قبل أن تبدأ الانتفاضة/ الثورة السورية كانت المرأة مثلها مثل الرجل تنتظر انفجار الربيع السوري وتعمل له، بدءا من التظاهر أمام السفارات التونسية والمصرية والليبية في شباط 2011 وليس انتهاءا بصوت الناشطة "مروة الغميان" في سوق الحميدية في الخامس عشر من آذار، لتبدأ مسيرة المرأة السورية إلى جانب الرجل، يوما بيوم: تنظيما ومشاركة وتظاهرا وكتابة لافتات وإسعاف جرحى وحضا على التظاهر، دافعة الأثمان الكبيرة: اعتقالا وتعرضا للتعذيب والاغتصاب والإهانات والاستشهاد طلبا لحرية آمن بها السوريون ( رجالا ونساءا)، ولا يزالون رغم وعورة دربهم نحوها.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الثورة، وتزامنا مع العيد العالمي للمرأة السورية، أردنا في "سيريا أنتولد Syria untold" أن نستعرض وضع المرأة السورية في ظل الثورة بعيون ثلاث ناشطات سوريات انخرطن في تفاصيل الانتفاضة بكافة أشكالها، وعانين الاعتقال والظلم والتهديد. معهن نسأل: ماذا حققت المرأة السورية على صعيد مطالبها العامة ( الحرية والكرامة والمواطنة) ومطالبها الخاصة كامرأة؟ ومن تواجه اليوم؟ وهل خصومتها مع النظام فقط، أم ثمة بنية ذكورية عصية على التغيير؟ وهل نجحت في تغييرها أم تؤجل المعركة لما بعد إسقاط النظام؟
https://www.youtube.com/watch?v=xVMp5mADYp0
ماذا قدمت الانتفاضة/ الثورة للمرأة؟
تتفق كل الناشطات على أن الثورة/ الانتفاضة بمرحلتها السلمية أعطت المرأة مساحة لرفع صوتها ومطالبها، فقبل الانتفاضة لم يكن في سوريا "نشاط نسائي يمكن الاعتماد عليه، بسبب العقلية الأمنية ومنع التشكيلات الموجودة من العمل في المجتمع بشكل مستقل وذو فاعلية" كما تقول الناشطة "خولة دنيا"، لتجد مع بداية الانتفاضة "مساحة من الحرية في الثورة لم أجده في أي حقبة في حياتي العامة والشخصية, في إعلاء صوتي وطلبي للحرية في شوارع دمشق وغيرها. وهذه الحرية لا تزال موجودة كشرعية لا مساومة حولها" كما تقول "رزان غزاوي" حيث "كان للنساء منذ بداية الحراك، وعلى اختلاف انتماءاتهن الفكرية والاجتماعية، دور واضح في الاحتجاجات ضد النظام سواء بشكل مباشر أو عبر تقديم الدعم اللوجستي للثورة" كما تقول الناشطة "يارا نصير".
المساحة التي منحتها الثورة للمرأة في مرحلتها السلمية أعطتها المرأة أيضا للثورة، إذ منحتها وجها مشرقا ومدنيا من خلال مشاركتها الفعّالة صوتها الهادر في التظاهرات.
المرأة بين المرحلة السلمية والعسكرة:
إلا أنه بمقدار ما كانت المرأة عنوانا بارزا للانتفاضة في المرحلة السلمية، تراجعت في المرحلة العسكرية لأن "الحرب وطبيعتها الأبوية تحجّم من حرية المرأة لأن تستمر في عملها وفعاليتها على الأرض كما كانت في البدء" كما تقول رزان، وتؤيدها "يارا" إذ تقول "مع الانتقال لمرحلة الكفاح المسلح، تراجع دور النساء بشكل ملحوظ، واقتصر في ما تبقى منه على تقديم دعم طبي وإغاثي بشكل عام. في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وأصبحت بيد الثوار تراوحت مشاركة النساء في المجتمع بحسب طبيعة الإدارة التي تتحكم بكل منطقة (مدنية - إسلامية معتدلة - إسلامية متشددة) وأيضا بحسب طبيعة العسكر المسطير عليها".
هذا التراجع جعل المرأة واقعة بين مطرقة النظام الذي يهددها بالاعتقال والقتل والتعذيب وتدمير بيئتها وبيتها، وبين سندان التنظيمات الجديدة والوعي المجتمعي، وهو ما عبرت عنه يارا بالقول: " تبدو التحديات أمام النساء هائلة بعد ثلاثة سنوات من الثورة، فمن جهة يستمر صراعهن مع النظام الحاكم ومن جهة أخرى تخوض النساء معركتهن الذاتية لإيجاد حيز لهن في مجتمعات خرجت عن أعراف الحياة المدنية، وأصبحت أشبه بالمجتمعات البدائية الناشئة، إذ تتسم المناطق المحررة بحالة من العنف والذكورة العالية التي تغيب النساء عن المشهد العام تغييرا كبيرا".
