منذ زمن لم ير السوريون من يخاطبهم بكافة أطيافهم و تلاوينهم، فهل فعل ذلك "أحمد معاذ الخطيب" الذي وجّه قبل عيد الفطر كلمة للسوريين، أم لا؟
مذ أصبح السلاح والعنف حالة قائمة في سوريا، بات لكل جهة "أبطالها" و "رموزها" مما زاد من رفع الجدران اللامرئية والواقعية بين السوريين، وهو أمر يمكن ملاحظته بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لكل طرف صفحاته الخاصة ومعارفه التي تدور في دائرة واحدة، حيث "البلوك" حاضرا لشطب أي مخالف بالرأي، مقابل إبقاء "التلصص" عبر اسم مستعار لغايات تفرّق أكثر مما تجمع، وهو أمر تخطى حدود التقسيمات الكلاسيكية ( سلطة، معارضة) إلى جوف كل طرف من هذه الأطراف، الأمر الذي بات ينذر بتذرر النسيج الاجتماعي السوري أكثر إن طال أمد هذه الحرب، خاصة بعد أن دخلت السياسة في نفق مظلم بعد فشل مؤتمر جنيف، فهل تفعل كلمة الخطيب شيئا أمام هذا الواقع المسدود الأفق؟
https://www.youtube.com/watch?v=YbnROgLQuGg
لم يكد "الخطيب" ينتهي من بث كلمته حتى تم تناقلها بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي مرفقة بتعليقات وسجالات بعضها مستنكر وبعضها مؤيد وبعضها متسائل، مع ملاحظة أن كما هائلا من التعليقات ركز على "شجاعة" معاذ الخطيب في طرحه ما هو عكس السائد، محاولا إعادة الاعتبار للسياسة والحلول، خاصة أنه قدّم مبادرته من خارج السلطة والمعارضة معا، متهما النظام بالدكتاتورية والمعارضة بالعمالة للخارج، وهو ما عبر عنه رئيس تحرير مجلة "دلتا نون" الكاتب "طلال الميهني": "ما زال في سوريا كثير من الرجال والأخيار. لكن قلة منهم تجهر بشجاعة كما يفعل الشيخ معاذ. عسى أن نصل إلى مرحلة نحقن فيها الدماء في بلادنا لنسير نحو تغيير حقيقي يشمل جميع السوريين. ستكثر المهاترات وحملات الاستهزاء والتخوين تعليقاً على كلمة الخطيب. ومع أن هذا الغوغاء المتوقع لن يؤدي إلا إلى زيادة في المقتلة والمفسدة، فإننا نتمنى ألا يؤثر على المساعي التي ما فتئ يقوم بها عدد من السوريين المخلصين".
مقابل قدرة الخطيب على كسر الجدران اللامرئية بين السوريين، فإن الكثير من النقاشات تركزت على "القوة الدافعة" لهذه المبادرة، عبر التساؤل عما سيدفع النظام للقبول بها، إذ بغض النظر عن الموقف منها فإن الغالبية تمنت أن يستجيب النظام لها، إذ قال الشاعر السوري "فرج بيرقدار" الشيخ معاذ الخطيب.. ربي يجعل تراجع الأسد عن براميله وبالتالي هدايته، إلى ما فيه خير السوريين، على يديك".
وهذا ما عبر عنه الباحث في مجال الآثار الذي رفض الكشف عن اسمه لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" إذ قال: "هو طرح جريء وفيه مسؤولية واضحة. ولكن تكمن مشكلته في بعده عن الواقع، وهو ما يعكس أزمة المعارضة في عدم قدرتها على فهم معاناة الشعب بعد ثلاث سنوات ونيف من اندلاع الثورة. وبرأيي أن الأمر ليس أكثر من تسجيل موقف، ولن يكون له أية خطوات عملية على الأرض، فالمعارضة لا تزال ترى أن الحل هو "تبويس شوارب" في حين أن النظام لا يفكر بأكثر من الحسم العسكري ولا يرى كل هذه القضايا أو الأمور"، وهو ما عبر عنه الناشط المدني "أحمد" إذ قال لنا أن مشكلة المبادرة تكمن في كونها محصورة بمعاذ الخطيب مما يعني أن "الأمر لن يغير شيئا وليست أكثر من بالون اختبار، ولكن قد تكون فاتحة أفق إذا تم تطويرها إلى خطة عمل تجمع حولها أطياف من المعارضة".
ما يتمناه أحمد تحدث عنه البعض بطريقة أخرى، إذ قالوا أن كلام الخطيب لا يمكن أن يكون من فراغ، متحدثين عن مبادرة تطبخ في الكواليس، حيث قال الكاتب "نائل الحريري": "أعتقد أن كلامه لم يأت في هذا التوقيت إلا لأن هناك مبادرة سياسية قد أصبحت جاهزة خلفه... أو جزء كبير من ملامحها على الأقل".
لا يعني ما سبق أن كل السوريين رؤوا إيجابا في كلمة الخطيب، إذ لم يتوقف بعضهم عن الندب والشتم والتخوين أو السخرية بأقل الأحوال، متسائلين عن جدوى هذا الكلام ومعناه في الوقت الذي لم تتوقف طائرات النظام عن قصف المدنيين، وفي الوقت الذي تتمدد فيه داعش يمنة ويسارا، حيث قالت الناشطة "مارسيل شحوار": "هلق حلو الواحد يمتلك حس " المبادرة . بس مو كل هالقد شيخنا مو كل هالقد"، وهو ما دفع البعض للدفاع عن الخطيب، إذ قالت "ديمة شحادة": أنا بس بدي أفهم شلون هلي قال "سوريا أغلى من الجميع" يتهم أنه عاطفي و هلي قال "نقاتل لأخر سوري" يعتبر عاقل".
لا تقرأ كلمة الخطيب أو مبادرته بما حوت أو بالموقف الشخصي منه ومن مبادرته خاصة أنه كان جزءا من هذه المعارضة التي يتهمها اليوم بالعمالة، بل بما أحدثته من سجال يحتاجه السوريون ليلتقوا أولا، وبالحاجة إلى إعادة تفعيل السياسة والحديث بها ثانيا، وبكونها كشفت حاجة السوريين اليوم لمن يبثهم أملا في مستوى أول، وقناعة بأنهم هم من ينتجون الحل لا غيرهم، وهو ما دفع الناشط "صهيب الزعبي" للقول: "الحل المثالي و الرومانسي و الكامل و المتكامل من سابع المستحيلات. فكروا بالخيارات المتاحة و اتمسكوا بواحد منها"، فهل يفعلون؟