لا يمل السوريون من اختراع الأمل رغم كل اليأس الذي يحاصرهم والدمار الذي يكللهم، فالأمل والعمل نافذتهم الوحيدة للحياة ومقاومة اليأس بعد ثلاث سنوات ثورة. استُخدم خلالها ضدهم من قبل النظام وأشباهه: الموت والاعتقال والتعذيب والبراميل والقذائف وداعش والنصرة وقوى مضادة من قلب الثورة / الانتفاضة، حتى ينسوا الحرية ويبحثون عن الآمان والسكينة فخرجوا أكثر عزما رغم جراحهم النازفة ليكتبوا للعام الثالث على التوالي على جدران وساحات وتراب مدينة إدلب وقراها: "حرية للأبد لكل ولاد البلد"، وكأن الحرية عند السوريين تحوّلت مسيحا يقوم وينهض من قلب الدمار، على يد مجموعة من نشطاء المحافظة "المنتشرين في مناطقها المختلفة من سلقين لمعرة مصرين لمدينة إدلب وكفرنبل وسراقب"، فمن هؤلاء؟ ما هي حكايتهم؟ ألم يكسر الدمار والقصف والموت عزيمتهم بعد ثلاث سنوات؟ ولم يصرون على إحياء النشاط المدني السلمي في قلب الدمار؟ أما زال الأمل قائما أم ماذا؟
"جمعتنا الثورة وحب بلدنا وبس"، "بعضنا مسلّح والأغلبية نشطاء مدنيين". هذا ما تقوله لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" صاحبة الفكرة الصحفية والناشطة "زينة ارحيم" إذ ولدت "بمبادرة مني لنقوم بشيء، ولأول مرة على مستوى المحافظة. في السنوات الماضية كانت كل منطقة تحيي الذكرى السنوية للثورة وحدها بمظاهرات وأحيانا فعاليات"، لتبدأ بالتواصل مع أغلب النشطاء والأصدقاء المتواجدين في الداخل والخارج. ساعدها في ذلك كل من "حسن الأحمد" و"حسان دوش" و "فادي مشان "، إضافة إلى تواجدها في تركيا وواقع عملها الصحفي والمدني الذي يتماس مع ما يحصل في سوريا، لتبدأ " تواصلات افتراضية لمدة أسبوعين قبل الحملة كانت كافية لنتفق على الفعاليات، و نصّوت على أماكن القيام بها والشعارات. وكل قرار اتخذّناه كان بالأكثرية وبالرجوع لأبناء المنطقة أنفسهم لأنهم الأدرى بمناطقهم" لنكون أمام ديمقراطية تولد من أحشاء الواقع والنضال اليومي لهؤلاء الذين قرروا مقارعة الوحش في داره، وليس من بواطن الكتب والنظريات.
https://www.youtube.com/watch?v=_t96zd7518s
حملات كثيرة نفذها الناشطون في مدينة إدلب تستعيد زمن الثورة/ الانتفاضة الأول، وشعاراتها والأهم من ذلك سلميتها وفعالياتها، مع ابتكار حملات جديدة وأفكار جديدة مثل حملة التشجير التي "شارك فيها الجيش الحر، حيث زرعوا أشجار سرو وصنوبر في معرة مصرين، وعلقوا على الشجيرات بطاقات تحمل أسماء أصدقائهم وأقربائهم الشهداء" كما تقول "زينة"، لنكون أمام محاولة إشراك العنصر المسلح في العمل السلمي، سعيا لجذبه إليه بدل أن ينصاع المدني للعسكري أو يسكت أمام فوهة بندقيته، حيث أن أغلب "المشاركين في فعالية التشجير هم فصائل من الجيش الحر والمجاهدين غير المتطرفين٫ وإدلب محررة من داعش ولولا ذلك ما تمكّنا أساسا من القيام بأي نشاط" وهو أحد الأهداف المعلنة لحملة التشجير، إذ بالإضافة لأنه " نشاط بيئي مهم نتيجة قطع مساحات واسعة من أشجار إدلب للتدفئة فحلو الناس ترجع تفكر بالزراعة" فإنه يهدف إلى " إعادة المسلحين الذين انقطعوا عن الفعاليات المدنية من أكثر من سنتين إليها"، حيث قال أحد المشاركين الذي ساعد برسم أعلام الاستقلال "كنت نسيان شو يعني مدنية من آخر مظاهرة طلعتها بال٢٠١١".
