الثورة السورية التي انفجرت ضد الاستبداد، وجدت نفسها بعد مخاضات طويلة وعسيرة تتحول من طور إلى طور دون أن تحظى بإشراقة الولادة/ الحرية.
من السلمية إلى العسكرة فالتطرف، مسار طويل وصعب ومتعرج خاضه السوريون وهم يقامون، وكلما تخطّوا مرحلة اكتشفوا أن القادم أصعب، دون أن يثنيهم عن المتابعة، مبتكرين لكل مرحلة أساليب مقاومتها، ولكل عدو/خصم أسلوب مواجهته. ومن هؤلاء الخصوم الجماعات المتطرفة التي تتخذ الدين ستارا لها، إذ فاقت تصرفاتها تصرفات النظام في إجرامها ووحشيتها وتهديدها النسيج المجتمعي السوري والثورة بحد ذاتها، ليجد النظام فيها ما يحقق أهدافه و "يبرر العنف الذي يمارسه ضد الشعب السوري، و يدعم تبريره بإدخال قوات أجنبية لتحارب على الأراضي السورية بجانب الجيش السوري كقوات حزب الله و قوات إيرانية و غيرها من الميليشيات"، ليدرك النشطاء أن معركتهم ضد النظام هي معركة ضد التطرف بالضرورة، لأن كلاهما سند الآخر، الأمر الذي ولّد آليات المقاومة ضد التطرف كما النظام أيضا ( ميدانية، مظاهرات، فنية، إبداعية) ، فكان "تجمع شبابي ضد التطرف" الذي اختار الرسوم المتحركة ميدانا لمقاومة الدكتاتورية والتطرف معا.
https://www.youtube.com/watch?v=RuwF1jiTi2I
من مخاض العمل والتفكير والإبداع الذي جمع "مجموعة صغيرة من الشباب السوري" المنتمي "للثورة السورية التي تهدف للحرية و بناء مجتمع مدني تعددي" ولد التجمع الذي رأى أفراده أن "النظام السوري الحالي بممارساته يعوق هذه الأهداف وأن التطرف الديني الذي ينتشر في سوريا يدعم أهداف النظام"، حيث ولدت الفكرة أثناء عمل المخرج المتخصص في مجال الرسوم المتحركة "وائل طوبجي" والفنان التشكيلي والخبير في مجال الرسوم المتحركة "ديلاور سليمان" على فيديو إعلاني بعنوان "لهم أطفال" "يظهر محاولات متتالية لفتاة في السادسة من عمرها، لتسجيل رسالة مصوّرة بغية إرسالها للجهة التي خطفت والدها"، حيث جاء الفيلم "كرد فعل على ظاهرة الخطف التي انتشرت بشكل مخيف في سوريا بالآونة الأخيرة و بتبريرات مختلفة" كما يقول المخرج والناشط "وائل طوبجي" لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
في هذه الأثناء، وتزامنا مع حوادث الخطف الكثيرة ظهرت "داعش" وبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي "سطرت أبشع ممارسات التطرف، إذ قرأت مقال عن إعلامي عانى الاعتقال لدى داعش قبل أن يحرره الأهالي، و قد وجدت في قصته ما يعبّر عن الشعب السوري الذي يعيش بين فكي كماشة (النظام من جهة و الجماعات المتطرفة من جهة)".
https://www.youtube.com/watch?v=aJ4W1AoAiCA
الفكرة التي ألحت طويلا على ذهن "وائل" وجدت صداها لدى الكاتب والصحفي "حسام موصلي" الذي أرسل "لي نص لفكرة ذكية تعبر أن الجماعات المتطرفة و على رأسها داعش تكمل أعمال النظام و تدعم غاياته في المناطق المحررة فكان فيلم (لا فرق) و هو فيلم كوميدي قصير يعبر عن هذا الوضع"، حيث وجد المخرج أن تقنية الرسوم المتحركة هي "أفضل تقنية لتجسيد أو لتوثيق بشاعة الممارسات التي يتعرض لها الشعب بطريقة سلسة و معبّرة، فبدأت بالتجهيز للفيلم بالإمكانيات المتاحة البسيطة، و قد ساهم ديلاور بالتنفيذ أيضا".
وأنتج الفريق أيضا فيلم "إيد واحدة" (2012) الذي شارك في العديد من المهرجانات العالمية، والذي أنتج بجهود جماعية من قبل "وائل" الذي لديه خبرة تتجاوز العشر سنوات في مجال الرسوم، ومجموعة من الفنانين الآخرين، حيث كانت مسؤولية وائل "ضخمة إلى حد ما بحكم خبرتي المتمكنة من صناعة أفلام الرسوم المتحركة، فكنت أنا أقوم بالبحث، الإعداد، التصميم، الإخراج و وضع اللمسات النهائية للفيلم و ديلاور كان يقوم بعملية الرسم و التنفيذ" لنكون أمام إرادة أفراد يقومون بعمل مؤسسات، لإيمانهم بقوة الهدف الذي يصبون إِليه: سورية حرة من التطرف والاستبداد في آن، ساعين لكسر العوائق الكثيرة التي اعترضت عملهم ولا تزال، متمثلة بـ: (1) صغر الفريق لأن "تقنية الرسوم المتحركة تحتاج إلى فريق كبير ذو اختصاصات مختلفة و متنوعة، و بالتأكيد عندما يقوم صاحب الاختصاص بالعمل في اختصاصه تكون النتيجة حتما أفضل". (2) بناء حبكة قوية للأفلام وببطء بالإنتاج، إذ لم ينتجوا غير ثلاثة أفلام حتى الآن، " مقارنة مع تسارع الأحداث الكبير". (3) صعوبة كبيرة في إيجاد موسيقا مناسبة للأفلام يمكننا استخدامها مع حفظ حقوق النشر.(4) صعوبة في النشر " حيث عملت بشكل يومي على مراسلة العديد من صفحات و مواقع الأصدقاء بهدف النشر" كما يقول وائل لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
اختار الفريق تقنية الرسوم المتحركة، لأنها اختصاصهم أولا، ولأنها تقنية " فاعلة بشكل حقيقي في حملات التوعية المجتمعية، و التعبير عن الواقع المعقد" ثانيا، ولأنها ( وهي الأهم) "وسيلة حقيقية لتوثيق الواقع الفج المعاش بطريقة سلسة،، لأنه من الصعب اليوم توثيق القصص إلا من خلال شهود عيان، فيمكن لتقنية الرسوم المتحركة أن تجسد الأحداث بطريقة متخيّلة استنادا إلى أقوال شهود" ثالثا، علما أن الرسوم المتحركة أصبحت وسيلة مستخدمة بالكثير من الأفلام الوثائقية، حيث أطلق مهرجان Animadoc دورته الأولى السنة الماضية ٢٠١٣ في ألمانيا لهذا النوع من الأفلام.
التجمّع الذي اختار الرسوم وسيلة لموجهة التطرف بكافة أشكاله ( نظام وجماعات مسلحة)، تعكس ولادته بحد ذاتها مآزق الثورة وتحولاتها من جهة، بقدر ما تعكس قدرة السوريين على تحديها وعدم الركون لليأس، إذ يدرك الفريق أنها "محنة صعبة بشكل كبير للشعب السوري خاصة بعد كل هذه الإحباطات و خيبات الأمل المتواصلة، و لكنها تجربة صعبة لا بد من خوضها لإدراك الواقع الذي نعيش فيه"، معتبرين أن ما يحصل يؤكد لهم أن "الثورة السورية هي ثورة بكل المقاييس، فلم تقتصر على الحراك الشعبي ضد النظام، بل شكلت ثورة فكرية و فنية وحتى شخصية حيث نلمس بشكل كبير الانجازات العظيمة في الفنون و الكتابة و صناعة الأفلام" التي كلما انتهوا من واحد منها وجدوا أنفسهم أمام "حافز إضافي لإنتاج المزيد من الأفلام خاصة عندما نلتمس التأثير الحقيقي لهذه الأعمال على الأرض".