كتابة: محمد ديبو
جمع معلومات: رولا علي
مع تعقّد المسألة السورية يوما بعد يوم، تحوّل القمع والجوع والحصار والبراميل وقصف الطائرات إلى أمور "بحكم العادة والروتين"، جرّاء تتابع العديد من الأحداث الكبرى ( كوباني، الهجوم الدولي على داعش..) التي باتت تفرّخها المسألة السورية، مما يدفع وسائل الإعلام الكبرى والشهيرة لإهمال ما بات "عاديا" من وجهة نظرها، تاركة بذلك الفرصة للنظام وغيره من القوى الجديدة المضادة للديمقراطية ( داعش، النصرة، الجبهة الإسلامية..) لتفعل فعلها في المجتمع المنهك، الأمر الذي دفع المجتمع المدني السوري لمحاولة تعبئة هذا الفراغ من خلال حملات تسعى لتسليط الضوء على هذا المهمل، وهذا ما تقوله حملة "بدنا نعيش – عطش تحت الحصار" التي أطلقها " ناشطون داخل وخارج المخيم من أجل إعادة قضية المخيم للواجهة. أي قضية الحصار والجوع والموت الذي لحق بأهالي مخيم اليرموك" كما يقول أحد ناشطي الحملة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
انطلاقا من ذلك تهدف الحملة إلى "تذكير وجمع الناس حول قضية المخيم، والدفاع عن حقوق المدنيين داخله"، علما أن المخيم يعاني حصارا مشددا منذ أشهر طويلة، ولكنها تزايدت في الفترة الأخيرة، بعد قطع الماء عن المخيم منذ " 31 على التوالي"، كما يقول الناشط لموقعنا، متابعا أن معاناة الأهالي بنقل المياه من الآبار إلى المنازل مازلت مستمرة، عدا عن كون "هذه المياه غير صالحة للشرب وتسبب بعض الأمراض".
ولأن انقطاع الماء والعطش الذي يعانيه أهل المخيم كان سببا مباشرا في إطلاق هذه الحملة، فإن البروشور الرئيسي للحملة كان رسالة إبداعية بالغة الدلالة، وهو عبارة عن صنبور ماء مغلق مكتوب بجانبه "بدنا نعيش – عطش تحت الحصار"، دون أن تكتفي الحملة بذلك بل أطلقت عدد كبير من الملصقات والبروشورات منها بروشور يمثل صنبور ماء تتدلى منه أرجوحة ماء وعليها طفلة، مكتوب بجانبها " ما يريدونه هو الماء فقط ليصبحوا سعداء".
الحملة التي يصفها القائمون عليها بأنها "شعبية" أقدمت على إقامة مهرجانين داخل المخيم المحاصر، حملتا عنوان "بدنا نعيش"، مضافا لها تحركات شعبية أخذت صيغة اعتصامات حمل خلالها أهالي المخيم لافتات الحملة، التي أتبعت بنشاط افتراضي واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبّرت عن نفسها عبر صفحة "حملة بدنا نعيش – مخيم اليرموك" على الفيسبوك، حيث دعت الصفحة كوسيلة من قبلها لكسر التعتيم الإعلامي جميع الناشطين والمتعاطفين عبر العالم إلى رفع لافتات الحملة وهاشتاغاتها، إذ قالت" خيا وخيتا وين ما كنتو .....تعالو شاركونا هالفعالية الخفيفة والغير مكلفة, بهاد الألبوم في صورة لافتة بهاشتاغات وعنوان الحملة بقياس ورقة A4, اطبعها, انزل ع المدينة اللي انت ساكن فيها ومعك موبايلك, وقف الناس وصورهم مع اللافتة واحكيلهم عن وجع #مخيم_اليرموك وأهله اللي محاصرين والمهجرين. ابعتلنا الصور ونحنا علينا النشر"، وهو ما فعله الناشطون من عواصم متفرقة، إذ رفعوا لافتات مكتوب عليها اسم الحملة تضامنا مع أهالي المخيم الصامدين تحت نيران العطش.
لم تكتف الصفحة بذلك بل رصدت حياة الناس داخل المخيم، إذ عملت على نقل معاناة الأهالي عبر الصور، وخاصة الأطفال المتوجهين إلى الآبار وهم يحملون أوعية المياه لملئها في صباح العيد. هذا العيد الذي أطفال مخيم اليرموك يتمنون أن لا يأتي لأنه بات ثقيلا على أراوحهم، علما أن المخيم شهد الكثير من الحملات التي لقيت صدى إعلاميا محددا دون أن تؤدي إلى حل مشاكل الناس القاطنين به جراء تعنت النظام وعدم قدرة المؤسسات الدولية للوصول إلى المخيم لوقف الانتهاكات الحاصلة بحق أصحابه، حيث طالب القائمون على الحملة جميع الجهات بتسليط الضوء على قضية المخيم لحل المشكلة، مؤكدين وفق معلومات موثقة أن المخيم محاصر بشكل جزئي منذ 17122012 ، وبشكل كلي منذ 1772013، حيث خسر حوالي 172 شهيد جوع جراء الحصار، ويوجد فيه اليوم أكثر من 20 ألف مدني تحت الحصار.
"لا نريد أكثر ما نستحق. إن أقل ما نستحقه هو أن نعيش بكرامة.. بدنا نعيش" هذا ما يختم به أحد نشطاء الحملة لموقعنا، وهو الأمر الذي رفعته للصدفة لافتة من كفر نبل، تحية لصمود مخيم اليرموك، إذ جاء فيها: " مخيم اليرموك شبعان كرامة يا عرصات". وكأن السوريون الذين فرقتهم الجغرافية اليوم، باتت الكرامة توّحدهم من كفر نبل حتى اليرموك، ومن درعا حتى كوباني، ولهذا هم ثاروا ولهذا هم يدفعون الثمن الكبير: عطشا وجوعا وقتلا وموتا و..
ألم يقل الشاعر أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدّق.
ولازال السوريون يدقون أبواب حرية مازالت موصدة دونهم، لذا هم يتابعون ويعطشون.