كغيره من الشباب السوري، كانت قضية فلسطين بالنسبة ليوسف البستاني المقيم في مدينة دوما المحاصرة من قبل قوات النظام جزءا أساسيا منه إلى درجة أنه قبل الثورة السورية كان دائم التخيل للمسجد الأقصى، ينتظر زوال إسرائيل وتفككها ليتمكن من تحقيق حلمه الذي أصبح أوسع اليوم، أي "زوال الأسد وزوال إسرائيل ربما، وأغلب الحكام أيضا" كما يقول لحكاية ما انحكت.
يوسف البالغ من العمر الآن الرابعة والعشرين من عمره، كان قبل الثورة دائم الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ويتابع كل عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويشعر "بالفخر أن هناك من يقف أمام هذا العدو المغتصب، فعندما أشاهد سياسي يحاول أن يدافع عن قضيته في أروربا وفي الدول العربية أفتخر به، وأيضا عندما أشاهد شباب وشابات بعمر الورد يقفون أمام الدبابات الإسرائيلية ويقاومون بالحجر أفتخر"، وهي فعلا حالة كان كل شاب يعيشها، فالسوري تقطّر حب فلسطين في دمه بفعل أمرين: خطاب سياسي طاغ طالما تاجر بالقضية فأثر بالشباب السوري من حيث لا يريد النظام، وخطاب ورؤية الأباء الذين نشؤوا في ظل مد قومي عربي كان له أثره الفاعل في تنشئة أبنائهم على حب فلسطين، فـ "قبل الثورة كان والدي يحكي لي الكثير عن السياسة، يحكي لي عن آلام الفلسطينين في سوريا ولبنان والأردن، وفي فلسطين نفسها، أحزن على حالهم "كما يقول يوسف الذي لم يتمكن من متابعة دراسته في كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق بسبب التحاقه بالثورة ومطاردة النظام له، دون أن يشكل الأمر عامل إعاقة له، بل على العكس تمكن من كسر الحصار عبر الالتحاق بالعمل الإعلامي في الغوطة المحاصرة، وهو ممثل لاتحاد تنسيقيات الثورة ويكتب لعدد من المواقع والصحف.
الثورة السورية وضعت السوري في موقع الفلسطيني، إذ "شعرت تماماً بما كان يشعر به الفلسطيني عندما كان الحكام العرب يعتبرونه سلعة رخيصة، ونحن الآن مثل الفلسطينيين قبل 60 عام، هم خذلوا من القريب والغريب ونحن كذلك، هجروا ونحن نهجر اليوم، تكالبت عليهم الدنيا ونحن أيضاً".
وحدة الألم والحزن هي ما يوّحد الغرباء كما قال الشاعر (والغريب للغريب نسيب)، فكيف الأمر مع ذوي القربى، وهذا ما جعل يوسف يقول: "عندي يقين، أننا نحن وفلسطين واحد لأن إسرائيل هي من تحمي الأسد، وهي من تفتت المنطقة. نحن نعلم أنه لولا إسرائيل لما قام النظام بتفتيت سوريا و تمزيقها، فالوطن العربي يدفع الدماء يوميا جراء وجود هذا السرطان: الكيان الصهيوني".
مع بدء الانتفاضة الثالثة في فلسطين، كان نشطاء دوما يتابعون كل شيء بحكم تلهفهم لمعرفة كل ما يحصل حولهم في ظل الحصار الذي تفرضه عليهم آلة الاستبداد الجهنمية، فكانت أحداث فلسطين تذكيرا لهم بحصارهم من جهة، ودافعا لهم للتضامن مع فلسطين من جهة أخرى، وكأن حبهم القديم عاد فجأة، إذ "اقترح علي صديق في اتحاد التنسيقيات أن نقوم بحملة في سوريا نحث من خلالها الجميع على التضامن مع القدس وما يحدث فيها اليوم، وذلك لعدة أسباب أولها أننا نحن طلبنا الحرية والكرامة ونتمناها للجميع، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني، ناهيك عن كوني لا أعترف بالحدود فهذي البلاد اسمها تاريخيا بلاد الشام، ولهذا فلسطين جزء من بلدي".
وهذا ما دفع يوسف لأن يذهب مع رفيقه ويكتب على جدران دوما المهدمة "حرية كرامة، مع القدس، الانتفاضة الثالثة، دوما"، ليتم تصوير الصور وبثها عبر الأنترنت علها تكون محرضا للآخرين، الذين أرادوا أن يقولوا لهم أن الحرية والكرامة حق لكل الشعوب، وأن النضال لأجلها حق مشروع في مستوى أول، وأن فلسطين تبقى لها مكانتها الخاصة في قلب السوري حتى لو كان في أعماق جهنم الحصار في مستوى ثان، وأن نشاطهم هذا يأتي لينتزع القضية الفلسطينية من يد "النظام وحلفائه القذرين الذين تاجروا بالقضية الفلسطينية، ولكن نحن لا نريد أن نتاجر بها، نريد أن نتضامن بصدق بعكس أولئك الطائفيين" في مستوى ثالث.
رغم كل الحصار والموت الذي يحيق بيوسف وأصدقائه المحاصرين في دوما، يحدوهم أمل أن "قضية فلسطين بعد سقوط الأسد ستكون أفضل من قبل"، لأن "حكم الأقليات في لبنان والعراق و سوريا هو طبيعي أن يتحالف مع إسرائيل، فهي أقلية في المنطقة ،وهم يعتبرون قضيتهم مرتبطة مع إسرائيل وليس مع القضية الفلسطين مثلما يعلنون"، كما يقول يوسف.
أن يقوم محاصرون بكتابة شعارات تضامن مع فلسطين في دوما المحاصرة، فهذا يعني أن كل جرائم النظام واستبداده لم تنزع حب فلسطين من قلوبهم، كما لم تتمكن جرائم إسرائيل من محاصرة الفلسطيني وقتله، فهاهو السوري والفلسطيني رغم كل الحصار وآلة الحرب المجنونة، معا في درب واحد.