رغم مرور ثلاث سنوات ونيف على مرور الانتفاضة السورية، لم يكشف الحراك السلمي المدني السوري عن كافة كنوزه المخبّأة، إذ لم تزل حتى تلك اللحظة ثمة نشاطات وفعاليات جرت وحدثت دون أن يعرف الناس من يقف خلفها. ولم يكن الخوف أو تفادي استبداد السلطة وجنونها هو المانع الوحيد من إشهار المجموعة، بل طبيعة العمل نفسه، إذ لا يزال عدد من الناشطين يصرون على خلق الأمل والعمل على وصل ضفتي الوطن التي مزقها الاستبداد والتحولات التي جرت خلال سنوات، دون أن تكون طريقهم مكللة بالنجاح دوما بل ثمة مسيرة شاقة من المحاولات التي نجح بعضها وفشل بعضها الآخر. وإلى هذا الفضاء تنتمي حركة "تواصل الشبابية" التي قلّما عرف أو سمع بها أحد، الأمر الذي دفعنا في "سيريا أنتولد Syria untold" لمحاولة البحث عن الحكاية من لحظة ولادتها، وقراءة فصولها من لحظة التعتيم التي اختارها الفريق المؤسس، والتي جاءت منذ لحظة ولادتها بسبب الهدف الذي أنشئت لأجله.
في نهاية عام 2011 اجتمع مجموعة من المثقفين والفنانين والسياسيين المعارضين بهدف التفكير بكيفية خلق قناة تواصل بين المؤيدين والمعارضين، من أجل أن يتواصل المجتمع السوري مع بعضه البعض بعد سنوات من الاستبداد، وذلك بهدف دفع المجتمع الأهلي نحو المدنية ومحاولة سحب البساط من يد النظام الذي عمل جاهدا منذ اللحظة الأولى للانتفاضة لأن لا يتواصل السوريون فيما بينهم. ولهذا كان من الطبيعي جدا أن يكون بين أعضاء المجموعة مثقفين وسياسيين إلى جانب أصحاب مهن كادحة كبائع غاز وصاحب مكتب عقاري.
ولأن طبيعة عمل المجموعة ونشاطاتها تقوم على هذا التواصل فإن العمل بعيدا عن الأضواء كان سمة أساسية لها لكي لا يتعرض أحد لأذى النظام، إلى درجة أن المجموعة حتى اللحظة لا تملك صفحة على الفيسبوك.
ولكن نتيجة التطورات التي بدأت تفرض نفسها على الانتفاضة السورية وجدت المجموعة نفسها تغرق في نشاطات تفرضها طبيعة التحولات المعقدة التي شهدتها الانتفاضة السورية، إذ عملت مبكرا على حالات الخطف التي كانت تحصل بين المناطق لتوعية طرفي الصراع بأنّ المخطوفين مجرد ضحايا، فعندما قامت إحدى الجهات في مدينة المليحة بخطف أحد أبناء جرمانا ردا على اعتقال أحد حواجز "اللجان الشعبية" في المدينة لأحد أبناء مدينة المليحة، ذهب وفد من المجموعة إلى المليحة، وشرح لهم بأن المخطوفين أناس أبرياء وليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بما يجري، وبنفس الوقت عملت المجموعة على جبهة جرمانا لتوعية الناس والأهالي بأن استمرار حالات الاعتقال العشوائية سيؤدي إلى ردات فعل غير محسوبة، بغية دفعهم باتجاه الضغط على هذه الحواجز لعدم التورط مع النظام وإعلاء حالة الخصومة مع الجيران، كما تقول الناشطة "إنانا بركات" لموقعنا.
https://www.youtube.com/watch?v=Pov8AJ_Inp0
وللمجموعة قصة طريفة مع حالات الخطف التي عملت عليها، فأثناء ذهاب أحدهم إلى مدينة "جوبر" لمتابعة ملف أحد المخطوفين، تعرّض بدوره للخطف لمدة يومين ليصار إلى إطلاق سراحه بدفع من الأهالي بعد أن عرفوا أنه يعمل على موضوع السلم الأهلي و على ما يجمع السوريين، وهو ما يوضح لنا الفرق بين ما يجري اليوم من حالات خطف وما كان في الأمس، إذ حين كانت القضية بين يدي السوريين كانوا قادرين على التفاهم وحل مشاكلهم الأهلية، في حين تبعثرت وتشتتت الجهود حين دخل الغرباء وتشكلت جبهة النصرة وغيرها.
ورغم أن جوهر المجموعة هو معارض للنظام إلا أنهم تمكنوا من جذب فئات غير مسيّسة ومحايدة ومنها موالاة أيضا، ودفعهم نحو مساعدة النازحين من البيئات المحسوبة على المعارضة واستضافوهم في بيوتهم وقاموا بجمع الأموال اللازمة لتلبية احتياجاتهم، الأمر الذي جعل المجموعة تحقق هدفها فعليا حيث جرى هذا التواصل بين السوريين بمختلف أنواعهم وبطريقة غير مباشرة من خلال تلك النشاطات الهادفة، وهذا الأمر جعل المجموعة مستهدفة من قبل النظام الذي اعتقل بعضهم، في حين اضطر بعضها الآخر للخروج من البلد، الأمر الذي أربك عمل المجموعة لأشهر قبل أن تعود وتستعيد جزءا من نشاطها.
ولم يقتصر عمل المجموعة على الشأن الميداني، بل وصل إلى إعداد تقارير إعلامية من أرض الميدان للوقوف على الحقائق في المناطق التي توسم بلون معين في وسائل الإعلام عادة، حيث وصل الأمر حد متابعة ملف النازحين من حلب إلى مدينة القرداحة (مسقط رأس الأسد)، حيث قال النازحون بأنهم موجودون هنا كحالة إنسانية وليس لهم علاقة بميول أهالي المدينة السياسية وهم يحترمون ذلك، في حين أكد أهالي المدينة أن النازحين ضيوفهم، مؤكدين بذات الوقت أنهم غير قادرين على تجاهل بعض الشعارات الطائفية المرفوعة في الطرف الآخر ناهيك عن التهديدات التي تطلق من هنا وهناك، مؤكدين وجود الكثير من الأخطاء ومطلقين النقد الذي طال رأس النظام نفسه، مبينين أن الجيش السوري يحوي الشريف كما يحوي الفاسد، وأنّ فساد بعضهم يطال حتى الجنود أنفسهم، إذ قال أحد الجنود أن الضابط لم يكن يسمح له بإجراء اتصال مع أهله إلا مقابل المال، الأمر الذي يجعل هذا الضابط خصمه، لنكون في نهاية المطاف أمام عمل يبحث عن المشتركات بين السوريين في أكثر الأماكن وعورة، حيث تمكن التقرير من ملاحظة نشوء نوع من العلاقة الاقتصادية بين نازحي حلب و أهالي القرداحة نفسها، حيث اشترى بعضهم محلات في المدينة.
وباعتبار أن المجموعة تحوي خبرات متعددة في مجال الفنون والثقافة، أقدمت المجموعة على إنتاج ثلاثة أفلام، الأول جاء ضمن حملة "سوريا وطن لا سجن" التي أطلقتها شبكة المرأة السورية وشاركت فيها "تواصل" من خلال توليها الجانب الفني الذي أنتج هذا الفلم الذي ركز على موضوع المختطفين لدى الجهات المسلحة والمعتقلين لدى النظام، لإبراز وجع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
https://www.youtube.com/watch?v=O0z5NJ6-pTg
والثاني هو "قطف الزنبق" الذي يحكي عن الانتهاكات التي جرت في المخيمات ( زواج مبكر، طلاق قسري..)، في حين حمل الثالث اسم "levant حيث تشرق الشمس"، مسلّطا الضوء على وضع المرأة في الحصار داخل سوريا.
ميزة الفلمين الأخيرين أنهما نوع جديد من الأفلام، حيث تم العمل على جمع الأفلام والمواد التي أنتجها الناس بأنفسهم داخل الحصار لإيصال صوتهم، فتم العمل عليها لإبراز وجهة نظرهم بطريقة أكثر فنية، وهو ما جعل المجموعة تتلقى اتهامات من المعارضة بأنها تنتقدها، وهو أمر تصرّ المجموعة على صحته لأنها رغم إيمانها بحق المعارضة وانتمائها لها، إلا أنها ترفض أن تجعلها خارج النقد، لأن العمل المدني إذا تحوّل إلى رديف للمعارضة أصبح موالاة من نوع آخر من وجهة نظر "إنانا"، في حين أن المجموعة تركز على الإنساني المشترك، ونقد أي خطأ بغض النظر عن مصدره سواء كان نظام أم معارضة. ولهذا أولت المجموعة ملف المختطفات والمختطفين في مدينة اللاذقية أهمية كما تولي ملف المعتقلين في سجون النظام أهمية أيضا، حيث سنخصص حكاية خاصة لهذا الملف.
كما فكرت المجموعة بإجراء معرض فني في لبنان يعود ريعه للأطفال والنساء لأنهم الأكثر تضررا مما يحصل، ولكن لم يتم تنفيذ الفكرة بسبب توتر الأجواء في بيروت أمنيا.
المجموعة التي لم تشهر نفسها فيسبوكيا حتى الآن، تطمح لأن يكون هناك حراك مدني حقيقي، يخاطب وجع الناس ويخفف من آلامهم دون أن يكون طرفا، وأن يكون هناك تقييم حقيقي للمرحلة السابقة، لنتعلم من تجاربنا بعد كل هذا الوقت والخراب لأن المأساة السورية هي مأساة كبيرة لهذا يجب ضرورة الفصل بين العمل السياسي والعمل المدني.