رياح حرية النقد عند السوريين لم تعد تتوقف عند حد معين. وكأنها كل ما تبقى لهم من ثورتهم في الوقت الذي تبدو فيه سوريا كلها على كف عفريت. نقد لم يعد يقف عند أحداث الثورة وتفاصيلها بل بات يصل إلى المنظمات والمانحين الدوليين من جهة، وكيفية تعاطي منظمات المجتمع المدني السوري مع مطالبهم على عواهنها من جهة ثانية. هذا ما عبّر عنه الإيفنت الذي حمل عنوان "هيك بدو ال donor" الذي أطلق بتاريخ 8 يوليو 2015.

 ظاهرا يبدو الأمر أقرب للتنكيت. إلا أنه في جوهره يسلط الضوء على سلبيات المنظمات المانحة وشروطها، وعلى رضوخ المنظمات السورية لهذه المطالب وتكييف عملها وتغييره وفق رياح "الدونر"، عبر بوستات ساخرة عامة، إلا أنها تصيب بدقة أو تضع النقاط على الحروف كما يقال.

أكثر النقد توّجه في اتجاهين، الأول على المانحين الذين يفرضون شروطا مذلة أو مطالب غريبة لا تتوافق مع بينة المجتمع السوري أو البيئة التي يعملون بها، مثل تصوير الأطفال مع ما يتلقونه من دعم، حيث كتب "رامي رجوب":

في حين سلّط "محمد حريتاني" الضوء على مطالب المانحين الغريبة، إذ كتب:

النقد الثاني، وهو الأكثر تركز على ضياع هوية المجتمع المدني السوري الذي يحوّل ويبدل أجندته وفق ما يريد الممول، فإذا تركزت توجهات الممولين نحو العمل على السلام تبدأ كل المنظمات المهتمة بالسلام وتلك الغير المهتمة تقدم مشاريع حول الأمر، وإن كان الأمر حول العدالة الانتقالية كذلك، بل وصل الأمر حد قيام منظمات مدنية بفتح فروع إغاثة لها حين توجهت أغلب التمويلات نحو الإغاثة، حيث كتبت "سارية أبو نعيم":

الأمر الذي يسلّط الضوء على نوع من الفساد القابع في ذهنية القائمين على هذه المنظمات، وقد عبر أحدهم عن الأمر بسخرية مرة، إذ كتب الحوار التالي:

النقد توّجه أيضا إلى المنظمات السورية التي لا تتلقى تمويلا خارجيا، بل تموّل ذاتها من أعمال خيرية أو من مانحين قد يكون لهم أجندات سياسية، حيث بات هؤلاء من تلقاء أنفسهم يطبقون معايير المنظمات الدولية دون حاجتهم لها أو لأسباب سياسية، مثل قيام منظمات سورية بتصوير الأطفال وهم يحملون السلل الغذائية، حيث أرفق "محمد مكي" صورة لإحدى الطفلات وهي تحمل شعارا لأحد الجهات المانحة، بجانب البوست التالي:

داخل أطياف السخرية التي برع بها الإيفنت، سلّط الضوء على الكثير من القضايا التي تبين تناقضات جوهرية في بنية المجتمع المدني ورؤية المانحين والذهنية العامة السائدة، مثل تحوّل شخص فجأة من التعبير عن المثليين بعبارة "الشاذين" إلى عبارة "المثليين"، أو الموافقة على شروط ومطالب حتى لو تعارضت مع الوطنية السورية مثل القبول بتداول الليرة التركية في الشمال السوري بدلا من الليرة السورية، وهو ما عبّر عنه أحد المانحين بالقول:

البعض ربط بين عمل المانحين والتجسس، إذ كتب "قتيبة باكير آغا": "من ورا ال vetting صارت حكومة ال donor عندها بيانات عن الشعب أكتر من النفوس"، فيما يذكر بسجال جرى سابقا على صفحات الفيسبوك بين السوريين، حول إحدى المنظمات التي اتهمت بالعمالة لجهاز استخبارات ما. بل وصل العقل المؤامراتي حد أن كتب "أحمد شافي بلال" : "مين الدونر يلي عامل هالإيفنت. لأنه حاسس هالإيفنت صاير من مخابرات المعلّم الدونر. ويمكن مو ‫#‏هيك_بده_الdondr بس عم يهز الورد ليشمّه".

السخرية بلغت حدودها القصوى حين كتب أحدهم، أن الدونر يريد تمويل هذا الإيفنيت، طالبا آراء المشاركين بالقبول أو الرفض، في حين علّق أحدهم لحكاية ما انحكت على الإيفنيت بالقول أن أغلب المعلقين هم "منتظرون على أبواب الدونر. وهذا الإيفنت ليس إلا حسدا يزول بمجرد حصولهم على تمويل!"، الأمر الذي يؤكد بطريقة أو بأخرى كل ما جاء في الإيفنت، ما يجعل الكرة اليوم في ملعب منظمات المجتمع المدني السوري التي عليها أن تثبت العكس، من خلال فعلها على الأرض أولا، وتجيير شروط المانحين لصاحبها بدل أن تكون برامجها متبدلة وفق أهوائهم ومطالبهم.