حملة التشجير تحمل أبعادا أكثر من ذلك، إذ تهدف أيضا إلى جعل " شباب الجيش الحر يشوفوا علم الاستقلال بدال العلم الأسود مرتبط بأسماء الشهداء اللي علقنا أسماءهم على الأشجار" وكأننا أمام ثورات داخل الثورة: ثورة لاستعادة السلمية أو التذكير بها على الأقل، ثورة تحدي بوجه النظام أننا صامدون، ثورة داخل المكون العسكري لتذكيره بالأهداف التي قام بها، حيث أصر شاب من معرة النعمان على إهداء "حواجز الجيش الحر أعلام وحطّوها كتيرين على حواجزهم" ، ثورة موجهة لمن هم في الخارج لكي يتذكروا أن " الجيش الحر كان بأغلبه متظاهرين وناشطين مدنيين و ليسوا وحوش ولا يشبهون عناصر الأمن السوري" سعيا لـ "أنسنة هؤلاء المقاتلين بالعيون السورية اللي صارت تشوفهم فقط طرف بالنزاع، وتنظر لهم بفوقية و أنهم زعران أو متطرفين وفقط".
الربط بين العمل العسكري والسلمي بدأ مذ قرر ناشطو الحملات ومنظموها مد أيديهم للجميع، لأي "شخص مستعد للعمل لإنجاح الفعاليات ما في حدا قال بدي ساعدكم وقلنا له لأ أبداً... حتى أن مقاتلا من أحرار الشام عرض المساعدة بموضوع جمع الذخيرة للمعرض"، الذي ضم مخلفات الحرب من ذخيرة وقذائف وصواريخ٫ حيث رسم على بعضها الفنان " خالد شلاش" في حين ترك أغلبها بشكل قبيح في مدينة سراقب.
https://www.youtube.com/watch?v=gZrNfb7RSBQ
وضمن إحياء الذكرى الثالثة نفذ النشطاء حملة بخ شعارات على الجدران في أربعة مناطق هي "سراقب٫ كفرنبل٫ سلقين٫ تفتناز"، بمشاركة فريق حملة "عيش" و"الكرنفال السحري" بكتابة شعارات تم الاتفاق عليها، مثل: "حرية وبس٫ خاين ياللي بيخطف ثائر٫ حرية للأبد لكل ولاد البلد٫ أهداف ثورتنا الأولى خطوطنا الحمراء"، إضافة إلى مظاهرة "شاركنا فيها في كفرنبل في 15/3/2014" و "عروض مسرحية للأطفال في سراقب وكفرنبل قام بها "الكرنفال السحري، ونشاط للأطفال قام به "باص الكرامة" في ريف معرة النعمان"، وذلك كله بهدف إحياء الزمن السلمي للثورة من جهة، وترك أثر "إيجابي عند الأهالي المتعبين والمدنيين الذين تحوّلت لديهم الثورة لحرب ومسلحين".
رغم ذلك تعترف "زينة" أن "عدد الفعاليات الثورية التي مازالت تؤمن بالصورة المدنية السلمية قليلة. كثير منهم يسأل وما الفائدة! ولماذا! ولا ألومهم في هذه الظروف" وهذا يعود إلى طبيعة الواقع الصعب الذي يعيشه الناس في المحافظة التي تعيش على وقع البراميل والقذائف وغارات الطائرات، وهو الأمر الذي خلق واقعا من الشك بأي عمل مدني أو سلمي أحيانا، وذلك من قبل "الشخصيات المحلية" التي استفسرت "عن هدف الحملة ومن وراءها (وتشكيك بأننا نقبض نقودا لنقوم بها) وهذا شيء أصبح اعتيادا في المناطق المحررة"، إلا أن "وجود نشطاء معروفين في المناطق معنا وهم مصدر ثقة" ساعدهم على تخطي العوائق إلى درجة أنه "لم يزعجنا أي مسلح على العكس كانوا متعاونين وعملنا في أماكن فيها جبهة النصرة ولم يسائلنا أي منهم".
https://www.youtube.com/watch?v=6l5qDZfTfqQ
لم يكن هدف الحملة التي عاد ناشطوها "كل إلى شغله" بعد إنهاء مهامهم مجرد إحياء الذكرى الثالثة للثورة على أهميتها، و التي لم تكن أكثر من متكأ لطرح ما أرادوه من جعل الناس ترى "أشياء ملونة وعلم الاستقلال" حيث أن "رؤية أعلام الاستقلال من جديد والحديث عن الثورة بين المدنيين كان شغلة ايجابية لمسناها، وأنهم يشوفوا شباب أنيقين ومعهم صبية (بإدلب هي شغلة مو كتير مطروقة) عميشتغلوا بدون ما يسوّقوا لاسم أو شعار معين هي خطوة بطريق طويل لنرجع ثقة المدنيين بالعمل الثوري".
إنه الأمل السوري الذي لا يكف عن مقارعة اليأس رافضا الرضوخ لبراميل النظام، صارخا بما عمل النظام على وأده طيلة ثلاث سنوات: "حرية وبس"، لنكون أمام سوريين لم يحيدوا عن بوصلتهم رغم كل ما حصل.