تقدّم الانتخابات الرئاسية التي يخوضها الأسد المفاتيح الأساسية لتفكير نظامه، حيث جعلوا منها فرصة يعاد فيها تعريف النظام من جديد بـ"الشرعية" و"الانتصار" و"العنجهية". وهي تُصرَّف على هذا النحو: هو صاحب الحق المطلق في البقاء؛ لأنّه منتصر على المؤامرة الكبرى التي اشتركت فيها كل قوى الشر العالمي؛ ولن يكون قابلاً لأي حل سياسي مما طرح عليه.
يأتي ذلك كلّه دون أن يحتاج أركان النظام إلى تقديم أية إجابات عن الأسئلة المطروحة: كيف يمكن الذهاب إلى انتخابات رئاسية والحرب مستعرة على الأرض؟ من أين تأتي الديمقراطية والبلد بلا سيادة؟ ألا يهم غياب أصوات مائتا ألف شهيد، وتسعة ملايين مشرّد؟
لا مكان للأسئلة عند نظام اعتاد أن يقدّم إجابات فقط. الشعارات إجابات، الخطابات إجابات، الانتخابات أيضاً إجابات. ربما لو كانت هنالك أسئلة لما كان لهذا الحكم أن يستمر بهذا الشكل!
أما حملة الانتخابات الرسمية التي أخذت اسم "سوا"، أو "SawaAlassad"، فهي ليست مجرد حملة انتخابية وحسب، بل تأكيد لأيديولوجيا النظام، من حيث إنه كامل الوطنية، يقوده رئيس شبابيّ يتطلع إلى البناء والتقدّم والنهضة، ومن خلفه تصطف الجماهير التي تؤمن بحكمته وحنكته.
بعيداً عن أن فكرة "سوا" مسروقة أساساً من حملة بوتين الانتخابية التي كان شعارها "معاً"، تخبرنا صفحات هذه الحملة، الأنيقة والشاعرية كما لو أنها في بلد ديمقراطي تعددي، إنها تأخذ على عاتقها عدة مهمات، في مقدمتها ترقيع صورة الأسد المهشمّة في الوعي السوري العام، لدى شارعيْ المعارضة والموالاة على حد سواء، وإعادة تقديمه كقائد فذّ لا يُشق له غبار.
هذا التأكيد الملحاح على صورة إنسانية نظيفة، بحدّ ذاته يحمل تأكيدات لا تنتهي على عطب أصاب هذه الصورة. فحين تعرض الحملة الرسمية ألبوماتها الحصرية لبشار الأسد طفلاً مع إخوته في حديقة القصر، أو طالباً في المرحلة الثانوية، أو طبيباً يمارس مهنته النبيلة، أو شخصاً حداثياً أيام رئاسته لـ"الجمعية السورية للمعلوماتية"، أو أباً عادياً بين زوجته وأولاده.. إلخ؛ فالصور الحميمة، والسعيدة، تريد أن تقول لنا إنه شخص طبيعي، جاد، طموح، عصامي، مليء بالإنسانية وليس ديكتاتورياً دموياً كما يشاع.
الحملة تتسلّح بالصور لترد، بشكل تعبيري، على كل ما كشفته الأحداث والوقائع، متناسية أن مشكلة السوريين ليست مع الأسد طفلاً أو طالباً أو زوجاً، بل معه رئيساً ضد إرادة الناس، وهذا ما لا نجد له مكاناً على الإطلاق، لأنه، ببساطة، لا تعليق أو ردّ.
على الخط ذاته؛ استنفرت الدولة أجهزتها لدعم "المرشّح الرئاسي الفائز"، حسب أسلوب الاستفتاء المعروف، فقديم هذا النظام هو جديده. قامت وزارت الصحة والإدارة المحلية والتربية والتعليم، وسواها، بنشر صور (المرشح الرئاسي) بشار الأسد على المباني التابعة لها، إضافة إلى الاحتفالات والمسيرات التأييدية المعروفة. كما انتشرت صوره وملصقاته وحده، دون المرشحَيْن الآخرَيْن، في شوارع المدن التي لا تزال تحت سيطرة السلطة. كذلك قام "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" بإيقاف الدوام في أكثر من كلية وأجبر الطلاب على التجمع لدعم "القائد".
حرب الصور الطاحنة التي ترافق الحملة الانتخابية جعلت النشطاء المدنيين يطلقون عدة حملات مضادة، لكن الأبرز، والأكثر بلاغة، كان في استعمال شعار حملة الأسد نفسه، وذلك عبر هاتشتاغ "#سوا"، كي يصطدم من يفتّش في محركات البحث عن "سوا" الأسد بـ"سوا" ما سبّبه الأسد، فالصورة الوردية التي تدأب الحملة الرسمية على تقديمها، بما فيها من ادعاءات إعادة البناء ورأب الجراح، ستقابلها صورة سوداء قاتمة، كارثية، مأساوية.. لبلد صار إلى ما يشبه كومة أنقاض أو مقبرة جماعية، وبهذه الطريقة ضمن الناشطون إيصال الصوت إلى أبعد مدى، إلى جمهور المؤيدين نفسه.
يقدّم هاتشتاغ "#سوا" صوراً ومقاطع فيديو لما حل بسوريا من دمار وتخريب، كما يعرض للعديد من الأعمال الفنية والبوسترات والكاريكاتيرات التي تعلّق تعليقات عميقة على المشهد. لكن الفارق بين صور "SawaAlassad" و"#سوا" أن الأولى ملفقّة، إنها تركّب لأنها تحتاج إلى تسويق، ولأنها تريد أن تقول شعارات عن بلد سنبنيها معاً وسترجع أحلى. بينما صور الثانية حقيقية تتكلّم وحدها، لا تركيب للخراب إذ ثمّة من ركّب مشهده بالمدفعية والصواريخ والبراميل.
يتم تحويل "SawaAlassad" إلى فضيحة أخلاقية ووطنية وإنسانية. في هذا السياق نشاهد حاوية قمامة مكتوب عليها "صوتك هون مضمون لبشار"، كما نطالع كاريكاتيراً من موقع "أورينت" يتناول الحالة القطيعية للمؤيدين بوقوفهم أمام صندوق الاقتراع بدون وجوه، بينما الصور الانتخابية من فوقهم كلها للأسد، كما لو أن التماهي بصور الديكتاتور قد مسح وجوههم. وفي بوستر يحمل عنوان "انتخب" ستتحول جثة طفل غارق في دمائه إلى صندوق انتخابي. الأبلغ في بركان الصور السورية بوستر يحمل عنوان "عافش- سوا"، في إشارة إلى ما اتُفق على تسميته بـ"التعفيش" وهي عمليات سطو قام بها الجيش النظامي لبيوت حمص القديمة، أي أن السرقة اللصوصية سمة تجمع هذا الفريق.
عادة الانتخابات أن تفيض بصور تتنافس، لكنها في الحالة السورية تفيض بصور تتطاحن وتتصارع، لكأن الصور حلبة أخرى لتجليات الصراع، ومجالاً إضافياً للقول.
الدرامي حقاً أنّ الصور المطروحة تخبرنا أن هناك أكثر من سوريا.