهاية. هي كانت أبسط وأسهل طريقة وأكيد رائد بيستاهل أكتر من هيك بكتير".
وكتبت الناشطة "هنادي زحلوط" مقالا تضامنيا جاء فيه: "محاولة اغتيال الفارس لا تستهدفه شخصيا، بل تستهدف كفرنبل، بكل ما تعنيه من رمز حقيقي للثورة السورية الحرة الهادفة لدولة مدنية ديمقراطية عصرية في سوريا التي نريد" ليبقى السؤال اليوم: هل يقدر النشطاء على مواجهة هذه الفوضى العارمة التي تهدد حياتهم وثورتهم لأنها تسيء لها في نهاية المطاف لأنها تحصل في مناطق رحل عنها النظام، مما يجعلهم بمواجهة من يقول بعجزهم عن إدارة مناطقهم دون نظام القتل الذي نجحوا بالنجاة منه، ولم ينجحوا بعد بمواجهة الفوضى والأمان بعد رحيله!
هذا هو التحدي الذي تطرحه محاولة اغتيال "الفارس"، فبقدر ما هي شخصية هي عامة يتوقف على نتائجها قضية الثورة التي باتت تواجه مصائر متعددو تدفع نحو نشاطائها للفرار من مناطقها، فهل يصمد هؤلاء أم ينجح النظام ولو عبر أدواته ووكلائه!