القصة السورية كما يجب أن تتلى


25 تشرين الثاني 2014

دوناتيلا ديلا راتا

باحثة، كاتبة، مؤدية ومنسقة/مصممة عروض متخصصة في الاعلام الرقمي والتكنولوجيا التشبيكية، تركز في عملها على العالم العربي. أخر كتبها "تصوير ثورة: الاعلام المرئي وصناعة الحرب في سورية (بلوتو بريس ٢٠١٨).

Translated By: رؤى زيات

الكم الهائل من الأحداث والتجارب الإنسانية التي تختزنها الثورة السورية ولّدت حاجة ملحة لتوثيق هذه الحكايات، لنجد أنفسنا اليوم - ثلاث سنوات ونيف على عمر الانتفاضة- أمام محتوى ضخم أنشأه السوريون علّه يساعد بإيصال صوتهم إلى العالم.

لذا فإننا نشهد اليوم ظاهرة غير مسبوقة، فسوريا التي لطالما كان الإعلام المستقل وحرية الصحافة فيها أمراً شائكاً، استطاع أبناؤها منذ بداية الانتفاضة في آذار 2011، كسر هذا الحاجز ومشاركة كمية هائلة من المعلومات والفيديوهات والصور على شبكة الانترنت، معظمها تحت أسماء وهمية. لسوء الحظ فإن الجزء الأكبر من هذه المعلومات كانت خارج السياق بسبب عاملين أساسيين:

العامل الأول يتجلى بالمنبر الذي تم من خلاله إنتاج ومشاركة البيانات المرتبطة بالانتفاضة السورية، أي الفيسبوك. فالطبيعة المغلقة لشبكة التواصل الأخيرة، حدت من انتشار المعلومات هذه لتقتصر على مجموعات مبعثرة استطاعت التشبيك مع منشئي ذلك المحتوى، بالإضافة إلى أن الفيسبوك كأي موقع تواصل اجتماعي آخر، لا يلبي الحاجة بأرشفة هذه المعلومات، مما يعني فرزها وترجمتها وحفظها بهدف تسهيل الوصول إليها لاحقاً.

أما العامل الثاني فهو انعدام مهنية المحتوى المتناثر على شبكة الانترنت، ففي أعقاب الانتفاضة، أتيحت الفرصة لجميع السوريين بدون استثناء بإنشاء ومشاركة البيانات، إلا أن المشكلة تكمن بعدم آهلية كثير منهم على تحمل هذه المسؤولية، فمعظم هؤلاء الأفراد هدفهم تبادل المعلومات وليسوا إعلاميين مهنيين. حيث لم يكن السوريون يعلمون حينها أنهم لا يقومون بتبادل الصور والأنباء فحسب، بل يعدون تقارير إخبارية من قلب الحدث، مما كان يستوجب تأطير هذه المعلومات لتتضمن التاريخ والموقع الجغرافي والجيوسياسي.

عند إطلاق موقع SyriaUntold سيريا أنتولد (حكاية ما انحكت) في عام 2012، كان هاجسنا الرئيس كصحفيين وأكاديميين وناشطين نعمل من وعن سوريا، هو توفير سياق لهذا المحتوى الذي يستمر بالتضخم يوماً بعد يوم، فقد بدا جلياً بأن قيمة هذه المعلومات بدأت بالتلاشي بسبب الاستهلاك اليومي لها على مواقع التواصل الاجتماعي. بالتالي وجدنا أننا ومن خلال "سيريا أنتولد" سنتمكن من أرشفة المعلومات التي أنشأتها القاعدة الشعبية السورية وتحريرها وترجمتها ثم نقلها إلى جمهور واسع باللغتين العربية والإنجليزية، حيث يقدم الموقع نظام أرشفة مناسب لهذه المواد، عبر تأطيرها ضمن سياقها الزمني والثقافي والجيوسياسي، لا أن يتم تداولها كأجزاء غير مترابطة من المعلومات.

لهذا السبب، فقد عزمنا بعد عدة أشهر من المناقشات الحيوية أن نقوم بالتركيز على جزء محدد ومخصص من هذا المحتوى، ألا وهو الجزء الذي "ما انحكى". كنا قد وصلنا بالفعل إلى مرحلة كانت تروى فيها الأحداث الجارية في سوريا بمصطلحات عسكرية فقط، سواء كانت تتحدث عن النظام أم عن المعارضة، كما بدأت وسائل الإعلام الرئيسية بالتركيز بشكل مبالغ على الجوانب الجيواستراتيجية والدولية من النزاع، مهملة كل مطالب السوريين المحقة بالحرية والديمقراطية ومهمشة بدورها كل ما يتعلق بالحراك السلمي، وكأن العالم بأكمله نسي أو تناسى الجانب المدني السلمي من الانتفاضة.

بناء على ذلك فقد قمنا في سيريا أنتولد بالتركيز بشكل متعمد على القصص المهمشة التي ولدت من رحم الانتفاضة من قبل ناشطين منخرطين في العصيان المدني والمقاومة السلمية، والمؤمنين بقدرة النشاط المدني على تغيير نظام الحكم في سوريا رغم كل الصعاب. نحن نحاول الخروج من ثنائية النظام-المعارضة المسلحة عبر تسليط الضوء على طرف ثالث، ألا وهو المجتمع المدني السوري.

نحن نؤمن بضرورة فهم هذه الفئة، فهم أفكارها وهواجسها وطموحاتها فهي اللاعب الأهم في تحديد مصير ومستقبل سوريا. لذلك فإن سيريا أنتولد تأمل بأن تتمكن من المساهمة في تفسير الأحداث الجارية في سوريا بنهج أكثر دقة وتوازناً تجاه المجتمع المدني الذي ما زال يشكل الجزء الأكبر من المكون الديموغرافي السوري.

نحن نهدف في هذا التعاون المميز مع openDemocracy بعنوان “الانتفاضة: نظرة نقدية” (Looking Inside the Uprising)، أن نتقدم خطوة جديدة في سعينا نحو إبراز أهمية المجتمع المدني في سوريا ونضاله المستمر، كما نأمل أن يصل صوتنا الذي يروي قصص مهمشة من قلب سوريا لكل أذن صاغية.

ترجمها إلى العربية: رؤى زيات

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد