حقّقت "الموسيقى البديلة"، أو "الروك البديل"، شعبية واسعة بين قطاعات الشباب، بسبب مساحة الحرية الكبيرة في هذا النوع، ولقابليته للاختلاط والمزج بين المفردات الموسيقية الشرقية والغربية، ولطبيعته الثورية وانفتاحه على الحياة والواقع. وأيضاً، وهو الأهمّ؛ كلُّ شي يمكن أن يقال في هذه الموسيقى.
من هذه المعاني خرجت فكرة "طنجرة ضغط"، الفرقة الموسيقية السورية. وإذا ما أضفنا إلى تلك الهموم الفنية هموماً إنسانية، فسوف نجد أن الفن، كما يقول اسم الفرقة، هو متنفّس إنسانيّ لا بديل عنه، ولا فرق، عمليّاً، بين آلية عمل "طنجرة الضغط" في المطبخ، وبين الآلية الحيوية التي يوفّرها الفن للبشر، على المستويين النفسي والفكري.
خالد عمران الذي شارك في العديد من المشاريع الثقافية السورية، كعازف ومؤلف وموزّع موسيقي، كان على دراية بالنقص الفادح في المشهد الموسيقي. تقاطع معه أصدقاؤه الرافضون للتيار السائد، البعيد عن المعاناة الحقيقية للإنسان من جهة، والمتشابه المتكرّر فنياً من جهة أخرى. وانطلاقاً من هذه الأفكار وضعوا اسم الفرقة الذي يعبّر، كما رأوا، عن مقاصدهم، وبدؤوا في دمشق في 2008، حيث توازعوا المهمات على النحو التالي: طارق خلقي (غناء، جيتار)، داني شكري (درامز)، ناريك عبجيان (الكيبورد)، ومؤسس الفرقة عمران (غناء، باص جيتار).
إذاً.. الفرقة السورية لم تضع ألم ومعاناة الإنسان في طنجرتها فحسب، بل وضعت الموسيقى نفسها؛ الفانك والروك والبانك روك والموسيقى الإلكترونية والعربية، لتخرج من كل ذلك موسيقى "روك" سورية خالصة.
لم يكن مشروع الفرقة في البدايات والتأسيس واضحاً كل هذا الوضوح، فالأفكار نمت وكبرت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. ما كان واضحاً، أوّل الأمر، هو الرغبة العارمة بالتغيير، والحماسة لنقد المجتمع السوري موسيقياً وغنائياً. لكن حينها كانت موسيقى الفرقة أقرب إلى "الفيوجن جاز" و"الارتجال".
في ٢٠٠٩ تقلّص العدد إلى ثلاثة، لتعود وتكتمل، نهاية العام نفسه، بعد انتساب عازف الغيتار طارق خلقي إليها. لكنها أخذت شكلاً مختلفاً في عام ٢٠١٠، فمن الناحية الفنية حدّدت هويتها، وصارت أقرب إلى الروك.
https://www.youtube.com/watch?v=F04ijpvVM1w
في عام ٢.١١ انتقلت الفرقة إلى بيروت (باستثناء ناريغ عبجيان عازف الكيبوردز) وليس لديهم سوى آلاتهم وأحلامهم، وسوف تكون هذه المرحلة هي البداية الحقيقية، حيث ستُقدمهم شركة "إيقاع" التي سترافقهم في مسيرة الإنتاج والعروض في بيروت، ومن ثم في العالم العربي.
مع حلول 2013 سوف يظهر أول ألبومات "طنجرة ضغط" بعنوان "١٨٠ درجة"، الذي يتناول مواضيع إنسانية وحالات اجتماعية في الثورة والحرب، ويعلن عن صوت آخر، غائب ومهمّش، لشباب سوري حلمه السلام والمحبة، وهاجسه الحياة الطبيعية.
الموسيقى لدى الفرقة وسيلة رفض للعنف الموجود في العالم عموماً، وفي سوريا خصوصاً. أما الفن ففعالية حضارية مدنية، تشارك في تقديم الوجه الحقيقي للشعب السوري.
لا شك أن غياب الثقافة الموسيقية من أشدّ العقبات التي تواجهها "طنجرة ضغط"، لكن رغبة التحدي لا تبالي بذلك، فالرهان الأكبر على الجيل الجديد الذي يشبههم في التطلّع نحو المستقبل، وفي التبرّم من الأشكال القارة الراسخة؛،هذا الجيل يمثّل الفضاء التفاعليّ الأول.
تؤمن الفرقة أنها لا تجد نفسها في هوية فنية محدّدة، بل تنتمي إلى فضاء الفن الموسيقي الكبير. وتؤمن بالموسيقى مهما كان شكلها وأسلوبها، وبقدرتها على التعبير عن الفرد، سواء باللغة الفصحى أو باللهجات المحكية. الآلات الغربية مجرّد خيار، وليس تعصبّاً، وهو يتقاطع مع أجيال عربية واسعة، لديها الإحساس ذاته.
للفرقة مشاركات سورية عديدة، في "المركز الثقافي بالسويداء" ٢٠٠٩، وفي "مهرجان الجاز" في قلعة دمشق بعدها بسنة. إضافة إلى مشاركات عربية في بيروت والقاهرة والإسكندرية سنة 2012، ومشاركة عالمية في مهرجان الأغنية الفرنكوفونية ٢٠١٣. إضافة إلى حفلات أخرى ذهب ريعها لدعم أطفال اللاجئين السوريين وحقوق المرأة، ودعم الأطفال المرضى بالسرطان.
