فرقة سما: الخلاص من الاستبداد أهم من الموسيقا


05 أيار 2014

قبل أن تجمعهم الموسيقا، جمعهم حلم التغيير، لهذا لم تشكل أغانيهم "مشروعاً موسيقياً بقدر ما تشكل مساهمة متواضعة في الحراك المناهض للاستبداد"، لنكون أمام فرقة موسيقية حملت اسم "سما" تعلن بلحظة تشكلها وطبيعة أعمالها ونوعية موسيقاها انتمائها الواضح، جاعلة من الموسيقا والأغنية والكلمة "جنديا" مقاوما لكسر إرادة الاستبداد، ليبقى السؤال: هل كان هذا على حساب الفن؟ أم ماذا؟ هذا ما ستقوله لنا الحكاية التي تابع موقع "سيريا أنتولد Syria untold" تفاصيلها لحظة بلحظة.

مجموعة من الأصدقاء "من عدة مناطق في سورية، ويواصل أغلبنا حياته في سوريا"، أسسوا بتاريخ 6/1/2012 صفحتهم على الفيسبوك لتكون الإعلان الرسمي عن نشاطاتهم وأغانيهم التي شملت ألبوهم الأول (علي صوتك علي) الذي تم العمل عليه "في مرحلة مبكرة من عمر الثورة"، كرد فعل مباشر على خطاب الاستبداد من جهة والتفاعل مع تحرك الشارع السوري من جهة أخرى، دون أن يكون في نيتهم تشكيل فرقة، إذ "لم نكن نخطط وقتها لتشكيل فرقة وإصدار ألبوم، كنا نغني هذه الأغاني مع الأصدقاء وفي السهرات الخاصة"، كما يقولون لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

أول عمل لهم كان أغنية "شوهالمسخرة" التي جاءت "رداً على خطاب رأس النظام الأول بعد بداية الثورة"، سعيا منهم للمشاركة في الثورة ضمن مشاركات أخرى كان يقوم بها أعضاء الفريق، بل حتى تشكيل الفرقة نفسها لم يأتي "إلا بعد أن تم اعتقال عدد منا لفترات مختلفة على خلفية مساهمات لا علاقة لها بالجانب الموسيقي"، ليصبح العمل "في غرفة مغلقة على تسجيل الأغاني الموجودة سابقاً واحداً من الوسائل المتاحة للمساهمة في الثورة" بعد أن نجح القمع في قمع نشاطاتهم الأخرى، لنكون أمام فرقة ولدت من جوهر التضييق الذي مارسه النظام، وبفعل الرغبة في كسر إرادة الاستبداد عبر الموسيقا، أكثر من السعي لتأسيس مشروع موسيقي، وهو ما تعكسه طبيعة عمل الفرقة المكوّنة من ستة أشخاص وآليات عملها، حيث يعترف أحد المؤسسين لموقعنا "هي ليست فرقة موسيقية احترافية. واحد من أعضاء الفرقة هو الذي قام بتأليف كلمات وموسيقى جميع الأغاني، في حين عمل الباقون على الأداء والتسجيل وإضافة لمساتهم الخاصة أيضاً".

https://www.youtube.com/watch?v=sozpNJdMk2o

رغم أن أغلب الأغاني جاءت كرد فعل على خطاب الاستبداد وتماهيا مع ما يحدث في شارع الانتفاضة/ الثورة، إلا أن ثمة أغاني أخرى "ذات طابع عام تتحدث عن ثورة الشعب السوري ضد الطغيان وفكرة الثورة بشكل عام"، وهو ما جعل أغنية "حابب طمنكن" تأتي على خلفية الحديث عن احتمالات قطع الخبز وتوقف الأفران، بينما تأتي أغنية "يا محلا النوم" لتستمد فكرتها من رد أهالي المناطق الثائرة بعبارة "يا محلا النوم على صوت الروسية" كسخرية من محاولات النظام لإرهابهم من جهة، وليعني الأمر "استمرار الثورة كما كان يعني مأساةً وموتاً وإرهاباً للثوار وعائلاتهم"، في حين تأتي أغنية "مامنحبك" ردا على شعار "منحبك" الذي طبعه النظام على شوارع دمشق طيلة عقد من حكم الاسد الابن، مستمدة بذات الوقت خطابات الثورة وشعاراتها مثل " ما منحبك لا إنتا ولا حزبك".

يعترف أعضاء فرقة "سما" بضعف الجانب الفني في أغانيهم وموسيقاهم، لأن "الرسالة التي تحملها الأغاني كانت أهم من سويتها الفنية بالنسبة لنا". والأمر يعود لطبيعة الظروف التي ولدت فيها الفرقة "حيث تمت أعمال التسجيل في مكان سري ومغلق في منطقة خاضعة تماما لسيطرة النظام..، ومعدات التسجيل لم تكن مناسبة لتقديم عمل موسيقي عالي المستوى بالمعنى الفني، كان أحد العازفين مثلاً يضطر لتسجيل صوت البزق ثم يعود هو نفسه لتسجيل صوت الكمان. لم يكن لدينا كرت صوت مثلاً، كنا نستعيره من صديق ونضطر لإنجاز تسجيل أغنيتين في يوم واحد وإعادة كرت الصوت له دون أن يعرف هذا الصديق الهدف من استعارته، كان صعباً تجميع أعضاء الفرقة في مكان آمن والتسجيل بشكل مريح وزمنٍ كافٍ" مما عقد من طبيعة عملهم وجعلهم يركزون على الأهم مهملين المهم، ما أدى إلى حصول "أخطاء في التسجيل .. لم يكن لدينا إمكانية التوقف عندها وإعادة التسجيل".

https://www.youtube.com/watch?v=L9OpxTToaiA

الظروف الصعبة لاحقتهم حتى صفحة الفيسبوك إذ لم يطرح أي عمل جديد للفرقة منذ 16-2-2012، إلا أن هذا لا يعني أن الفرقة كانت صامتة وبلا نشاط خلال الزمن الفاصل بين الأمس واليوم، بل "التأليف لم يتوقف، هناك العديد من الأغنيات الأخرى وكان هناك ألبوم جاهز للتسجيل، لكن لم يتم تسجيله" والظروف هي نفسها تتعلق "باتساع نطاق العنف في البلاد وصعوبة الظروف الأمنية و تسارع الأحداث وتقطيع أوصال البلاد بسبب الحملات العسكرية للنظام، مما أدى إلى صعوبة اجتماع أعضاء الفرقة ( هم من محافظات مختلفة) في أوقات وأماكن مناسبة للتسجيل، وأصبحت الأحداث تتسارع بشكل يتجاوز الأغنيات التي يتم تأليفها"، مما يعني أن الفرقة لم يتوقف نشاطها أبدا، فـ "بعض الأغنيات اللاحقة أصبحت معروفة في أوساط معينة من خلال التناقل الشفهي".

على خلاف الكثير من الفرق الموسيقية والمجموعات الثورية المدنية لا يزال فريق "سما" يرى أن الثورة لم تنحرف " بانتقالها من العمل المدني والسلمي إلى العمل المسلح، إلا أن مساحة التعبيرات المدنية والسلمية تضيق في ظل ظروف الحرب التي فرضها عنف النظام الهمجي"، مؤمنين أن "المستقبل سيحمل الأفضل للسوريين بعد أن يتمكنوا من انتزاع حريتهم".

"فرقة سما" مثال سوري حي على مقاومة السوريين، جسدا وإبداعا، فإن تمكن الاستبداد من منع الجسد أو قتله، فإنه عاجز عن منع الفكرة/ الأغنية، التي لا تزال تصدح مقاومة الحواجز والرصاص والمدافع، سعيا لتحقيق حلمهم الذي هو "حلم السوريين في الخلاص من الطغيان ومواصلة حياتهم وتقدمهم في جميع المجلات" حتى لو كان الأمر على حساب الموسيقا اليوم، فالأمر لا يتعلق بها فقط، "إنه يتعلق بالحرية والخلاص من الاستبداد" وفق قولهم.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد