المرأة السورية والتشكيلات السياسية الجديدة: مالعمل؟


12 آذار 2014

بالتوازي مع مسار الانتفاضة / الثورة تشكل العديد من التيارات السياسية التي قدمت نفسها معبّرا سياسيا عن الانتفاضة بوجه النظام، وكون المرأة السورية كانت من أوائل المنتفضات والمشاركات إلى جانب الرجل طيلة هذا المسار الطويل، مع دفع ثمن أكثر من الرجل أحيانا، بسبب تشابك وتوّزع السلطات التي تواجهها بين السلطة والمعارضة، مما يدفعنا للبحث في أسباب غياب المرأة عن الحضور ضمن هذه التشكيلات، عبر سؤال يقول: لم تُقدّم التضحيات دون أن تحصل على المكاسب؟ حيث تعتبر الناشطة "خولة دنيا" أن وضع المرأة اليوم "في تراجع على صعيد ليس الحقوق، وهو ما لم ينله أي سوري، ولكن على صعيد عدم التوازي بين تضحياتها، وما وصلت إليه"، وصولا إلى معرفة كيف ستواجه المرأة هذا الأمر؟ وما هي خططها للمستقبل؟

هذا ما سعى سيريا أنتولد Syria untold لمعرفة تفاصيله من خلال لقائه ثلاث ناشطات يبدو الغضب والخيبة والشعور بالغبن واضحا في ثنايا إجاباتهن، وهن اللواتي شاركن بالثورة ضد الظلم والهوان! إذ تقول المدوّنة "رزان غزاوي" متهكمة: "كم امرأة مشاركة اليوم في صفوف الائتلاف مقابل الرجل؟"، حيث تعكس النسبة مستوى التمثيل الهزيل للمرأة في هذه الأطر السياسية، وهو تمثيل تعتبره "دنيا" أنه أقرب لنباتات الزينة، حيث تم اختيارها في كثير من الأحيان لتكون معبّرة عن التنوع في التشكيل السياسي، أكثر مما هي جزء فاعل وأساسي فيه.. يتم دعوة المرأة في المراحل الأخيرة ما قبل الإعلان عن التشكيل، وهذا يدل على العقلية الحاكمة لمجتمعنا بشكل عام. وهذا لا ينطبق فقط على النساء، ولكن يمكن سحبه على موضوع الأقليات السياسية والإيديولوجية في المجتمع السوري"، معتبرة أن تصرفات المعارضة تشبه ما دأب النظام على فعله طيلة عقود: "عدد محدد للنساء في مجلس الشعب أو في المجالس المحلية، بغض النظر عن الفاعلية والدور الذين يبقيان حكراً على الرجال."

رزان غزاوي وهي تضع على فمها شريط لاصق مكتوب عليه ممانعة كدلالة على أن النظام الذي يقدم نفسه يقيد الحريات. المصدر: الصفحة الشخصية لرزان غزاوي على الفيسبوك
رزان غزاوي وهي تضع على فمها شريط لاصق مكتوب عليه ممانعة كدلالة على أن النظام الذي يقدم نفسه يقيد الحريات. المصدر: الصفحة الشخصية لرزان غزاوي على الفيسبوك

عانت خولة من هذا الأمر الذي ترفضه كثيرا خلال مسيرتها النضالية، فهي  بحكم كونها "امرأة ومن الأقليات في آن واحد.. أبدو في كثير من الأحيان عنصر مطلوب يتم دعوته في نهايات الاتفاق على تشكيل ما، ويتم دعوتي على هذا الأساس. ليس من الصعب كشف الغاية من الدعوة وبالتالي رفضه"، و في هذا الأمر تتفق الصحفية والناشطة "يارا نصير" مع خولة، إذ تقول: " كثيرا ما كنا نسمع في التجمعات السياسية، نحتاج لامرأة ضمن الكادر ويا حبذا لو كانت من الأقليات، هيك منضرب عصفورين بحجر". مما يحيل إلى عقلية ذكورية لا تزال تحكم أفق المعارضة السورية.

 وعن سبب هذا القصور، تقول "يارا" أن " الثورة لم تصل في كثير من الأحيان لتكون ثورة على المفاهيم والقيم العميقة في المجتمع، و لم تشمل حقوق النساء كفكرة أساسية ضمن أفكار التغيير، يتجلى ذلك على المستويين الثوري والسياسي، فالمجتمعات التي وضعت مزيدا من القيود على نشاط النساء بحجتي الحرب والدين قابلها من الناحية الأخرى نظرة براغماتية لوجود النساء ضمن الكوادر والتجمعات السياسية كضرورة شكلية أمام المجتمع الدولي وسائل الإعلام". في حين لا تنسى "دنيا" أن توجه جزءا من نقدها للمرأة نفسها لأن "الناشطات السوريات لم يكن على مستوى ما حصل، بسبب الاستبعاد المزدوج من النخب المعارضة النسائية والذكورية"، دون أن تنسى أن "العقلية التي قامت الثورة لمحاربتها، هي نفسها لم تتغير، ويمكن أنها لم تنل فرصة لمحاولة التغيير كذلك، بسبب تصاعد الأحداث، وكثرة التشكيلات السياسية والعسكرية، وفرض العسكرة".

هذه الخيبة التي تعكس آراء المرأة السورية، لم تدفعهن نحو اليأس بل لازلن يبحثن عن منافذ الأمل لكسر الاستبدادين الذكوري والسلطوي، إذ تقول "غزاوي" : "نحتاج حراك نسوي سياسي ليحاسب جميع من يسكت عن انتهاكات المرأة اليوم في سوريا الثورة, وأيضا لمحاسبة من يقوم بفرض قوانين تحد من حريتها وكيانها"، في حين تكتفي "دنيا بالقول: "هذا يجعلنا نرى أن الطريق سيكون طويلاً جداً لتحقيق تغيير نوعي على صعيد المجتمع وعلى وضع المرأة بشكل عام" دون أن تفصح عن الآليات التي ستتمكن المرأة من إنجاز هذا التغيير من خلالها.

https://www.youtube.com/watch?v=wM_sKExoBio

أما "يارا نصير" فترى أن المرأة يمكن أن تلعب دورا بارزا عبر مجالين: الأول "عبر السلام و في تقديم الدعم الاقتصادي والإداري والمهني والتعليمي ضمن مجتمعاتهن مهما كانت صغيرة. رأيت طاقات نسائية هائلة في المناطق المحررة تنتظر تحريرها. أظن أن هذا هدف أساسي اليوم في العمل، أن ننطلق من الأرض وحاجاتها ومواردها الممكنة".

والثاني: أن يستمر " كفاح الناشطات على المستوى الفكري والحقوقي في التوعية والنشر وفي محاولة إشراك الذكور أيضا في دعم الكفاح النسائي كجزء أساسي من أهداف الثورة في التغيير".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد