محمد التميمي إذ ينتزع أملا من قلب اليأس


01 كانون الأول 2014

إنّ المدقق في رسومات وكاريكاتيرات الفنان "محمد التميمي" استنادا لتواريخ الرسم، سيلحظ دون شك الانتقال الواضح في مواضيع الرسم. من رسم القضايا الاجتماعية التي "يلي بتعكس مثلا تعلّق العالم بالأمور الحياتية النمطية كمواقع التواصل الاجتماعي" التي يحبها الفنان "محمد التميمي" إلى لوحات تقاوم الدكتاتورية وتظهر وجهها البشع.

انتقال فرضته الثورة السورية على الفنان المولود في حلب (1983)، والمتخرج من جامعة حلب باختصاص نظم معلومات وحاسوب. تلك الثورة التي يقول عنها الفنان لـ "حكاية ما انحكت" بأنها: " أثرت فيني على الصعيد الشخصي قبل أي شيء آخر. عملت مني شخص أكثر نضوجا, وجعلتني أرى الأشياء من منظور مختلف. أما بالنسبة للرسم فأعطتني أفكار كثيرة وتصوّرات جديدة وخلتني اطلع على تجارب آخرين".

كانت الثورة مهمة جدا لمحمد إذن ليصقل تجربته، لأنه لم يأت من خلفية أكاديمية للرسم، بل "بدأ معي كهواية. وبسبب طبيعتي المرحة اقترح علي أصدقائي أن أجرب رسم كاريكاتير أو قصص قصيرة هزلية. ساعدني بالأمر أن مجال عملي هو الديزاين والجرافيك ديزاين".

لوحة للفنان محمد التميمي. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان محمد التميمي. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

الفنان الذي يحب رسم الشخصيات بطريقة طريفة، رسم الفيلسوف ومؤسس النضال اللاعنفي "غاندي" والعالم الشهير "أنشتاين" ولاعب كرة القدم المعروف "رونالدو"، مستقيا موضوعاته من الحياة واهتمامات الناس حوله، إلى أن بدأت الثورة فخيّمت على اللوحة مناخات جديدة: سوداء حيث سورية معلقة على حبل غسيل وهي تقطر دما، وحزينة بسخرية تقارب البكاء: حيث خيام اللاجئين تقاوم الطائرة برفع الإصبع لها كلايك، أو معبرة عن واقع الحال السوري اليوم حيث الحمام يحمل براميل متفجرة بدلا من غصون الزيتون، دون أن تنسى مقاومة الدكتاتورية عبر لوحات ترسم أحدها وجها مشققا للدكتاتور مرفقا بعبارة "تجفيف منابع الإرهاب" وأخرى تظهر الدكتاتور هاربا، كناية على أنه في نهاية المطاف راحل.

السخرية تحتل مكانها البارز في لوحة الفنان، سواء في لوحاته الاجتماعية أم السياسية، إذ نرى برميل وطلقة في لحظة هبوط من السماء، قبل لحظة وصولهما أجساد السوريين وهما يتصافحان، دلالة على أن القتل واحد في نهاية المطاف بغض النظر عن مصدره، إضافة إلى تصويره الفيسبوك كمعتقل، حين يتحوّل إلى إدمان يسجن الأفراد أنفسهم بداخله.

الفنان الذي طوّر أدواته اليوم بعد الاطلاع على تجارب كثيرة لا زال يبحث عن طريقته التي تؤكد هويته وبصمته كفنان، مطوّرا تجربته ومراكما خبرته، مكتفيا اليوم بالرسم "عن طريق الكمبيوتر مباشرة إلا بحالات خاصة حين أحبّ أن تعطي اللوحة إيحاءا معينا".
كأغلب أبناء جيله من الفنانين رسم الفنان بداية باسم مستعار "تجنبا للملاحقات الأمنية" حيث عمل مع عدة مواقع وصفحات داعمة للثورة تحت نفس هذا الاسم "تميم حسن"، وشارك بعدة معارض في رام لله و تركيا و مصر واندونيسيا وألمانيا...

يعتبر الفنان أن "الفكرة هي الأساس. وما بعدها هو نتيجة"، مؤكدا أن الثورة أعطت الكثيرين ممن لم يكونوا يحصلوا على شيء دونها و" لا أقصد الشيء المادي هنا بل تطوّر الذات وفهم الأفكار الجديدة" عبر الإصغاء لها.

لوحة الفنان التي تطلّ على اليأس والسخرية ومعاناة اللاجئين لا تنسى أن ترصد الأمل حتى في أشدّ الأماكن واللحظات يأسا، وهو ما نراه بوضوح في إحدى اللوحات حيث تطير الفراشة بجانب زنزانة المعتقل، وفي أزهار تحيا فوق الماء على ظهر كتاب.
مهمة الفن هنا لا تكتفي برصد الواقع البائس وفضحه، ومقاومة الطغاة والدكتاتورية، بل ترسم أملا لا بد منه لمتابعة الحلم نحو الحرية، وهو الحلم الذي نراه في لوحة تمثل جنينا في بطن أمه وهو يقول حرية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد