حلب، غزة، درعا، غزة: جراح و شموخ و عزة


18 تموز 2014

 

"سوريا تقصف.. من حلب إلى غزة"، "غزة وحلب: شموخ وعزة"، "صبرا يا غزة هنا درعا"، "جراح درعا تتكلم صبرا ياغزة".

 عبارات فاض بها غضب السوريون ووجعهم على القصف الإسرائيلي على غزة، الأولى كتبها الشاعر الفلسطيني السوري "رائد وحش"، والثانية كتبها ناشطون من قلب مدينة حلب التي تتعرض هي الأخرى لقصف مماثل، والثالثة والرابعة كتبها ناشطون من مدينة ردعا المحاصرة بنيران الاستبداد والموت.

عبارات ثلاث تكثّف لحظة السوريين الآن، لحظتهم الموزعة بين "برميل حقد" يرسله لهم الاستبداد وعيونهم الشاخصة باتجاه "غزة" التي تتعرض لألم عايشوه على مدى ثلاث سنوات وتعرفه غزة منذ نصف قرن، فالألم الواحد جعل من أنّة الفلسطيني صدى لوجع السوري، لأن "معاناة السوريين في نضالهم من أجل الحرية وحقوق الإنسان في بلد شوّهتها عقود من القمع والتمييز الطائفي تقربنا أكثر من فهم معاناة الشعب الفلسطيني، وتجعلنا نشعر بوحدة حال مع حراكه السلمي المدني" كما جاء في البيان التضامني الذي وقعته مجموعات الحراك المدني السلمي والإعلامي في سوريا، ومنها "سيريا أنتولد Syria untold"، والذي أطلق صفحة على الفيسبوك حملت عنوان "سوريا تتضامن مع فلسطين".

لوحة للفنان خالد مالك. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان خالد مالك. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

طالما كانت القضية الفلسطينية حاضرة في ضمائر السوريين ويومياتهم إلى درجة أنهم تحمّلوا أسوأ استبداد عرفته البشرية تحت حجة دعمه للممانعة والمقاومة قبل أن تكشف الثورة السورية هذا الوهم الذي طالما خدعوا به، فكانت الثورة تكفيرا عن خديعتهم التي جمعت السوري و الفلسطيني في خندق واحد من مخيم اليرموك في ريف دمشق إلى حلب فغزة، حيث احتضن الفلسطيني المقيم في سوريا السوري في لحظة حريته وسانده إلى أن أصبح شريكه في الهم واللجوء والمعاناة والكرامة أيضا، وهاهو السوري اليوم رغم كل جراحه وهول ما يتعرض له بلده يجد الوقت ليطلق صرخة لأجل فلسطين، داعيا مؤسسات ومنظمات النضال السلمي الفلسطيني لمد " جسور التواصل والتعاون من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة في إحلال العدل وحقوق الإنسان في المنطقة" حيث تعلم السوريون من تجربتهم ضد الدكتاتورية والاستبداد أن " أشد ظلم قد يتعرض له شعب هو تجاهل الشعوب الأخرى للانتهاك المستمر لحقوقه ولقضيته العادلة"، كما جاء في البيان الذي أرفق مع حملة مقاومة إبداعية تجلّت برسم بروشورات وملصقات وصور ولوحات تعلن التضامن مع غزة، حيث نشرت مجموعة "الشعب السوري عارف طريقة" ملصق كتب عليه " فلسطينيون حتى الحرية" ونشرت مؤسسة "جفرا" العاملة في مجال الإغاثة في مخيم اليرموك وبعض مخيمات سوريا في الداخل ملصقا يصوّر قذيفة تسقط من السماء مرفقة بعبارة "أوقفوا قصف غزة"، وكأنهم يقولون أوقفوا قصف حلب أو حمص أو أي مدينة سورية، فالهم وحدّهم وكأنهم يواجهون عدو مشترك، وهو ما عبر عنه الفنان "خالد مالك" بذكاء حين رسم لوحة "الهم واحد" وهي عبارة عن قذيفة تضم العلم الفلسطيني وعلم الثورة السورية، في حين عبّر فنان كفرنبل " أحمد جلل" عن الأمر ذاته من خلال لوحة تمثل امتزاج دم الفلسطيني والسوري.

التفاعل مع ما يجري في فلسطين وغزة لم يتوقف عند الواقع الافتراضي والتضامن والبيانات والمقاومة الإبداعية التي قدمتها مجموعات الحراك السلمي المدني والفنانين بل وصلت إلى أرض الواقع، حيث نظم الناشطون في حلب وقفة تضامنية، مشعلين الشموع التي شكلت كلمة غزة بأحرف من نار، في حين اختار آخرون الاعتصام في أحد الساحات التي كتبوا عليها "غزة وحلب شموخ واحد"، و كتب على الجدران المهدمة في مدينة درعا "صبرا يا غزة هنا درعا"، و "جراح درعا تتكلم صبرا ياغزة"، في رسالة تحدي واضحة للاستبداد والاحتلال في آن، تقول: لم نهزم رغم كل القصف والدمار و قذائف الموت.

