ألوان سورية بمواجهة الهويات القاتلة


04 أيار 2014

أغاني كردية وعربية وآشورية وسريانية وأرمنية تصدح بمقر المنظمة الآشورية في حي الوسطى بوسط مدينة القامشلي، ضمن مهرجان الربيع الثاني؟

هل هذا حلم أم حقيقة، أمام الأنهار الطائفية الجارفة في المنطقة، ووسط دوامة السلاح التي تغرق فيها سوريا يوما بعد يوم؟

هل هذا ممكن في سوريا التي كانت دولة مركزية لا تنطق بغير العروبة و "قلب العروبة النابض" الذي كان يقصي كل الألوان السورية لصالح لون واحد؟

إن كان ثمة إنجاز يمكن أن يفخر به السوريون كنتاج حي وملموس لانتفاضتهم حتى اليوم، هو قدرتها على كسر هذا الفضاء الأحادي، لصالح إفساح المجال أمام كل الأصوات لتعبّر عن نفسها، وتوجد فضائها الخاص ضمن منظومة وطنية لا تزال ولادتها متعثرة، وهو ما يعبّر عنه الشعار الذي اختاره ناشطو مدينة القامشلي عنوانا لمهرجانهم هذا العام، وهو " ألواننا.. جسورنا"، حيث تعبر الألوان عن ثقافة وعادات وطريقة عيش كل طائفة/ إثنية، لتكون جسرا باتجاه الآخرين، في سعي واضح ودؤوب، لأن تكون الهويات المتعددة جسورا نحو الآخر، بدلا من أن تكون "هويات قاتلة" كما يقول أمين معلوف في واحد من أشهر عناوين كتبه.

ولكن إلى جانب ما سبق، رفعت الانتفاضة أيضا الغطاء عن فانوس الطائفية الذي يغلي اليوم، الأمر الذي ضيّق من مساحة عمل الناشطين المدنيين، ليكون إصرارهم على تنظيمه رغم كل اليأس والحرب والمعارك الدائرة،  محاولة منهم لجمع كل مكونات المدينة ( الطائفية والإثنية) في مكان واحد، لإطلاق صيحة تعايش ورقي من مدينة طالما عرفت بتعدديتها ومدنيتها وتعايش كل مكوناتها، بدلا من هذا السعار الطائفي الذي يجتاح الجميع، وكأن "مهرجان الربيع" يناضل ويقاوم على طريقته لمنع انزلاق المدينة نحو ما انزلقت له المدن الأخرى في سوريا، ساعين لأن تبقى سوريا موحدة وتعبّر عن ألوانها/ هوياتها بحرية مطلقة بذات الوقت، و هو ما جسده المهرجان حين ضم "عمل موسيقي مشترك لفرقتي قيثارة أور، و زارا باند، وذلك بتقديم أغنية بلغات مكون المدينة: الكردية، العربية، التركية، الاشورية، السريانية، الأرمنية" كما قال أحد المنظمين لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

https://www.youtube.com/watch?v=V_90YCQfJ0c

المهرجان الذي انطلق يوم السبت 26 نيسان/ ابريل 2014، بمقر المنظمة الآثورية في حي الوسطى بوسط مدينة قامشلو، واستمر حتى الثلاثين منه، لا تأتي أهميته من النشاطات التي قدمها فحسب، بل من هذا التمسك بالأمل رغم كل شيء، من خلال السعي لإبراز كل أصوات المدينة في الوقت الذي يسعى فيه آخرون لإبراز سوريا بلون واحد وصيغة واحدة بقوة السلاح ومن الطرفين ( بعض أطياف المعارضة والنظام)، فكان الحل: الوقوف على  مسرح واحد في منظمة آشورية وإطلاق "مهرجان الربيع الثاني" بـ "جملة من الأغاني الكردية والعربية والأثورية، من قبل فرقتي: زارا باند، و قيثارة أور، إلى جانب بدء المعرض التشكيلي بتقديم العديد من اللوحات للفنانين: مي قولنج، نالين حسو، فادي خيو، حيث يستمر المعرض لمدة ثلاثة أيام".

اليوم الثاني من المهرجان الذي نظم برعاية من منظمة الأمواج المدنية "بيل" PÊL- Civil Waves، والمنظمة السورية للطوارئSWFC، وبتنظيم من "ائتلاف شباب سوا" ومركز "أريدو للمجتمع المدني قدم "دبكات من الفلكور الآشوري بتوقيع فرقة أورنينـا، إضافة إلى عرض فيلم "حكايا الربيع" الوثائقي للمخرج "سيامند أومري" و فيلم "سبعين نبضة" للمخرج "غاندي سعدو".

وكما سعى المهرجان لأن يمثل الديمقراطية من خلال فتح المجال أمام جميع مكونات المدينة للتعبير عن ثقافاتها، فإنه فعل نفس الأمر مع الفنون التي حجز لكل منها مكانه المميز، حيث كان اليوم الثالث مخصصا للمسرح، حيث قدمت فرقة جيان عرضها "الذي لا يأتي"، وفرقة "عشتار" عرضها "المحاكمة"، في حين خصص اليوم الرابع للفوتوغراف والخط والشعر، حيث افتتح معرض ضم لوحات الفنانين: جورج أفرام، سيميل كورية، أياز اسماعيل، وفي الشعر قرأ كل من  : ابراهيم شمعون، خناف كانو، عبدالصمد محمود، أمارسين رومانوس، أمانوس زردشت.

سوريا اليوم على حد فاصل بين الاتجاه لأن تبقى دولة وطنية بهويات متعددة ومتنوعة ومتعايشة وبين التحول إلى دولة فاشلة.

 بين هذين الخيارين لا يتردد "مهرجان الربيع" للعام الثاني على التوالي في اختيار ضفته: "ألواننا جسورنا"، فهل ينجحون في مد جسور الغناء والمسرح والمحبة بدلا من "الهويات القاتلة"؟

إنهم يحاولون بدل لعن هذا السراب، وكفى!

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد