ثلاث سنوات ونيف ولم ييأس السوريون.
ثلاث سنوات وأكثر، اختلطت فيها الثورة بالإرهاب بالعنف بالحرب الأهلية ولم يتراجع السوريون قيد إنملة عن حلمهم بإزالة الاستبداد، مدركين أنه سبب المشكلة الأساس لكل المشاكل اللاحقة (إرهاب وتطرف..)، وواعين لألاعيبه وألاعيب القوى الدولية الساعية لحرف ثورة الحرية والكرامة عن مسارها نحو "مكافحة الإرهاب" أو "وقف الحرب الأهلية" بأي ثمن!
ولذا لم يترك السوريون فرصة أو مناسبة إلا واقتنصوها للإشارة إلى القاتل الأول والمسبّب الأول، ولهذا يأتي اليوم تصميمهم وهم الغارقون في معارك على أكثر من جبهة ( استبداد، تطرف، تقسيم، إرهاب، أسلمة) على إحياء الذكرى السنوية الأولى لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في 21 أغسطس 2013 عبر عدد من النشاطات والفعاليات على الأرض، وعبر مقاومة إبداعية بدأت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تزامنا مع الذكرى الأولى للمجزرة التي رحل ضحيتها أكثر من ألف وخمسمئة مواطن بينهم نساء وأطفال، في الوقت الذي لم يزل القاتل طليقا مقابل "سحب وتدمير الترسانة الكيماوية للنظام السوري باقتراح من حليفه الروسي فكان مبادرة عديمة الفائدة بالنسبة للشعب السوري" كما جاء في بيان لحملة "استنشاق الموت" التي أطلقها ناشطون سوريون "لمخاطبة الرأي العام العالمي ليس لتذكيره بالمجزرة فحسب، وإنما لمخاطبة الشعوب الفعالة للضغط على حكوماتها للتحرك من أجل محاسبة بشار الأسد ونظامه بوصفهم مسؤولون عن ارتكاب المجزرة" كما تقول "سوزان أحمد" أحد منظمي الحملة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
فكرة الحملة جاءت من "ضرورة إحياء ذكرى مجزرة القرن التي باتت منسية في خضم ما يشهده العالم من تحولات ونزاعات" و "لتذكير العالم بأن هناك شعباً منسياً قتل الآلاف منه في ليلة واحدة بالسلاح الكيماوي، وما يزال يقتل يومياً بشتى أنواع الأسلحة بما فيها الجوع والبراميل المتفجرة".
الحملة التي بدأت افتراضيا عبر نشر الهاشتاغ الخاص بالحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتوتير وانستغرام والترويج له عبر تغيير الصور الشخصية للناشطين كل ليلة "للدلالة على عدد الأيام التي مضت على ارتكاب المجزرة"، لم تكتفي بذلك بل انتقلت إلى الأرض من خلال تنظيم عدد من الاعتصامات في العديد من المدن والعواصم العالمية مثل فرنسا وأمريكا وبولندة والسويد وتركيا وإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا وإيطاليا إضافة إلى بعض المدن العربية مثل الأردن ولبنان، حيث سيتم في كل اعتصام تلاوة بيان الحملة وجمع توقيع المشاركين على العريضة المطالبة بمحاكمة مرتكبي المجزرة.
ورغم كل الأسى والموت الذي يستنشقه سوريو الداخل كل لحظة، فإن ناشطي الداخل مصرون على أن يكون لهم كلمتهم وقولهم الفصل في ذلك من خلال تنظيم مظاهرات في غوطة دمشق، إضافة إلى عقد ندوة إعلامية في مدينة زملكا التي كانت أحد مدن الغوطة التي تعرضت لسلاح الموت الجبان.
وسعت الحملة نشاطها أيضا باتجاه السعي لإطلاق اسم الحملة على اسم الجمعة (22/8/2014) من خلال دعوة الناشطين للتصويت على الأمر، إضافة إلى إطلاق برومو لفيلم "ازدحام الموت" الذي يوثق آراء من شهدوا المجرزة في العام الماضي ونجوا منها، عبر "قصّةً ترويها شهادات من رأوا ﻻ من سمعوا فقط !!".
ولم تقتصر نشاطات السوريين على الحملة، بل وصل الأمر إلى مبادرات وحملات جماعية وفردية في عدد من المدن والقرى والأرياف السورية، ففي مدينة عربين في ريف دمشق تم إحياء الذكرى من خلال إشعال شموع حول ملصق كتب عليه "يأتي الموت بألوان مختلفة وليس فقط باللون الأحمر. إنه اللون الصامت الذي يأتي باللون البنفسجي"
الفنانون السوريون كعادتهم أطلقوا العنان لخيالاتهم ليرفدوا الحملة بمقاومة إبداعية من خلال لوحات وبوسترات وملصقات خاصة للمناسبة، حيث رسم الفنان "فادي زيادة" ملصقا لفتاة تحمل قناعا واقيا من الكيماوي مملوءا بالورد، بينما خلفية الملصق تتشكل من أجساد أطفال الغوطة الذين رحلوا ضحية الكيماوي، وهو أمر متقصد لدى الفنان الذي قال لـ"سيريا أنتولد Syria untold" أنه أراد أن "ينطبع صورة هذا الكم الهائل من الطفولة المقتولة .. صورة نتذكرها كلنا وما ننساها".
في حين اختارت الفنانة "يارا النجم" أن تعبّر عن الأمر من خلال لوحة تمثل مصاصة حلوى للأطفال يتوسطها شعار الكيماوي، في دلالة على طفولة لم تعد بأمان، إذ بات الموت منتظرا في قطعة حلوى!
وأما الفنانة "منار قنا" فاختارت وجه فتاة محاط بالياسمين ويتطلع نحو الأقاصي، إذ كتبت بجانبه: "في قديم الزمان. كان هناك طفل.. اثنين.. ثلاثة.. بل الكثير .. الكثير من الأطفال و النساء و الرجال..أرادوا أن يزرعوا الياسمين في بلادهم لكنه ياسمين مميز فهو لا ينمو إلا بأرض حرة خالية من الطغاة.علم الطاغية حاكم البلاد بأمرهم، فقتلهم بالسموم والغازات و خنقهم أثناء نومهم. فالحاكم لا يريد للياسمين أن يزهر. ولا يريد للعالم أن يستنشق الياسمين حتى لا يوقظ فيهم الحنين......للحرية."
يدرك السوريون أن واجبهم يتمثل بجعل قضيتهم حاضرة في كل أذهان العالم، عبر مخاطبة الإعلام، لذا هم يفعلون ذلك رغم كل العوائق التي تحاصرهم وعلى رأسها "انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في الداخل وضعف النت أو انقطاعه" ساعين من خلال ذلك كله لأن "نطلب من كل شخص في موقع صناعة القرار أن يتذكر عندما يضع أطفاله ليلاً في السرير، أن أطفال سوريا الذين ماتوا وهم نائمون... فلم يخطر ببال أهلهم حينها أبداً أنهم لن يستيقظوا"، مذكرين بنفس الوقت بأن "قاتل هؤلاء الأطفال ما يزال رئيساً ويقتل المزيد من الأطفال بوسائل مختلفة وأكثر إيلاماً"، لنكون أمام قوة مجتمع لم تنسه ثلاث سنوات من العنف ما خرج لأجله، مفشلا بذلك كل عدة الدكتاتور الذي لا يريد "للياسمين أن يزهر. و لا يريد للعالم أن يستنشق الياسمين حتى لا يوقظ فيهم الحنين للحرية" التي أثبتوا أنّ حنينهم لها مازال على قيد الحب.