كيف واجه الشباب السوري الطائفية؟


03 آذار 2014

حين انطلقت الانتفاضة السورية في الخامس عشر من آذار عام2011 لم يكن شبح الطائفية واضحا وموجودا في الساحة السورية بتلك الحدة الموجود بها الآن، ويعود ذلك، لا إلى حقيقة غيابها من الشارع السوري كما توهم الكثيرون بداية الانتفاضة، بل إلى قدرة النظام السوري طيلة حكمه إلى احتكار الطائفية لنفسه، حيث حرّم الحديث عنها مجتمعيا وسياسيا من خلال توجيه تهمة " إثارة النعرات الطائفية" للمعارضة، وهو ما تجلى أثره سابقا في حكم السلطات على المعارض السوري ميشيل كيلو بثلاث سنوات سجن، بعد كتابته مقالا ذو "نكهة طائفية" تحدّث فيه عن النعوات المعلّقة في شوارع اللاذقية، وسجن الصناعي "رياض سيف" على خلفية بيان تأسيسي لحركة تحدثت عن وجود فسيفساء في سوريا.

ما سبق يعطينا مثالا أن السلطة السورية تحارب الطائفية ظاهرا وتستخدمها سرا لضرب خصومها المعارضين، لتظهر بأنها علمانية وأنهم "طائفيين وإسلاميين"، وهو أمر خدمها  في مغازلة الغرب عبر شعاري "مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات".

ما سبق جعل سوريا تعيش حتى لحظة اندلاع الانتفاضة حالة "طائفية مستترة"، فالمجتمع لم يتعلمن بالكامل و لم يغرق بنفس الوقت إلى الطائفي شبه المطلق كما هو الحال في العراق و لبنان مثلا، إذ لعبت السلطة عامل ضمان في هذا الأمر، بهدف الحفاظ على نفسها وليس على المجتمع.

مع بدء الانتفاضة كان هدف الناشطين الحرية والديمقراطية وكسر الاستبداد الذي عمل مباشرة على استغلال الحالة الطائفية هذه، لحرف الانتفاضة عن مسارها، حيث بدأت تظهر شعارات طائفية تقول " المسيحية على بيروت والعلوية عالتابوت" بتحريض من السلطة، الأمر الذي دفع الناشطون مباشرة إلى إدراك اللعبة ليرفعوا شعار " واحد واحد واحد الشعب السوري واحد"، لتبدأ أتون معركة واضحة بين النظام وقوى الانتفاضة السورية، إذ يسعى الأول لتسعير الخلافات الطائفية وشق أسافين بين الطوائف عبر الإشاعات المكثفة والتفجيرات هنا وهناك فيما بعد، في حين واجهه الناشطون في البداية عبر اللافتات ووسائل التعبير المدني وزيارة بعضهم لبعض والتضامن في الجنازات بعد أن بدأت أعداد القتلى تتزايد. و كلما اشتدت أزمة النظام السوري كان استخدامه للورقة الطائفية التي احتكرها طوال عقود وخبأها لهذه اللحظة تزداد.

لوحة ساخرة لفنان الكاريكاتير جوان زيرو ... المصدر : الفنان جوان زيرو
لوحة ساخرة لفنان الكاريكاتير جوان زيرو ... المصدر : الفنان جوان زيرو

 وقد بدأت مفاعيل الأزمة الطائفية تظهر في سوريا، حيث قتل أول مواطن في مدينة بانياس الساحلية ( نضال جنود) من الطائفة العلوية على يد أشخاص من الطائفة السنية كما تقول السلطة ومؤيدها، في حين يقول النشطاء والمعارضون أن السلطة قتلته بغية لعب الورقة الطائفية، التي نجحت فعلا في تأجيج الطائفة العلوية الموجودة في بانياس وقراها ضد التظاهرات التي كانت اندلعت في المدينة آنذاك.

هنا عمد الناشطون على مواجهة الحالة الطائفية بالوعي والتواصل مع أعيان من الطائفة العلوية، وهو أمر نجح في البداية وتم الاتفاق على منع الاحتقان الطائفي في المدينة، إلا أن السلطة التي لا تريد هذا الأمر  أكملت مخططها، الأمر الذي دفع العلويين للتراجع والوقوف إلى جانب السلطة بسبب الخوف منها والتشبث بها بنفس الوقت، لوجود ميراث تاريخي ثقيل الظل لديهم كأي أقلية تعرضت تاريخيا للاضطهاد.

https://www.youtube.com/watch?v=3qYNJtRil4I

هنا أدرك الناشطون أن السلطة مصممة على لعب الورقة الطائفية حتى النهاية ولو اضطرت إلى إشعال حرب أهلية، حيث كانت المستشارة الإعلامية للرئيس الأسد "بثينة شعبان" هي أول من تحدث عن الحرب الأهلية في سوريا، الأمر الذي دفع الناشطين إلى ابتكار وسائل مدنية تفشل مخططاتها وتعينهم في تحقيق هدفهم، مثل رفع اللافتات المنادية بالوحدة الوطنية وتوزيع منشورات في الشوارع تؤكد أن  الانتفاضة هي انتفاضة شعب مقهور ضد نظام مستبد وليست انتفاضة طائفة ضد نظام طائفي، إضافة إلى إنشاء صفحات على الفيسبوك ضد الطائفية، مثل "لا للطائفية سوريا لنا جميعا" و " لا للطائفية في سوريا"، حيث نشطت الصفحتان في مجال نشر البوستات والأقوال والمأثر التاريخية التي تجمع السوريين بغض النظر عن طوائفهم، إضافة إلى البوسترات والشعارات والغرافيتي التي ترفض الطائفية وتنبه من مخاطرها، إضافة إلى قيام الناشطون بإعداد تقارير مصوّرة للتنبيه من مخاطر الطائفية كهذا التقرير الذي أعدته مؤسسة بصمة.

وبعد بانياس كانت مدينة حمص ثاني المدن التي بدأت فيها الطائفية تأخذ أبعادا أكثر مما كان متوقعا، وذلك لأن النظام الذي هاله صمود حمص في الأشهر الأولى للانتفاضة بوجه كل محاولاته طمسها، بدأ يزيد من عملية الاحتقان الطائفي عبر عمليات القتل والخطف والتشويه، الأمر الذي دفع بعض الناس الذين يواجهونه  والذين وقع عليهم تأثير هذه السياسة الطائفية بشكل مباشر يحاربونه بنفس أسلوبه وهو ما زاد من احتقان الحالة الطائفية أكثر، مما دفع العديد من الناشطين السلميين في المدينة إلى العمل على أكثر من سياق وصعيد لمحاربة الأمر عن طريق لقاء الأهالي وتوعيتهم ونشر اللافتات التي تؤكد على الوحدة الوطنية والوقوف بوجه كل محاولات النظام الطائفية وردع أنصار الثورة عن الحديث الطائفي، وقد تشكلت تيارات كثيرة في المدينة من يساريين وعلمانيين ساهمت في الحد من هذا الأمر مثل تجمع "نبض" الذي عمل أنصاره بشكل كبير في المدينة وساهموا في تخفيف الاحتقان الطائفي قدر إمكانهم، قبل أن تذهب الأمور باتجاه العسكرة بفعل عنف النظام المطلق. تقول إحدى الناشطات في مدينة حمص والتي عملت مع نبض لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold": " كنا نقوم بجمع ناشطين من كل الطوائف وندخلهم إلى المناطق المتظاهرة، كي نخفف الاحتقان الطائفي، وكنا نأخذ الناشطين من كل الطوائف، لتعزية أهل الشهيد عدا عن المشاركة في الجنازات بصفتنا المدنية هذه". وكذلك قام الناشطون بمحاولة استقطاب وجوه معروفة من الفنانين والشعراء والأدباء وطلب المشاركة في التظاهرات وقد استجاب عدد من الفنانين لهذا الأمر، كان منهم الفنانة المعروفة "فدوى سليمان" التي ذهبت إلى حمص وبقيت هناك فترة طويلة تحارب على صعيد محاربة الطائفية وترسيخ الوجه المدني للانتفاضة، والتحذير من استخدام السلاح، الذي ما إن دخل وتطوّر إلى حالة مسلحة عامة حتى هيّأ الأرضية اللازمة لتصاعد الاحتقان الطائفي، مشكلا نوعا من حاضنة له، خاصة بعد احتضان أجزاء من المعارضة لتنظيمات مثل داعش والنصرة، وهو ما يدفع الناشطون المدنيون اليوم ثمنه، حيث باتوا هم عرضة لهذه التنظيمات، ليقعوا بين فكي الكماشة: النظام والتنظيمات المتطرفة والطائفية، التي حوّلت سوريا إلى ساحة طائفية لصراع طائفي إقليمي، يعمل الناشطون حتى اليوم لتفادي نتائجه الكارثية من خلال التصميم على محاربة الطائفية رغم كل الخطر المحدق.

رغم كل هذا اليأس المحدق اليوم، لا يزال عدد من النشطاء والتجمعات المدينة يعملون في السر على ترسيخ وجه الانتفاضة السلمي والمدني بمواجهة الطائفية في كل المدن، متنقلين من مدينة إلى أخرى، يعملون في الهوامش المتاحة لهم: الإغاثة والتصوير والغرافيتي  و الأغاني توزيع المنشورات و تشكيل سلاسل بشرية وهم يرفعون لافتات تدين الطائفية و وتنظيم فعاليات وحملات ضد الطائفية و التظاهر حيت تيّسر ذلك، مصممين على استعادة "ثورتهم" من براثن سارقيها كما يقول أحدهم لسيريا أنتولد Syria untold، فهل ينجحون أم فات الوقت؟

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد