ربما يصلح ما حدث لفيلم "أمراء النحل" أن يكون فيلماً بحدّ ذاته، فخلال انهماك فريق الفيلم في إعداده استُشهد مخرجه باسل شهادة في حمص، وبقي الشريط ناقصاً مركوناً بإنتظار من يعاود العمل عليه، مثله مثل مخطوطة فُقِدت في رحلةٍ، وبدلاً من أن يكون محتواها هو المتن صار العثور عليها، وقصة فقدانها متناً بديلاً، أو إضافيّاً ينافس المحتوى.
هذا بالضبط ما جرى للشريط الذي بدأه باسل شحادة وأكمله لاحقاً دلير يوسف. الفيلم الذي انطلق من هدف أساسي هو رغبة مجموعة من الشباب السوري إظهار المكونات السورية المختلفة والفاعلة في الثورة السورية، وعلى وجه الخصوص والتحديد المكون العلوي الذي حُسب إعلامياً على النظام السوري، وبات يعامل كمكوّن حاضن وداعم له في حكمه الاستبدادي لسوريا، في نوع من الاختزال المسيء للغاية.
الفيلم يحكي قصص بعض الشباب في الثورة، ويتناول مخاوف الأقليات وتصورها للمستقبل، ومشاركتها في الحراك الثوري، وقد قدّم الفيلم هتافات معينة ضمن المظاهرات، كما رصد أحوال أولئك الشباب الذين يعانون عناء مزدوجاُ، فمن جهة الثورة ظلَّ التعامل معهم يتم بتوجس وحذر، فيما كانت أوساطهم الاجتماعية المؤيدة للنظام تعاملهم كخونة.
لدى سؤال "سيريا أنتولد syriauntold" المخرج دلير يوسف عن محاذير الذهاب إلى طائفة معينة في الفيلم، ومدى دقة الأمر بحيث قد يبدو ذلك عملاً طائفياً قال: "في الفترة التي صوّر فيها الفيلم (شباط 2012) بدأ يطغى على الإعلام أن الثورة السورية ثورة من لون واحد، أو ثورة سنيّة، وأنّ الأقليات مصطفة بجانب النظام خوفاً منها، فكان لا بدّ من القيام ببعض الأمور لإظهار الحقيقة كما هي. وكان أن نقول في الفيلم بأنّ الطائفة العلوية تحوي شباباً شاركوا في الثورة وما يزالون، ويحلمون بزوال النظام كما باقي الفئات الثائرة".
إذ آن الفيلم وثيقة تؤكّد على أن الشعب السوري في بدايات ثورته كان واحداً بالفعل، ولم يكن ذلك مجرد شعار حماسي، فعموم الأفكار تبدأ من أفراد وسرعان ما تلاقي الانتشار والتوسع العريض، وهذا بالذات ما دفع النظام إلى شن دعايته الطائفية الشعواء على الثورة، كي لا يسمح لهذا المشروع أن يمر، حيث أدرك ألا أخطر عليه وعلى استمراره أكثر من وحدة الشعب السوري، والتفافه حول هدف إسقاطه.
واجه "أمراء النحل" العديد من الصعوبات قبل خروجه للنور، وبقي سنة ونصف قبل أن يرى النور. يتحدّث يوسف لـ"سيريا أنتولد syriauntold" عن الآلية التي عمل من خلالها على إتمام الفيلم: "الحقيقة بأن العلاقة لم تكن متبادلة بين مخرجين، بل كانت مخرج يستكمل عمل مخرج آخر وذلك بسبب الحالة الاستثنائية، فاستشهاد مخرج وإكمال آخر الفيلم ليس أمراً طبيعياً. حاولت دائماً خلال الفيلم أن أعمل بالطريقة التي عمل بها باسل شحادة، لكي يكون الفيلم وفاءً لذكراه. بداية طلب منّي وسيم حسن أن أكمل الفيلم، وهو من كان يملك حقوقه آنذاك. فقمت بالتواصل بعدها مع أصدقاء وعائلة باسل والأشخاص الذي رافقوه أثناء عمليات التصوير، والأشخاص أصحاب العلاقة، كما قمت بتجميع كل المواد المصورة وبدأت باستخراج الأفكار والطريقة التي سينفذ بها الفيلم، وكان الداعم الأكبر في ذلك هي "مؤسسة باسل شحادة" والتي أنشأها أصدقاء الشهيد عقب وفاته لدعم المشاريع السينمائية".
أقام أصدقاء المخرج السوري باسل شحادة، في الذكرى السنوية الثانية لرحيله، عرضاً سينمائياً، في مدينة اسطنبول التركية.
العرض الأول للفيلم حدث خلال تظاهرة خاصة بالشهيد شحادة في اسطنبول، حيث عرضت خلالها ثلاثة أفلام وهي "ميلاد مجيد حمص"، وهو فيلم وثائقي من مدينة حمص السورية، والفيلم الثاني "تحية من أصدقاء باسل لروحه"، أما الثالث فكان "أمراء النحل".
يختتم دلير حديثه لـ"سيريا أنتولد syriauntold" بنوع من التفاؤل بمستقبل السينما السورية: "أنتج خلال الثورة عدد كبير جداً من الأفلام القصيرة والوثائقية، هذا بالطبع جيد رغم أنّنا نفتقد إلى النوعية الجيدة في بعض هذه الأفلام. هناك مخرجين شباب يظهرون أنماط سينمائي لم نعهدها في السينما السورية، لكن هذا يعطيك الأمل بمستقبل سينمائي سوري مبهر".
يذكر أن باسل شحادة مخرج سينمائي سوري من مواليد 1984، له العديد من الأفلام القصيرة. تخرج من "كلية الهندسة المعلوماتية" بجامعة دمشق، وحصل على منحة لدراسة الإخراج السينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أواخر عام 2011 قرر أن يوقف دراسته ويعود إلى سوريا، ليتابع نشاطه السلمي في الثورة السورية، حيث قام بتدريب العديد من الشباب على التصوير والمونتاج. توفي في عام 2012 نتيجة قصف قوات النظام على مدينة حمص، ودفن فيها.