وإذا كانت المخاطر القادمة من جهة النظام باتت معروفة ( اعتقال، قتل، وأد الحرية..) فإن الجديد يكمن في السلوكيات القائمة في الأوساط التي اختارتها الناشطات ملاذا لنضالهن، مثل "جعل التحجيب ظاهرة عامة مثلا, في المحرر" حيث "تتعرض الناشطة لتهديدات أو مضايقات في حال أرادت أن تزور أو أن تعمل في بلدها كما كانت دوما! ناهيك عن ضرورة وجود رجل بصحبتها إن هي أرادت العمل كثائرة في المناطق المحررة. بكلمات أخرى, الحرب التي شنها النظام على ثورة شعب قلصت المساحة التي احتلتها الثائرة في ٢٠١١ و٢٠١٢." كما تقول "غزاوي" التي تتابع أنه في "في بعض المناطق يتم سؤالي دوما لم لست محجبة, ويتم سؤالي لم لست مع عائلتي ولم لست متزوجة. أي أن الوصاية الذكورية يجب أن تكون دستور عملي ونشاطي, ولا يعقل أن أكون عاملة مستقلة في بلد أملك جواز سفره"، وفي هذا الأمر تختلف تجربة "يارا" بشكل جزئي عن تجربة "رزان"، إذ تقول: "طوال الفترات التي قضيتها في المناطق المحررة كنت غير محجبة، وأصررت على ذلك، لم أواجه بانتقادات علنية لا من قبل السكان المحليين ولا حتى من قبل الكتائب. الانتقاد الوحيد الذي وجه لي بخصوص عدم ارتداء الحجاب كان من ناشط زميل لي، وأيضا من امرأة ناشطة أصروا على ارتدائي الحجاب لكي" لا أتسبب بمشاكل للشباب" الأمر الذي يعني أن ثمة وعي قاصر لدى الناشطين أنفسهم في هذا المجال، وهو النقد الذي توجهه رزان لزملائها إذ تقول: "والمشكلة هنا لا في الظرف الموضوعي كحرب, وإنما في صمت الثوار, مجموعات أو كتائب أو حتى ناشطين سلميين وإعلاميين وجهات معارضة".
https://www.youtube.com/watch?v=wM_sKExoBio
وترى الناشطة "خولة دنيا" أن المرأة اليوم تقف "في مواجهة الظروف المعيشية السيئة، تحمل المزيد من الأعباء المعيشية لوحدها، وكذلك مواجهة ظروف اجتماعية وثقافية وافدة، أو مفروضة عليها بسبب النزوح أو اللجوء".
وفي مجال المقارنة بين عنف النظام وقمع السلطات الجديدة للمرأة، تتباين رؤية الناشطات، إذ ترى "غزاوي" أن "المقارنة مغلوطة" أساسا، لأن "النظام يستخدم القتل الممنهج والتهجير والاعتقال والتعذيب والاغتصاب ضد عامة الشعب. أحد أسباب مواجهة النساء الثائرات أو الناشطات والعاملات في المجتمع المدني تحديات جسيمة في العمل هو النظام في مناطق النظام, وبعض الكتائب في المناطق المحررة التي لا تعترف بالمرأة كفاعل أساسي في الثورة وببناء المجتمع والدولة". في حين ترى "دنيا" أنه "لا يمكن المقارنة اليوم بين الاثنين، بسبب سوء كل منهما، سبق أن ذكرت أن الظروف الحالية أخرجت للسطح كل العفن".
أسباب هذا النكوص والتراجع فيما يخص حقوق المرأة كثيرة ومتعددة، إذ ترى "يارا" أن المشكلة تكمن بكون الثورة "لم تصل في كثير من الأحيان لتكون ثورة على المفاهيم والقيم العميقة في المجتمع. لم تشمل الثورة حقوق النساء كفكرة أساسية ضمن أفكار التغيير، و يتجلى ذلك على المستويين الثوري والسياسي" ولأن المرأة تفتقد " للدعم الكافي من رفاقهم الناشطين. هنا مرة أخرى يغيب الوعي بضرورة الكفاح لتحقيق المساواة بين الجنسين كجزء من كفاح التغيير الاجتماعي بشكل عام"،وهو ما توافقها فيه "غزاوي" إذ تقول: "الصمت تجاه هذه القضايا هي ما أعتبره مشكلة, وهي مشكلة الثوار والناشطين والمعارضين, قبل أن تكون مشكلة مجتمعية أزلية أصلا"، في حين ترى "دنيا" أن "العقلية التي قامت الثورة لمحاربتها، هي نفسها لم تتغير، ويمكن أنها لم تنل فرصة لمحاولة التغيير كذلك".
إذن بعد ثلاث سنوات ثورة، تجد المرأة السورية اليوم نفسها وسط بحر هائج تواجه فيه عنف النظام والتنظيمات المتطرفة من جهة، ورؤية مجتمع تقليدي يريد فرض "الوصاية الذكورية" من قبل " العقليات الغير ناضجة والمتخلفة" وسط تخلي من الناشطين الذكور، أي "واقع أصبح فيه الكلام عن حقوق المرأة نوع من الرفاهية مقارنة بالموت والجوع. وهذا لا ينطبق فقط على وضع المرأة، بل يمكن سحبه على كافة الشعارات التي حملتها الثورة بكل فئاتها الاجتماعية (العدالة - المساواة - القانون - الدستور - المواطنة)"، كما توّصف الأمر "دنيا".
ولكن هل هذا يعني انتهاء المعركة وهزيمة المرأة؟
حتما لا، وهذا ما سنقرأه في المقالة القادمة لنتعرف على وضع المرأة في التشكيلات السياسية السورية، وعلى ما تعده المرأة من وسائل مقاومة لمواجهة الاستحقاقات القادمة رغم ك هذا اليأس.