عدسات الانتفاضة: جنود مجهولون يسكنون حافة الخطر


21 شباط 2014

"هواية لا أكثر. ولكن تم صقلها بعد تجربة لم أكن أحلم بها، ويا ليتها لم تحدث" هذا ما يقوله كادر عمل صفحة "عدسة شاب سراقبي". وهي واحدة من العدسات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الانتفاضة، بهدف " نقل الحقيقة والواقع لكل العالم، وتوثيق ما يحدث من انتهاكات وحوادث تدمير، أثناء الاشتباكات والحروب"، أو "توثيق وإيصال صورة واضحة عن ما يحدث في مناطق مغيبة إعلاميا" كما يقول كادر "عدسة شاب دمشقي"، أو لأن " في كتير حقائق الناس ماعم تتقبلها بالحكي لازم يكون في صور. عن أخطاء النظام والمعارضة في حلب وجميع القوى المقاتلة في سوريا" كما يقول كادر "عدسة شاب مالو علاقة بالتصوير"، أو لـ" انو اعلام النظام ما عم ينقل الصورة متل مو موجودة" كما يقول صاحب "عدسة شاب طليباني" لنكون أمام ظاهرة تستحق التوقف عندها ورواية حكايتها: من هؤلاء؟ إلام يطمحون؟ ولمن يجازفون بأرواحهم لأجل صورة، وهم غير متعاقدون مع وكلات إعلامية؟ ولم يعتصر الندم أو الألم قلوبهم إلى درجة أن يصرخ أحدهم "ياليتها لم تحدث"؟ مالذي رأته عيناه؟

"صورة طفلة صغيرة أصيبت بشظية بالرأس، وهي شقراء وعيونها زرقاء. لوحده وجهها يتكلم الكثير لن أنساها ما حييت" هذا ما يقوله الشاب السراقبي، وهو ما قد يفسر معنى قوله السابق، والذي يعكس لنا مدى الخطر الذي يحيون في ظله: خطر يصل حد الخطف والقتل والإصابة والموت، وهو صادر عن جهات متعددة اليوم، إذ "تعرضت مرة لطلقة قناص في مناطق محررة ممكن من النظام أو من الحر، وتعرض الأدمن فهد للخطف من مجموعة "الحياني" وأُخذ منه 500 ألف لكن مو مشان التصوير لأنو منطقة السكن في مناطق النظام" كما يقول كادر "عدسة شاب مالو علاقة بالتصوير" لموقعنا "سيريا أنتولد syria untold"، في حين تقول "عدسة شاب دمشقي": " أسوأ ما مررنا به استشهاد أصدقائنا "عبد الله دوارة" و"ملهم بيرم" و"يوسف يونس" و "أحمد بحش"، واعتقال أحد أفرادنا و إصابة آخر. الخطورات الأمنية دائما موجودة .. القنص والقصف في المناطق المحررة، والاعتقال في المناطق الغير محررة. أصيب أحد أفرادنا وهو يقوم بالتصوير في منطقة جوبر بسقوط قذيقة بالقرب منه، وبقي لمدة شهرين حتى أتم علاجه" في حين يقول صاحب "عدسة شاب سراقبي": "اعتقلت مرة فقط من قبل عناصر داعش ولكن أفرج عني بعد أن مسحت كل الصور"، لنكون أمام مصورين يواجهون سلطات متعددة في آن واحد، ومع ذلك يصرون على المواجهة، إذ يقول "سراقبي": "خرجنا بثورة ضد الخوف فمما نخاف ونحن مع الله".

"أنا هاوي في التصوير" و "معظمنا بدأ بالتصوير مع بداية الثورة السورية" عبارتان قالها المصوّرون لموقعنا، تعكسان جانبا من الحكاية التي دفعت هؤلاء الذين لم يحترفوا التصوير، بل كان الميدان معلم دفعهم إلى الغرق في أتونه، فمع "ازدياد حجم المعلومات وكمية الصور التي يجب أن توّثق وتسجل وتكون دليلا على أي شيء، تابعت الموضوع بجدية أكبر" كما تقول "عدسة شاب سراقبي" الذي لم يكن التصوير بالنسبة له قبل الانتفاضة أكثر من "مجرد تفريغ شحن وتجسيد لهواية".

اطفال سوريون بعد مجزرة الكيماوي. تصوير: الشهيد محمد الأشمر من كادر عدسة شاب دمشقي. المصدر: صفحة عدسة شاب دمشقي على الفيسبوك
اطفال سوريون بعد مجزرة الكيماوي. تصوير: الشهيد محمد الأشمر من كادر عدسة شاب دمشقي. المصدر: صفحة عدسة شاب دمشقي على الفيسبوك

المجموعة الواحدة لا تقتصر على مصوّر واحد، فعدسة "شاب ما لو علاقة بالتصوير تقول " نحنا اثنان رامي وفهد"، في حين أن "عدسة شاب سراقبي"  تتألف من "ثلاث مصورين. أحدهم سفره متكرر وطويل،  والآخر تشغله جمعية إغاثية وتأخذ وقته، وأنا لدي وقت لا بأس به لأصور و أتابع ما يحصل"، في حين يقوم بالتصوير في "عدسة شاب دمشقي" مجموعة من المصورين الذين استشهد بعضهم مثل "محمد الأشمر"، الذي صوّر هذه الصورة.

لا يصوّر هؤلاء لصالح أي جهة. "كاميرتي وكل مالدي هو من مالي الخاص، فأنا أكره التبعية لأي فصيل مسلح أو مكتب صحفي. الحرية هدفي وغايتي ووسيلتي" كما تقول "عدسة شاب سراقبي"، الأمر الذي يجعل عملهم خاضع لـ "الغشاوة" التي تختلف بين مكان وآخر، تبعا لعلاقة كل عدسة مع الجماعات المسلحة التي تسيطر على الأماكن، فـ "عدسة شاب دمشقي" تتعاون مع "الجيش الحر" الذي يقوم "بتأمين الحماية للمصورين في بعض الأحيان"، في حين تقول "عدسة شاب سراقبي "هناك بعض الغشاوة بيننا ( يقصد الجيش الحر)، وخصوصاً أنني لا أسكت عن أي غلط وأكتبه وأنشره بالصور إن وجدت. لا يخلو الأمر من تهديدات علنية وسرية"، وأما "عدسة "شاب مالو علاقة بالتصوير" فليس لها أي علاقات مع " أي جهة مقاتلة في سوريا كل العمل في السر وفي الخفاء".

فتاة نائمة على رصيف في حي البحصة وسط دمشق بتاريخ 10/11/2013. المصدر: عدسة شاب دمشقي
فتاة نائمة على رصيف في حي البحصة وسط دمشق بتاريخ 10/11/2013. المصدر: عدسة شاب دمشقي

لا تتوقف مواضيع الصور الملتقطة عند موضوع معين، وإن كانت تتخصص في نقل ما يحدث اليوم في سوريا، عاكسة رؤية كل مصوّر ونظرته الخاصة تبعا لتجربة كل منهم، فـ "عدسة شاب مالو علاقة بالتصوير" تركز على "حجم الدمار في مدينة حلب، والأثار ويوجد لقطات عن أطفال فقدت آبائهم وأهلهم جرّاء الحرب"، في حين تتوقف "عدسة شاب دمشقي" عند مواضيع كثيرة منها صورة " لبنت نايمة بالشارع بدمشق بالبحصة بمنطقة أمنية" و" صورة لطفلة بعد مجزرة الكيماوي" تركت أثرا كبيرا في داخل مصوّرها وكل من شاهدها، أما " عدسة شاب سراقبي" فتقسم عملها تبعا للأحوال الأمنية السائدة، فـ "في الاحوال الهادئة اختار موضوع وأتابعه خلال يومي ومسيري في شوارع المدينة وحاراتها، وعند الأزمات أقوم بتصوير القصف والتدمير للاسعاف والإصابات للطيران والبراميل". 

صورة لغرافيتي في مدينة سراقب. المصدر: الصفحة الرسمية على الفيسبوك لعدسة شاب سراقبي
صورة لغرافيتي في مدينة سراقب. المصدر: الصفحة الرسمية على الفيسبوك لعدسة شاب سراقبي

لا يقوم بالتصوير أولئك الذين يخاصمون النظام فقط، بل يتعدى الأمر إلى المحايدين لنكون أمام حالة  تجمع السوريين، فعدسة "شاب مالو علاقة بالتصوير" تقول  "نحنا محايدين مو مع أي طرف. ليس الهدف إسقاط النظام بل وحدة الشعب و نقل الحقائق بالصور" متمنين أن يتوقف "الدم في سوريا بأي شكل من الأشكال"، في حين تعتبر "عدسة شاب دمشقي" أن "مستقبل سوريا لا نفكر كثيرا به. ما يهمنا هو الآن ... لكن بالتأكيد نتمنى أن يكون مستقبلا خاليا من الظلم والقتل"،وتأمل "عدسة شاب طيباني" أن" نخلص من النظام وأتباعو ونخلص من متسلقي الثورة ولصوصها وبتمنى الخير لسوريا"، في حين تركز "عدسة شاب سراقبي" على "وقف الحرب مهما كان الثمن" دون أن "نتنازل عن أي شبر من أرضنا، ولا عن أي حق من حقوقنا" آملين بجيل جديد " نعلمه الآن كيف يبنون البلد بعد أن نسلمهم إياها ونستردها من الطاغية وأعوانه"، ليصرّ الجميع على الاستمرار بالتصوير رغم "مواجهة الموت القادم من السماء أو مدافع الأرض أو داعش"، فالكاميرا توحدّهم وإن كانت رؤواهم مختلفة تجاه الحدث السوري.

ظاهرة "العدسات"، ظاهرة سورية أفرزتها الانتفاضة، لتكون صورة هامش يزاحم المتن الرسمي ويتفوّق عليه في أكثر الأحيان، مدفوعة برغبة البحث عن الحقيقة وإشهارها، لتكون نوعا من "صورة المواطن" التي تغطي النقص الحاصل في الإعلام الرسمي، سواء بسبب أجندة هذا الإعلام أو لعدم تمكنهم من الوصول إلى موقع الحدث الذي يتواجد فيه هؤلاء المغامرين، إضافة إلى كونها وسعت رقعة الإعلام لتصل إلى كل بقعة جغرافية، إذ بات لكل مدينة وحي أحيانا عدسته الخاصة التي توثق ثورته أو آلامه وأحداثه، أليس المنتصر من يكتب التاريخ؟

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد