لم تترك الثورة السورية شيء في البلد بمنأى عن تأثيرها، إذ وصل الأمر إلى عمق المجتمع ومؤسسات الدولة وكافة الفعاليات، بما في ذلك الرياضة التي وصل إليها الاستقطاب بين أنصار النظام ومعارضيه، حيث رأينا حارس مرمى فريق الكرامة "عبد الباسط الساروت" كيف يقود التظاهرات في البداية، ثم كيف يحمل السلاح لاحقا في سيرورة تحولات تحتاج دراسة متأنية، ما يعكس أن الثورة امتدت إلى الرياضة ومنها "اتحاد الجودو السوري"، و "منتخب سوريا الوطني"، الذين تكاد تكون حكاية لاعبيهم اختصارا مكثفا لما يحصل في سوريا اليوم.
مع بداية الثورة، عمل النظام على دفع كل مؤسسات الدولة لأن تكون صدى لصوته، ساعيا لاستثمار كل ما يمكن استثماره في معركة بقائه. ولأن لاعبي الرياضة (ومنهم الجودو وكرة القدم) يمتازون بقوة بدنية مميزة، أراد النظام استثمارهم و زجهم ضد إخوانهم الثائرين فدفع بقسم منهم للعمل لصالحه، حيث تم "تسليحهم بالعصي والأسلحة البيضاء ببداية المظاهرات عام 2011 من أجل قمع المتظاهرين السلميين، ومن ثم تم تسليحهم بالعتاد الحربي وزجهم بالمعارك بعد تسليح المعارضة.. حتى لاعبات الجودو اعتمد عليهم النظام في قمع الشعب السوري" كما جاء في بيان وجهته "الهيئة العامة للرياضة والشباب" إلى "الاتحاد الدولي للجودو" تلقت حكاية ما انحكت نسخة منه.
عملت الهيئة على توثيق كافة الانتهاكات التي قام بها النظام وبعض لاعبي الجودو المؤيدين له، مبيّنة أن تجنيدهم تم عبر "تلقي أوامر مباشرة من رئيس الاتحاد الرياضي السوري اللواء "موفق جمعة" و رئيس نادي المحافظة بدمشق "محمد السباعي" الذي يتلقى أوامره مباشرة من محافظ المدينة "بشر الصبان"، راصدة بذلك مسار اللاعبين الذين وقفوا إلى جانب النظام في توثيق دقيق، شمل الأسماء و مكان القتال والمصير، كالتالي: "باسل إبراهيم: لاعب منتخب سوريا، قام النظام بإرساله لريف حمص لقتال المعارضة هناك وقتل في مدينة القصير بتاريخ 19.5.2013 خلال المعارك بين الطرفين. إياد زين العابدين: مدرب جودو من محافظة السويداء’ تم تسليحه وإرساله للقتال في محافظة درعا حيث لقي مصرعه هناك......"، لنكون أمام معلومات موثقة، أضيف لها قائمة من 218 رياضي لقوا حتفهم على يد النظام سواء في المعتقل أو عبر "سياسة القتل العشوائي التي يتبعها"، تم توثيقها كالتالي: "أيمن بزماوي: لاعب جودو من محافظة إدلب، بتاريخ 12.8.2012 وبعد قيام قوات النظام السوري باقتحام مدينة أريحا تم إعدامه ميدانياً في ساحة المدينة. أحمد لؤي اللجي: لاعب جودو، اعتقلته قوات النظام في مدينة دمشق بتاريخ 9.11.2012، استشهد تحت التعذيب بتاريخ 15.12.2012....".
وأما السبب الذي يدفعهم للقيام بذلك، فهو سعي الهيئة لسحب التمثيل الرياضي من يد النظام، حيث أرفقوا بيانهم بمجموعة من التجاوزات الإدارية التي تبين أن اتحاد الجودو السوري الحالي غير شرعي، لأنه "تم تعيينه من قبل النظام السوري ولم يتم انتخابه، وقد تم التعيين من خلال مؤتمر مشترك للعبة الجودو ولعبة الريشة الطائرة في قاعة واحدة، وهذا مخالف للديمقراطية واللوائح الأولمبية"، لتطلب الهيئة من الاتحاد الدولي "تحمل مسؤولياتكم كاملة تجاه هذه الانتهاكات، وإلا فإنّ صمتكم سيكون بمثابة الشراكة بالجريمة، كما نطالبكم بمعاقبة اتحاد الجودو السوري التابع للنظام السوري وسحب الشرعية منه، وعدم اعترافكم به"، مقابل الاعتراف "بالرياضيين السوريين الأحرار كممثلين شرعيين للرياضة السورية، والسماح لهم بالمشاركة تحت علم الثورة السورية بالبطولات الدولية".
إذن إنها معركة مفتوحة الأبعاد بين النظام ومعارضيه، حيث يسعى الرياضيون الذين انضموا للثورة إلى تفكيك شرعية النظام في المؤسسات الرياضية الدولية من خلال إثبات مخالفته القوانين الرياضية وقيامه بانتهاكات ضد الإنسانية، ساعين لإيصال صوتهم إلى كافة المؤسسات، ومستغلين أدنى فرصة تتاح لهم لوضع قضيتهم أمام الرأي العام، وهو ما حصل حين استغلت الهيئة زيارة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي "فيدرسون يوك" إلى مدينة "كلس" بتركيا، كممثل عن رئيس الاتحاد الدولي للجودو "ماريوس فيزير" لحضور بطولة سامسون للجودو، ليتم وضعه بصورة الانتهاكات الخطيرة التي قام بها النظام وبعض لاعبي الجودو في سوريا، حيث تم تسليمه "ملف يتضمن كافة الانتهاكات التي قام بها النظام مرفقة بأسماء لاعبي الجودو الذين اعتمد عليهم النظام بالتشبيح .. وقائمة تضمنت أسماء لاعبي الجودو الذين ارتقوا برصاص الأمن السوري"، إضافة لتنظيمهم زيارة للسيد "فيدرسون" ووفد تركي إلى مخيم كلّس للاجئين السوريين, لإطلاعه على واقع المخيم، حيث زار الصالة الرياضية وحضر أحد التدريبات لأطفال المخيم بلعبة الجودو، واعدا بأن يضع ملف الرياضة السورية "على مكتب السيد رئيس الاتحاد الدولي للجودو والتعاون مع الهيئة العامة للرياضة والشباب في سوريا لسحب الاعتراف من اتحاد الجودو السوري التابع للنظام, كما وعد بتوفير المزيد من الدعم بلعبة الجودو لأطفال المخيم" كما قال أحد أعضاء الهيئة لحكاية ما انحكت.
إلى جانب ذلك تعمل الهيئة على تشكيل المؤسسات الرياضية من جديد، حيث أعلنت مؤخرا عن تشكيل المنتخب الرياضي السوري بكرة القدم في مدينة كلّس التركية بإشراف المدرب "مروان منى" و"بشار عابدين" بعد "أخذ الموافقات الرسمية ووضع الترتيبات النهائية لتشكيل المنتخب"، علما أن جهود الهيئة هنا تأتي استكمالا "لجهود أخوتنا بالمنتخب السوري- تجمع لبنان الذين كانوا السباقين بتشكيل نواة المنتخب"، حيث ستوّجه حاليا دعوات لقرابة 30 لاعب سوري في تركيا، على أن توّجه "مستقبلاً للاعبين السوريين المحترفين والمقيمين خارج تركيا فور انتهاء الموسم الكروي" كما يقولون لحكاية ما انحكت.
الهيئة العامة للرياضة والشباب بنضالها هذا تثبت أن ميدان النضال يتعدى ساحات التظاهر، إذ يمكن لأي سوري أن يعمل على تفكيك الاستبداد عبر نزع الشرعية الدولية الممنوحة لمؤسساته أولا، وبناء مؤسسات بديلة حقيقية ثانيا، وبذلك هم يفتحون أفقا جديدا للنضال ضد الدكتاتورية، آملين أن يشكلوا بذلك خطوة في طريق الوصول إلى رياضة حرة لا تستخدمها السلطات وقودا في معاركها.