بعد طرد الحواجز التابعة لجيش النظام التي كانت تحاصر مدينة سراقب من كل الجهات، أصبح بإمكان أهالي المدينة والنشطاء ممارسة "واحد من أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والمبادئ المدنية"، الأمر الذي دفع مجموعة من النشطاء لتأسيس "المنتدى الاجتماعي الثقافي" بتاريخ 15/11/2012 ، حيث بدأ الأمر من خلال تأسيس روضة للأطفال، ومن إيراداتها البسيطة تم إطلاق المنتدى "لإرساء الحياة المدنية بسراقب" كما يقول الناشط "لهب باريش" لراديو "سوريالي" و"حكاية ما انحكت".
بعد التأسيس بشهر تقريبا أقدم المنتدى على احتضان أول انتخابات للمجلس المحلي في المدينة، والتي يصفها "لهب" بأنها "أول تجربة كانت في سوريا خلال الثورة"، حيث شارك في الانتخابات حوالي 1300 شخص ( 1000 ذكور 300 نساء) لانتخاب مجلس لم يتح له العمل بسبب مناهضة المسلحين له، علما أن المنتدى يعتبره من أهم إنجازاته وتجاربه في العمل المدني.
لكن رغم ذلك لم يتوقف المنتدى عن النشاط حيث أقدم على استضافة الندوات الشعرية والمسرحيات وندوات طبية ومحاضرات قدمها حقوقيون وفلاسفة ورجال دين معتدلون، إضافة إلى توسيع عمل الروضة ليضاف له مدرسة للأطفال، يدرّس بها مدرسات ومدرسون بأجور قليلة ورمزية جدا ( أربعة آلاف ليرة فقط)، حيث يأخذ القائمون على المنتدى أجور رمزية تكفي لتغطية نفقات المبنى من أجار وكهرباء ومصاريف أخرى، إضافة إلى تحوّل المنتدى إلى ملجأ أوقات القصف حيث يأتي الناس للاحتماء في قبوه.
حين كان النشاط المدني في أوجه، تحوّل المنتدى إلى مكان يجتمع فيه النشطاء للإعداد للتظاهرات، حيث جرى في أرجائه مناقشة الشعارات وكتابة اللافتات ورسم اللوحات التي سترفع، إضافة إلى كونه مكان اجتماع المجلس المحلي السابق المنتخب لعقد اجتماعاته وطرح أفكاره على الأهالي، ليصبح باختصار ملتقى لكل من يريد العمل والنشاط في المدينة بدءا من التظاهر وليس انتهاءا بحملات النظافة.
يعمل اليوم في المنتدى سبعة عشر فردا بينهم خمسة نساء، دون أي تمويل إلا ما يتقاضونه لقاء قيامهم بتوزيع إحدى المجلات في المنطقة لقاء مبلغ يساعد في سد نفقات المنتدى، إذ لم يتلقوا أي دعم من أي فصيل معارض، علما أن "فنجان القهوة اللي بيشربوه بالفنادق بيعادل تكلفة المنتدى كلو الذي يكلف 200 يورو فقط" كما يقول "لهب"، لنكون أمام كادر يعمل بشكل تطوعي، فيعمل كل منهم المطلوب منه نهارا، ليجتمعوا مساءا أو ليلا للنقاش وتبادل الآراء.
نشاطات المنتدى لا تقتصر على مدينة سراقب، إذ يدرك القائمون عليه أن النظام والعنف والحرب الدائرة عمقت الفصل وأضعفت التواصل بين الناس، مما دفعهم إلى محاولة العمل على ربط الريف بالمدينة من خلال دعوة أبناء الأرياف القريبة من سراقب لتقديم نشاطاتهم في المنتدى، إضافة إلى قيامهم بتوزيع المجلات، وخاصة تلك المتعلّقة بالأطفال، إذ لا ينسى "لهب" الفرحة التي ارتسمت على وجوه الأطفال حين كان يوزع لهم مجلة "زكزك"، إضافة إلى تواصلهم مع التنسيقيات و المجالس المحلية في الريف، لـ "نقول لهم نحن جاهزون إذا بدكم شي. تعو اجتمعوا عنا".
أكثر المصاعب التي يعانيها المنتدى تتعلق بآثار نزوح الأهالي من المدينة هربا من القصف والمعارك الدائرة، لأن "الجنة بلا ناس ما تنداس" في نهاية المطاف، إضافة إلى العلاقة المتوترة مع العسكر وبعض النشطاء التابعين لبعض الجهات المعارضة، حيث يقول لهب بحدة: "ما حدا حقرنا وبهدلنا غير العساكر تبع سراقب بالتعاون مع نشطاء بتركيا ومنن تابعين للائتلاف، كل ما جينا بدنا تعمل انتخابات بيحبوطها، كل ما إجينا بدنا نعمل مسرحية يتهجمو علينا. في جكارات من أهالي سراقب حصرا، ليس لغايات دينية أو مذهبية إنما جكارات".
المنتدى الذي يعتبر اليوم المكان الوحيد الباقي في سراقب، يطالب بتقديم دعم للأطفال كحقائب ودفاتر، ودعم التجمعات المدنية وتكثيف الدعم لقطاع التعليم عموما، عدا عن مطالباتهم الدائمة بوقف قصف طائرات النظام أولا ودائما، لأنها سبب أساسي في توقف المظاهرات لأن "يوم المافي براميل في قذائف ويوم في سوخوي ويوم في ميغ" دون أن يكون هو السبب الوحيد في توقف المظاهرات بل هناك أيضا "محاولة البعض تسييس المظاهرات"، لتنحصر مطالبهم في نهاية المطاف، بأن " يبقى المنتدى مفتوح. ما بدنا تطعمونا ولا تشربونا بس بدنا مكتبة كتب. ما عنا غير 150 كتاب".
يقاوم العاملين في المنتدى اليوم كل شيء: النظام والمسلحون وداعش والفقر والأوضاع الاقتصادية السيئة.. متمسكين بجنتهم (سراقب)، وساعين لأن لا تسقط آخر آثار المدنية في مدينة طالما قدّمت في مظاهراتها ولافتاتها وحيطانها مثالا راقيا عن الحرية وكيفية المطالبة بها.