الانتخابات السورية.. إنتاج ضخم لسيناريو هزيل


18 أيار 2014

يرشّح بشار الأسد نفسه للانتخابات ليكون زعيماً وحسب. هذا هو المهم، تلك هي الأولويّة، أمّا سوريا التي صارت بلداً للقتلى والجرحى والمعتقلين والنازحين، فذلك شأنٌ ثانويّ خارج البحث والنقاش.

لكأنّ ثلاث سنواتٍ من عمر الثورة، بما حلّ لأجل وأْدِها من خراب غير مسبوق، وموتٍ ما له شبيهٌ في فيلم أو كتاب، لم تعنِ غير إكساب هذا النظام المزيد من الوقت، همجيّةً وعنفاً، للوصول إلى هذا الحال؛ رئيسٌ يرشّح نفسه، للمرّة الثّالثة، أيْ.. إلى الأبد!

هذا هو السيناريو الذي أراده النظام، صحيحٌ أن كثيراً من مفاصله ومفرداته كانت مكشوفة، رغم تواطؤ القوى الظّلامية وأمراء الحرب الذي ساهم في التعتيم والتشويش على المشهد، لدرجة أن الوعي التبسيطي بات يريد أي حل كان، إلا أنّ الصحيح أن أكثر السوريين يدركون أنّ العملية لا تتعدّى كونها مسرحية أخرى لنظام فقد القدرة على الخيال والابتكار، وعاد إلى ميراث عهد الأب؛ البطش في سبيل التأبيد، فلا حلّ ولا من يحزنون.

الأعمال العسكرية التي يقوم بها جيش النظام ضد لم تمنعه من الدعوة إلى الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وقد سارت الأمور حسب التسلسل التالي:

في 21 نيسان أعلن رئيس "مجلس الشعب" عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وحدّد موعدها للمواطنين غير المقيمين على الأراضي السورية في 28 أيار، وللمواطنين داخل سورية في 3 حزيران.

صورة ساخرة للمرشح ماهر حجار.. المصدر: صفحة برازر أرجوك على الفيسبوك
صورة ساخرة للمرشح ماهر حجار.. المصدر: صفحة برازر أرجوك على الفيسبوك

ماهر عبد الحفيظ حجّار كان أوّل المتقدمين بطلب ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة. حجّار من قياديي "حزب الإرادة الشعبية"، وهو الطبعة الجديدة، والرسمية من حزب قدري جميل "اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين"، حيث حصل هذا الحزب على الترخيص في أيلول 2011، ليكون من أول الأحزاب التي نالت الاعتراف بعد إزالة المادة الثامنة من الدستور، وإقرار قانون الأحزاب.

أما المرشّح الثاني، بعد التصفيات النهائية للمحكمة الدستورية، فقد كان رجل الأعمال والوزير السابق حسان النوري، والذي سيقدم للسوريين مادة غنية من التصريحات الفانتازية، لدرجة اعتباره من قبل الكثيرين مديراً في حملة للأسد.

ترشيح حجار أثار عاصفةً من السخرية الشعبية، ذات دلالات هامة على صعيد الوعي الشعبي المدرك لعمق هذه الملهاة. وممّا يسجّل أنّ السخرية التي ظهرت في الشارع المعارض للنظام، لا سيما تلك التي تناولت ظهور صورة حجار أمام صورة لبشار الأسد، قابلها غضب في الشارع الموالي له معتبراً أن مجرّد ترشّح شخص آخر غير الأسد خطيئة كبرى، ومن الجدير ذكره أن أول مشاركة على الصفحة الرسمية لماهر حجار كانت لمؤيد كتب "الأسد أو لا أحد"، والطريف حقاً أن حجّار لم يجرؤ على حذف العبارة.

بعد حجار كرّت المسبحة، فتبعه عديدون حتى وصل الرقم إلى 23، لكن الرقم السابع، الذهبي، ذو الدلالة الميثولوجيا في الثقافة العربية، كان من نصيب الأسد الذي تقدم بطلب الترشّح رسمياً في 28 نيسان.

في 13 أيار أعلنت "المحكمة الدستورية العليا" القائمة النهائية للمترشحين، وهم: "ماهر عبد الحفيظ حجار وحسان عبد الله النوري وبشار حافظ الأسد".

انطلقت الحملة الرسمية للمرشح إلى الرئاسة السورية "بشار حافظ الأسد"، واتخذت الحملة شعاراً لها "سوا SAWA"، برابط ولوغو موحّدين على كافة مواقع التواصل الاجتماعي. كما انتشرت في شوارع المدن السورية التي يسيّطر عليها النظام، ولكن دون أية لافتات أو صور تعود إلى المرشحَيْن الآخرَيْن في الشوارع إلا ما ندر، فهذان، كما يبدو، لهما فقط المجال الحقيقي الوحيد الذي يجب أن يكونا فيه؛ المجال الافتراضي.

الناشطون المدنيون بدؤوا العمل على حملات مقاطعة لهذه الانتخابات، ومن أبرز الحملات "دافنينو سوا"، "انتخابات الدم"، "وطّي صوتك".. وهي حملات استعملت وسائل الميديا الحديثة كلها لتوصل صورتها، من الفيديوهات المصورة إلى البوسترات الفنية، وصولاً إلى صفحات متخصصة. لكن الرد الأبرز، والذي لاقى تجاوباً أكبر، كان في حملة من نوع ذكي فعلاً، إذ استخدمت شعار حملة الأسد نفسه. حملة "#سوا" راحت تنشر صور الدمار السوري المهول، وتعرّي هذا العرس الديمقراطي الزائف، وكان لها أن تسجّل عدة أهداف في آنٍ معاً، أولاً أدانت من يشارك في الانتخابات على اعتباره يشارك بالقتل، حسب ما يقوله أحد شعارات الحملة: "سوا نقتل، سوا ندمر". ومن جهة ثانية ليصطدم الباحث عن "سوا" الأسد بـ"سوا" ما سبّبه الأسد، بهذه الطريقة يصل الصوت إلى أقصى مدى ممكن.

رافق هذه الحملات كتابات ورسومات عبّرت حقيقة عما يتطلّع إليه السوري، بعد تجربة العصف الدموي التي ذاق أهوالها. الكتابة وفن الكاريكاتير و"الديجتال آرت" كانت كلها في الميدان، تعلن أنّ هناك وعياً فردياً عميقاً، وضميراً جماعياً لا يزال قيد الاختبار والتأسيس.

لوحة للفنان سعد حاجو... المصدر: الصفحة الشخصية للفنان على فيسبوك
لوحة للفنان سعد حاجو... المصدر: الصفحة الشخصية للفنان على فيسبوك

الباحث والصحفي "جورج كدر"، كتب على صفحته على الفيسبوك، معلقاً على حوار تلفزيوني أجري مع ماهر حجار: "مذيعة قناة الإخبارية رانيا الذنون تسأل ماهر الحجار عن ممتلكاته لأن الناخب يريد أن يعرف كل شيء عن المرشح. في اللقاء الذي يجريه التلفزيون السوري أو قناة الإخبارية أو سما أو أو.. من سيسأل بشار الأسد عن ممتلكاته وحساباته المصرفية وقيمة ثروته". بينما ذهب الفنان "ياسر أبو حامد" إلى قراءة أخرى، حيث قال لـ"سيريا أنتولد Syria untold": "الخطأ الذي وقع فيه جزء كبير من المعارضين أنهم شككوا بشرعية المرشحين المنافسين لبشار، بدلاً من التشكيك بشرعية بشار نفسه. وأضاف: "حتى أن بعض المعارضين اقترحوا أسماء من المعارضة للترشح في مواجهة بشار، وكأن بشار لم يعد المشكلة بل المشكلة هي عدم أهلية منافسيه"، علما أن "حامد" قدم الكثير من اللوحات الساخرة من الانتخابات وترشح الأسد، لعل أبرزها "استفتاء" التي تبرز صندوق الانتخاب وسط شواهد قبور مكتوب عليها لا، أو "حملة سوا"التي تبرز صندوق الانتخاب كيخت يبحر عليه الرئيس وسط بحر من الدم، وكذلك فعل العديد من الفنانين السوريين، حيث اختار "سعد حاجو" لوحة حملت عنوان "الأسد يرشح نفسه" تظهر الأسد وهو يدخل أنفه في صندوق الانتخاب، وفي حين اختار "عمران فاعوري" أن يعبر عن الأمر بلوحة تظهر الأسد وهو يحمل شهيد غلى صندوق الانتخاب. 

 

الانتخابات الرئاسية ليست مجرّد فصل دامٍ في الحكاية السورية، ولا صفحة عابرة يمكن أن تطويها الأيام، بل هي جوهر وأساس، فلأجلها قامت الثورة، ولأجلها سفح هذا الدم كلّه. السوريون الذين قامت قيامتهم لأجل حياة أكرم وأشرف، إنما قاموا لكي يقيموا انتخاباتهم التي تعبّر عن تطلعات أبناء الأرض، وعن حاملي ألمها.  إذا كان شأن هذه التجربة أن تضيف ملحاً إضافياً على الجرح السوري، فإن من شأن السوريّ غداً أن يجعل هذا الألم درساً في سجل تجربته الوطنية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد