هل تعيد الثورة كتابة التاريخ السوري الحديث (2)؟


11 آب 2014

 

اختلف المعارض والسجين السابق "محمد الصالح" مع أحد أصدقائه الخارجيين للتو من المعتقل حول تفاصيل حادثة شاهداها معا، و يعود زمنها إلى ثلاث سنوات، الأمر الذي دفعه لأن يكتب: "كيف سيكتب التاريخ, وما صدقية ما وصلنا من التاريخ؟"

سؤال يتقاطع مع ما كتبته "سيريا أنتولد Syria untold" في الجزء الأول من الملف، الذي سلّط الضوء على التاريخ المتناثر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن أهمية الأمر وجدواه، لنصل في هذا الجزء إلى البحث عن كيفية جمع هذا المتناثر فيسبوكيا بطريقة علمية ليصار إلى إعادة كتابة التاريخ بعيدا عن التحيّزات سواء كانت سلطوية أم ثورية، وعما إذا كان ذلك ممكنا حقا؟

يعترف المعارض والسجين السياسي السابق "محمد الصالح" أن الثورة حين ترافقت مع وسائل التواصل الاجتماعي سمحت له بقول ما تختزنه الذاكرة من أحداث ومعلومات "حدثت معنا ومع أصدقائنا في فترة العمل الحزبي السابق، والتي كانت مليئة بالأحداث التي تجعلنا نتذكرها لنتعلم منها وهذا هو المهم. قبل الثورة لم يكن لدينا الوقت للتذكر كان يستغرقنا العمل اليومي لتحصيل لقمة العيش"، مؤكدا على أهمية كتابة صفحات التاريخ الذي يحتاج إلى "جهد كبير لجمعها وتوثيقها وتنقيتها من الشوائب، لأن أهم الأحداث هي الأحداث التي تنقل بدون رتوش. وهذا ما أحاول نقله بأمانة. ولكن المشكلة عندما تتحول الرغبة إلى قسر بعض الأحداث حيث اختلفت مع شخص حول حدث شهدناه في 1672011 وكل رآه بطريقة مختلفة الرؤيا".

المعارض والسجين السابق ابو علي صالح. المصدر: الصفحة الرسمية له على الفيسبوك
المعارض والسجين السابق ابو علي صالح. المصدر: الصفحة الرسمية له على الفيسبوك

ولهذا يؤكد الصالح على ضرورة نقل الحوادث "عن أشخاص مشهود لهم نقلهم الصادق للأشياء، ويحتاج كل حدث للتدقيق مع الكاتب: هل نقل رغبته الشخصية أم نقل ما شاهده بدون رتوش؟ وأين الرتوش إذا كانت موجودة؟ وهل تؤثر بمسار الحادثة؟".

ينضم الشاعر السوري "فرج بيرقدار" إلى رأي شريكه في السجن والتجربة النضالية "محمد الصالح" من ناحية الاعتقاد بأن "الثورة فتحت باب إعادة كتابة التاريخ السوري الحديث وباب إعادة قراءة ما كُتِب قبل الثورة"، مستدلا على ذلك من اهتمام العالم بما يكتب ويترجم عن سوريا اليوم، حيث "بعض كتبي التي كتبتها في السجن أعيدت طباعتها وترجمتها إلى عدة لغات، وذلك لم يكن ليحدث لولا الثورة"، معتبرا أن "عصر الاحتكار الرسمي لوسائل الإعلام انتهى، وأن ما أنجِز من كتابات وأفلام وأغنيات وبوستات خلال الثورة يؤرّخ تاريخ سوريا المعاصر للمرة الأولى على نحو حقيقي بعيداً عما اعتدنا عليه من تأريخ رسمي مؤدلج وبالتالي مزوَّر".

وعن كيفية تحويل هذا الكم المتناثر من المعلومات إلى تاريخ، يعتقد فرج أن "مشروعكم ( سيريا أنتولد Syria untold) يسهم في ذلك، وموقع (كش ملك) يسهم بذلك، وهناك مواقع وصحف ومجلات عديدة تسهم بذلك. ومن يدري.. فقد يقوم أحد أو جهة بتجميع كل ذلك ونشره على نطاقات أوسع، وهذا ممكن الآن ومستقبلاً بفضل وسائل التواصل التي تضم أرشيفاً واسعاً يسهل التعاطي معه".

الشاعر السوري دارا عبد الله. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك
الشاعر السوري دارا عبد الله. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك

وأما الشاعر "دارا عبد الله" الذي يعتقد أن أمر "تحوّل كتابة التاريخ المتناثر على الفيسبوك إلى كتابة تاريخية جادة هو أمر ممكن وضروري" ذهب نحو اقتراح يبدو عمليا، حين قال أنه "يمكن البدء من خلال صفحة على الفيسبوك بحيث يتم طرح حدث معيّن أو حادثة تاريخية أو شخصية تاريخية وإعادة النظر فيها من جديد، لأن مراقبة تغيّر المواقف تجاه الأحداث والشخصيات لها دور مهم في فهم الواقع الحالي وفهم التاريخ أيضا. مثلا: حادثة المدفعية إذا رأينا أن المواقف تجاهها لم تتغير بمعنى الإدانة أو القبول بها فهذا يعني أن اللحظة التاريخية لا زالت تراوح في مكانها وهو ما ينطبق على أحداث تاريخية أخرى".

إنه التاريخ إذا.. فمن سيكتبه؟

إنها مهمة تحتاج أكثر من ثورة، بل تكاد تكون شرطها الضروري، لأن الثورة السورية اليوم دخلت مسارا طويلا ومتشعبا، لأن النظام تمكن طيلة عقود من احتكار التاريخ فنما جيل لا يعرف الكثير عن بلده، ونمت ثقافة سطحية بأحوال البلد تبدو الثورة سابقة لها بأجيال، لأن الثورة معرفة والمعرفة تأتي من قراءة التاريخ الحقيقي الذي لم تتح كتابته بعد، فهل تكتبه الثورة اليوم؟ وهل سيساعدها هذا على تقصير مسارها الذي طال أم أن السيف قد سبق العذل؟ ولا بد من كتابة تاريخنا الآن تمهيدا لمسار آخر؟

أسئلة قد يجيب عنها التاريخ إن كتب.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد