السوريون ينطقون: ليس عفوا.. بل توقف لجريمة


18 حزيران 2014

تضاربت مشاعر الناشطين السوريين على الفيسبوك بين الفرح والحزن العميق اللذين اختلطا معا في لحظة نادرة، وهم يشاهدون أو يترقبون خروج المعتقلين من السجون، ضمن عملية الإفراج الأخيرة التي أسماها النظام "مرسوم العفو 22 لعام 2014" في حين أطلق عليها الناشطون مسميات كثيرة، وتعابير كثيرة مثل " توقف لجريمة ترتكب بحقهم منذ ثلاث سنوات" و "فقط في سوريا. الجاني يعفو عن الضحية"، رافضين مفردة "عفو" التي تختزل في كينونتها جوهر النظام المستبد الذي يسعى لتأبيد لحظاته، وكأن شيئا لم يكن، وهو ما دفع المحامي و الناشط الحقوقي أنور البني للقول: "عفوا. لا نريد عفوا. نريد إطلاق سراح جميع المعتقلين ومعاقبة كل المجرمين".

بعد فوزه في الانتخابات التي أسماها السوريون "مسخرة"، يعمد النظام على إعادة تجديد شرعيته من خلال سلسلة من الخطوات التي تجمّل وجهه، ومنها مسألة إطلاق سراح المعتقلين، ضمن ما أسماه إعلام النظام "عفو عام أطلقه الرئيس الأسد"، حيث أقدمت شركات الاتصالات في سوريا على إرسال رسالة لمشتركيها من حساب اسمه Syrian ، جاء فيه: "مرسوم العفو 22 لعام 2014 تعبير عن احتضان الوطن لأبنائه ج.ع.س"، الأمر الذي دفع صفحة "صوت المعتقلين" للرد عبر القول: "الكلام صحيح لو عرفنا أن حضن الوطن هو السجون والمعتقلات. وتوضيحا لرسالة شركات الاتصال فإن الواقع يقول :"مرسوم العفو 22 لعام 2014 تعبير عن استمرار احتضان الوطن لأبنائه في المعتقلات والسجون ، لا بل احتضان المزيد من الشباب ممن لم ينعموا بدفء هذا الحضن حتى الآن.. تعبير عن استمرار احتضان الوطن لأبنائه ولكن تحت ترابه ، ممن قضوا تحت التعذيب في معتقلاته (حضنه) ودون وداع أو مراسم تشييع"، الأمر الذي يثبت أن جوهر النظام الدكتاتوري لم يتغير، لأن مفردة "عفو" تحيل إلى أن ثمة "مجرما" قد تم العفو عنه، وأن هناك دكتاتورا/ سلطانا/ من حقه منح العفو بعيدا عن القانون الذي لم يجد طريقه إلى المحاكم السورية حتى اليوم. وهو أمر عززته التفاصيل والتجاوزات المأساوية التي حصلت حتى بعد العفو، حيث كتب "مؤنس بخاري": " قال عفو عام قال.. مبارح الصبح بالجوازات شب من داريا اعتقلوه. كان رايح يبصم عالجواز وكان عم يبكي ويضحك سوا، ويقول لسه أول امبارح طلعت بالعفو. قام قلو النقيب مطلوب لفرع فلسطين. قلن والله كنت بفلسطين. كلبشوه ورجع ع المعتقل ...هي سوريتنا ... ورح تبئى طول ما هالأوباش عم يحكموها".

بوستر من تصميم صوت المعتقلين. المصدر: الصفحة الرسمية لصوت المعتقلين على الفيسبوك
بوستر من تصميم صوت المعتقلين. المصدر: الصفحة الرسمية لصوت المعتقلين على الفيسبوك

لهذا رأى الناشطون والمواطنون السوريون في العفو استهتارا عميقا بهم وبانتفاضتهم التي قامت أساسا ضد ثقافة الدكتاتورية هذه، حيث كتب "سهيل نظام الدين" أن هذا "ليس عفوا. هذا توقف لجريمة ترتكب بحقهم كل لحظة منذ ثلاث سنوات"، وهو الأمر الذي حولته صفحة "صوت المعتقلين" إلى بوستر تم تداوله على نطاق واسع، إضافة إلى غرافيتي رسمها شباب مدينة الزبداني مكتوب عليها: "فقط في سوريا الجاني يعفو عن الضحية" وهي تحيط بميزان العدل المفقود في سوريا.

هذا الواقع المأساوي لم يمنع السوريون من التعبير عن فرحهم بعد خروج كل معتقل، حيث تحوّلت صفحات السوريين إلى وكالات أنباء تتناقل خروج هذا المعتقل أو ذاك، وتابع أهالي المعتقلين بغصة وترقب بآن صفحات المحامين السوريين مثل أنور البني وميشيل شماس وغيرهم، والصفحات المهتمة بنقل أخبار المعتقلين مثل "صوت المعتقلين" و "بدنا المعتقلين"، إضافة إلى باص الفنانة "يارا صبرا" الشهير، حيث حوّلت صفحتها إلى منبر يهتم بشؤون المعتقلين لحظة بلحظة، مع إطلاق بوسترات تهنئ كل معتقل، كتب عليها: مبروك الحرية" في جانب و "بدنا الكل في جانب آخر".

 وبدورهم حول أصحاب هذه المنابر صفحاتهم إلى منبر لتلقي الشكاوي وتصحيح الأخطاء وتقديم الملاحظات وتوجيه أهالي المعتقلين لكيفية متابعة قضايا أبنائهم، وعدم الوقع في فخ تجار الأزمات حيث حذرت صفحة "صوت المعتقلين" من "تجار الوهم ومن يحاولون تصيد فرصة ما يسمونه عفو مقابل وعود كاذبة بإطلاق سراح معتقليكم وتشميلهم بمواد العفو أو تسريع إجراءات إطلاق سراحهم"، إضافة إلى إطلاقها بوسترا حمل عنوان "المعتقل بعد الإفراج عنه كيف ندعمه؟" يتضمن مجموعة من الملاحظات التي تعنى بكيفية مساعدة المعتقل بعد خروجه، داعية كل من يستطيع المساعدة لفعل ذلك.

ضباب الحزن والأسى خالطت فرح الأهالي لتعيد التذكير بواقع الدكتاتورية المأساوي مع خروج بعض المعتقلين "شهداء تحت التعذيب" خلال فترة العفو، حيث كتب "النعيمي محمد" : "اليوم شمل العفو أخي مالك النعيمي، فدخل الجنة من أبواب الشهداء. مبروك لك الشهادة أبو عبدووووووو"، في حين خرجت المعتقلة "يارا فارس" من المعتقل لتختنق فرحتها بموت والدها في نفس اليوم الذي خرجت به، فلم يعد يعرف أصدقاءها إن كان عليهم تهنئتها أم مواساتها، حيث كتبت "علياء أحمد": "يارا حبيبتي ..لا أعرف ماذا أقول؟؟ ألمي عليك أكبر من أي كلمات تقال، أن يتوفى والدك قبل يوم من خروجك .. رواية مؤلمة يكتبها القدر الحقير وشركاؤه. تعازي الحارة لك ..السلام لروح والدك علها تعانقك الآن رغماً عن كل نعيشه من مأسي".

بوستر للفارس عدنان قصار. المصدر: الصفحة الرسمية لصوت المعتقلين على الفيسبوك
بوستر للفارس عدنان قصار. المصدر: الصفحة الرسمية لصوت المعتقلين على الفيسبوك

وجوه المعتقلين المتعبة وثيابهم الرثة وأجسادهم النحيلة كانت وحدها تفضح ليل الدكتاتورية الثقيل، مذكرة بأحوال من بقيوا في تلك الأقبية، حيث كتبت المعتقلة السابقة " أليس مفرج": "المعتقلون المفرج عنهم .إما . خيال يحاكي الهيكل العظمي ومفصول عن الواقع . وإما جثة هامدة ومغيبة عن الدفن وإما متوازن عابر للحدود مهرولا خارج سوريا. أما من بقي داخله يقاوم تفاصيل الموت البطيء. ربما إن خرج حيا يحظى بموت سريع بسبب القصف أو قذيفة طائشة .. أو رصاص فرح نستحق الحياة ولا نحظى بها".

إن خروج بعض المعتقلين لم يمنع الناشطون من المثابرة على متابعة قضايا من تبقى رهن الاعتقال، مصممون على "الكشف عن مصير كل المعتقلين والمفقودين ، نريد أن نعرف كيف استشهدوا ونريد أن نقتص من الجاني"، مؤكدين أنهم لن يكلوا أو يملوا "حتى يفرج باقي الجناة من أولياء القهر والظلام عن المخطوفين والمعتقلين لديهم"، خاصة بالنسبة لمن قضوا سنوات طويلة، حيث فتّح خروج الفارس "عدنان القصار" إلى الحرية بعد واحد عشرين وسنة الأعين على هول ما يرتكب في سجون الاستبداد، فاحتلت قصته موقعا مميزا بين قلوب السوريين، ولذا سنخصص لحكايته وقفة خاصة في "سيريا أنتولد Syria untold".

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد