لم تعد الفنون البصرية تقتصر على المتاحف، وكبرى صالات العرض، فالثورات وضعتها في الشوارع والأرصفة، وفي قلب الحياة، وبين الناس.
في شوارع مدينة دوما، بالقرب من دمشق، بات هناك متحف سوري على الجدران، فشوارع المدينة وجدران مبانيها صارت لوحات فنية تحاكي تحولات الثورة السورية، من السلمية إلى العسكرة، من الحلم إلى النفق المظلم، من إرادة الحياة إلى إفلات غول الموت..
استفاق أهالي المدينة في آذار 2014 ليروا جدرانا ملونة، وخرائب كانت رمادية فأضحت تضج بألوان الحياة، إذ أقدم الناشطون على امتشاق ألوانهم والبدء بورشة عمل ورسم لتلوين الجدران، مع كتابة شعارات تعكس أوضاع الناس المحاصرة من جهة وتمدهم بالأمل من جهة أخرى: شعارات لم تزل تسعى لمسح آثار الغبار والحصار والتعب الذي بدأ يظهر على الناس بعد ثلاث سنوات من الثورة ضد نظام مستبد، فتأتي عبارة "اصبر ياوطن" التي رسمها الناشطون في 5/3/2014 على جدران المدينة لتقول الكثير عن أناس هدهم التعب ولم يبلغوا حافة اليأس أو يغادرهم بئر الأمل، واعدين إيانا (وهم المحاصرون): "انتظروا أثارنا على جدران المدينة. عل هذا العمل البسيط يعيد جزئا ولو صغيرا لثورة بعد ثلاث سنوات بدأ يبان عليها التعب. اصبر يا وطن ...".
حصار المدينة الذي فرضه النظام لقربها من دمشق، ولمشاركتها القوية والمبكرة في الثورة، دفع مجموعة من ناشطي المدينة إلى إطلاق مبادرة "صحرا " الفنية، في سعي منهم إلى لفت الانظار إلى المدينة المحاصرة، وللتخفيف من وطأة الحصار الإعلامي، وذلك عبر تلوين الجدران الآيلة للسقوط، إضافة إلى الخرائب والاحياء المهجورة بلوحات بصرية تنتمي إلى فن الغرافيتي.
تشمل اللوحات شعارات تعكس حياة الناس في ظل الحصار، مثل "كن أنت، هناك الكثير من الآخرين"، وعبارات مثل "الثورة أنثى" مرفقة مع وجه أنثوي، إلا أن أبلغ الرسائل وأقواها تأتي من قيام الناشطين بإرفاق مقطع من قصيدة الشاعر المصري الشهير "أمل دنقل" مع الجدارية المرسومة، في رسالة متحدية للمستبد الذي يحاصر المدينة، حين تدعو الناس للصمود بوجه الحصار والاستبداد، وعدم الرضوخ لإغراءاته ومصالحاته المزيّفة، إذ يقول المقطع: "لا تصالح/ ولو منحوك الذهب/ أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟ تلك أشياء لا تشترى".
آخر إنجازات المجموعة بالتعاون مع "رسل"، هو فلم آرت حمل عنوان "لا تخلي الوهم يخدعك"، إذ يرصد لحظة قيام المجموعة برسم جدارية ممثلة بقفص وطائر يخفق بجناحيه معانقا هواء الحرية، وكأنهم يقولون: ما بعد هذا الحصار إلا الحرية، فلا تدعو وهم الاستبداد يغشى على عيونكم.