حين حدثت مجزرة الحولة (25 أيار 2012) في ريف حمص لم يكن يفكر الفنان السوري "فارس خاشوق" أن رسمه لملصق يصوّر الدكتاتور السوري واقفا أمام عدد من الأطفال وهو يخفي ساطورا، في لحظة شديدة الألم والخصوصية، سيكون له آثرا لا يزول، إذ كان جل همه وقتها، وهو يشاهد صور ضحايا مجزرة الحولة (25 آيار 2012) أن يعبّر عن آلامهم وأحلامهم المهدورة على مسرح الحرية، لتجد اللوحة طريقها اليوم إلى منهاج الصف العاشر الفرنسي، حيث أخذت صفحتين لتكون دليلا حول اللغة البصرية، وكيفية توظيفها في التعبير عن الأحداث السياسية المعاصرة.
لم يخف الفنان السوري- الفرنسي المولود في مدنية حمص سعادته باختيار لوحته نموذجا يتعلم من خلالها التلاميذ كيفية التوظيف وأن ثمة دكتاتورا يحكم على عنق بلاد اسمها سوريا بالسواطير، معيدا الأمر كله إلى الثورة السورية التي غيّرت "كل حياتي، كما هو حال جميع السوريين على ما أعتقد. رؤيتي و مفاهيمي الكبرى و حتى اليومية منها. مفاهيم كالطموح و الأحلام المهنية، تفاصيل الحياة اليومية و الرفاهية، الهموم الصغيرة، باتت باهتة وسخيفة إلى جانب ما يطمح إليه و يعاني منه السوريون" كما يقول لحكاية ما انحكت.
الفنان الذي درس في فرنسا ويحمل شهادة ماجستير في فن وتكنولوجيا الصورة ودكتوراه في الفن والتواصل البصري، يرى أن الثورة لم تترك أحدا بمنجاة من آثارها، فكل من "يعتبر نفسه سورياً يرى كل شي عبر منظار الثورة. لا يمكن أن تكون سورياً و تتابع حياتك كأن شيئاً لم يحدث و مازال يحدث في سوريا"، وهو حدث للوحة الفنان التي ينتمي أكثرها للملصق السياسي، فهو فنان غرافيكي بشكل أساسي، يعمل في "كل ما يخص الصورة الثابتة و المتحركة. أعمل على الهوية البصرية و الملصقات الفنية و الدعائية".
ولعل اندماج الفنان في الثورة يمكن ملاحظته من كثرة وتواتر أعماله التي رسمها و تناقلها السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، والتي تركز على عناصر منتقاة بدقة من الواقع السوري المتهالك باحثة عن الخام الغني أحيانا، و المهمل أحيانا، لترفعه إلى مصاف الفني الخالد، ولعل عناوين لوحاته تدل على هذا الأمر: الشعب، الخليفة، جبهة النصرة، سوري يشتري الخبز، دفعة من طلاب كلية الهندسة المعمارية، سوري يشتري الخبز، ابراهيم القاشوش، كباب حلبي....
لا تخفي الملصقات التي يرسمها الفنان انحيازها للشعب بوجه الطغاة مهما تعددت أشكالهم، بدءا من الاستبداد وليس انتهاء بالنصرة وداعش، ولهذا لا ترى أحدا منهم يسلم من نقده، لصالح الانتماء إلى الضعفاء والبشر العاديين الذين يرسمون معنى حياتهم من مقاومتهم أعداء الحياة والحرية، عبر ملصقات واضحة بسيطة سهلة، لكنها عميقة المعنى وواضحة التأثير، محققا بذلك أهم شروط الملصق السياسي الذي يتعامل معه الفنان كما يتعامل مع "أحجية تحتاج حلّ. الوقائع تطرح معطيات، أو حدثاً معيناً، وعليك اختصاره برسم بسيط دون أن يفقد معناه. على المشهد أن يكون واضحاً وصارخاً كأحداث الثورة السورية. هنا تكمن الأحجية؛ إيجاد التركيب الغرافيكي المناسب، بأقل عدد من العناصر، وتطويعه ليروي الفكرة، دائماً بنفس الأسلوب، ببساطة ووضوح" كما يقول في أحد حواراته مع القدس العربي.
يبدو الملصق وحده غير قادر على التعبير على ما يجول بداخل الفنان، لذا اتجه في عام 2012 نحو الإخراج، ليوقع أول فلم قصير بعنوان "الكلب" الذي يحكي قصة مغتربين يعيشان برفاه، ولا يفكرون إلا: كيف أفسد السوريون عليهم إجازاتهم السنوية، مشيحين بضمائرهم عن شلال الدم السوري الهادر نحو الحرية، ليشارك الفلم في مهرجان كان ضمن الأفلام القصيرة، علما أن الفنان يعمل اليوم على فلم وثائقي جديد.
أهم ما في أعمال الفنان أنه أعاد للملصق السياسي اعتباره على الساحة الفنية السورية، وهو ما يحسب للثورة السورية التي أعادت عددا من الفنانين إليه، فالملصق اختفى منذ عقود من ساحة الفن السوري كمعطى فني، علما أنه كان موجودا لدى فنانين مثل يوسف عبدلكي ومنير الشعراني وغيرهم.
بألوان بسيطة وأفكار بريئة يسخر "خاشوق" من الدكتاتورية، محوّلا قوتها إلى هشاشة تسقط أمام عصفور يسقط زرقه على أسد في دلالة واضحة الإشارة إلى الدكتاتور الذي يبدو في ملصق آخر قزما رغم طوله أمام قدم هائلة الطول اسمها: الشعب، تلك المفردة التي لم يثر السوريون إلا لاستعادة معناها حين صرخوا ملء حناجرهم: الشعب يريد إسقاط النظام، ولم يفعل الفنان إلا أن ترجم هذا الشعار فنيا، ليكون أمينا على أحلام شعبه وتطلعاته.