عبارة تضامنية مع غزة من مدينة درعا السورية. المصدر: صفحة سوريا تتضامن مع فلسطين على الفيسبوك
عبارة تضامنية مع غزة من مدينة درعا السورية. المصدر: صفحة سوريا تتضامن مع فلسطين على الفيسبوك

إلا أن أبلغ صور المقاومة تأتي من داخل مخيم اليرموك المحاصر منذ سنوات من قبل قوات النظام المستبد والذي يعاني الجوع والحصار والموت، ومن الجولان السوري الواقع تحت احتلال إسرائيلي منذ عام 1967 ، حيث نظم أهالي وناشطو المخيم وقفة تضامنية مع غزة رفعوا خلالها لافتة تقول "مخيم اليرموك الصامد مع غزة ضد العدوان الصهيوني الغاشم"، وهو الأمر الذي علّق عليه "علي مواسي" بالقول "إنّه اليرموك، يطلّ علينا، على جرح غزّة، فتنحني الرّوسُ خجلا!، في حين عبّر عنه الفنان "هاني عباس" بلوحة تمثل أم تحضن ابنها داخل مخيم اليرموك المحاصر بالأسلاك وهي تقول "الله يحمي أهلنا بغزة"، ونظم أهالي الجولان وناشطوه وقفة تضامنية رفعوا خلالها لافتات كتب على أحدها "أوقفوا اغتيال غزة واليرموك".

ساحات الفيسبوك بدورها كانت مكانا لتعبير السوريين عن غضبهم تجاه ما يحصل في غزة، كلُّ من موقعه ورؤيته، حيث كتب المحامي "ميشيل شماس": "غزة ضحية العدوان الإسرائيلي وحسابات "حماس" الخاطئة"، في حين سلطت الشاعرة والناشطة السورية "خولة دنيا" الضوء على مآسي الفلسطينيين المتكررة إذ قالت منتقدة العروبة: " تمَّ الانتقام من الفلسطينيين في العراق، بحجة الوقوف مع صدام حسين، فتشردوا على حدود العروبة لفترات طويلة، بعد أن لفظتهم عروبة العراق. وتمَّ الانتقام من الفلسطينيين في سورية، بحجة الوقوف مع الثورة، فتشردوا على أبواب العروبة، بعد أن لفظتهم عروبة دمشق، ورفضتهم عروبة لبنان. وتم الانتقام من الفلسطينيين في أرضهم كل يوم، بحجة، أنهم يريدون دولةً لا مسخرة، فلفظهم كل العرب، واستفردت بهم إسرائيل. العروبة كذبة الاستبداد التي لا يمل الكثيرون منها رغم اهترائها".

لوحة للفنان هاني عباس تعبر عن تضامن مخيم اليرموك في ريف دمشق مع ما يحصل في غزة. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان هاني عباس تعبر عن تضامن مخيم اليرموك في ريف دمشق مع ما يحصل في غزة. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

وأما الشاعر "ماهر شرف الدين" فاختار التعبير عن الأمر من مكان آخر، مقارنا بين سجون المستبد السوري وسجون المحتل الإسرائيلي، إذ قال: "سجناء الاحتلال الإسرائيلي يضربون عن الطعام. وسجناء الاحتلال العلوي يموتون جوعاً!" رابطا بين الطائفة العلوية والنظام وهو الأمر الذي يخالفه فيه ناشطون آخرون.

"كنان خوجة" اختار التعبير عن الأمر من موقع مغاير وسوداوي إذ قال: "ياغزة ماحدا معاكِ للموت، ولاتصدقي حدا! بس أهلك معك"، مستلهما تجربة السوريين مع شعارهم  الذي طالما رددوه في مظاهراتهم "يا حمص احنا معاك للموت" في حين أن الواقع أثبت أن لا أحد مع السوريين إلا السوريين والمظلومين في العالم، معبّرا بذلك عن خيبة أمل من ترك السوريين والفلسطينيين يموتون وحدهم في هذا العراء.

 "سوريا تتضامن مع غزة": هي تعاون الضعيف مع الضعيف، المظلوم مع المظلوم، طالبي السلام على هذه الأرض التي "خلقت للسلام وما رأت يوما سلاما"، وهي تثبت أن "كلنا في الهم شرق"، إذ لطالما كانت سوريا اليوم هي فلسطين الشمالية وفلسطين هي سوريا الجنوبية، فما قسّمته الحدود والجغرافية توّحده الآلام والقصف والبراميل.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد