اكتشاف النفط في الغوطة الشرقية


24 تشرين الأول 2015

لم يترك الحصار للبشر العالقين بين براثنه حرية الاختيار، فأي عمل مهما حمل من مخاطر يكون ممتازا طالما أنه يبعد شبح الجوع، في بلاد ومناطق حاصرها الموت من كل الجهات، من طائرات الموت سماءا إلى حصار الجنود ومعاركهم أرضا، ما دفع الكثير من الشباب لامتهان أعمال خطيرة من جهة، ولكنها تحمل شيئا من الإبداع من جهة أخرى، عبر تجيير الممكن والمتاح لاختراع أفضل ما يمكن في ظروف بالغة السوء، أو ليست الحاجة أم الاختراع؟ هذا ما فعله ابن مدينة حمورية في الغوطة الشرقية "مصعب" ابن الخامسة عشر ربيعا برفقة أخيه الأكبر، حين باتا قادرين على تصنيع الوقود (نفط، كاز، مازوت..) من المواد البلاستيكية القليلة بطبيعة الحال.

لم يكن "مصعب" يتوقع أن يكون يوما حيث هو اليوم، فحين اندلعت الثورة كان يدرس في دمشق، إلا أنه لم يتمكن من إتمام دراسته، بسبب "المشاكل والمعوقات يلي عم تعترضني، فاستقريت عند أهلي بضيعتنا حمورية، والظروف ما سمحتلي كمل دراستي، بسبب إغلاق الطرقات والحصار والقصف اليومي والأمور السيئة" كما يقول لحكاية ما انحكت، واصفا حاله بالقول: "عايش أنا وأهلي، وهنن بخير وضعنا المعيشي ماجيد ولكن ما سيئ، وضعنا عادي عم نكافح لنعيش".

الأمر بدأ حين انتشرت عملية استخراج النفط من البلاستيك بعد حرقه في عدة أماكن في الغوطة الشرقية، كنتيجة لغياب الوقود بسبب الحصار، وسعي الناس للبحث عن مصادر بديلة لتأمينه، فداعبت الفكرة خيال "مصعب" وأخيه الذي يكبره سنا، فتعلما المهنة وبدءا ممارستها، كي تكون مساعدا للعيش، فالأرض التي تزرعها العائلة على مدار العام لا تكاد تسد الرمق.

مصعب من حمورية في الغوطة الشرقية أثناء عمله بتصنيع النفط. المصدر: الإنسان في سورية
مصعب من حمورية في الغوطة الشرقية أثناء عمله بتصنيع النفط. المصدر: الإنسان في سورية

آلية العمل تقوم على تجميع البلاستيك وشراءه ممن يجمعه ويبيعه، ليتم تقطيعه ثم إذابته وصهره كي يتحول إلى مادة شحمية يعاد تسخينها مرة أخرى ليتبخر، ويتم تمريره في الماء بارد ليتحول إلى مادة سائلة، حيث يخرج البنزين أولا، ثم تعاد العملية مرة أخرى ليخرج الكاز، ثم تعاد مرة ثالثة ليخرج المازوت، ويبقى القليل من الشحم الصناعية في نهاية التكرير.

وهكذا تنتج هذه الورشة التي يشرف عليها شخصان على الأقل بين 70 -100 ليتر كل ثماني ساعات عمل، ليتم استهلاك قسم من المنتج وبيع القسم الأخر لمن يطلبه.

 الصعوبات التي تعيق العمل، تتعلق بصعوبة تأمين البلاستيك ومواد الحرق (أخشاب، ملابس تالفة..)، إذ "لا يوجد كميات كبيرة منه، وأغلبها منشتريها من الأولاد يلي بتدور على البلاستيك، أو من بعض الأشخاص يلي بيجيبوهن من البيوت المدمرة" كما يقول مصعب لحكاية ما انحكت، علما أن "انتقاء أنواع جيدة من البلاستيك، بيعطينا وقود جيد".

مصعب ذي الخمسة عشر ربيعا في حمورية المحاصرة. المصدر: الإنسان في سوريا
مصعب ذي الخمسة عشر ربيعا في حمورية المحاصرة. المصدر: الإنسان في سوريا

ثمة مخاطر خلف هذا العمل، أبرزها احتمال "حدوث انفجار الآناة التي تستقر فيها المواد نتيجة الضغط الكبير"، ما يعرض حياة القائمين بهذا العمل للخطر، إلا أن اضطرارهم له وعدم وجود بدائل أخرى يدفعهم للمتابعة، فهناك " إحساس كتير منيح كونوا شخص مثلي عم يشتغل ليفيد الفلاحين والأهالي بمادة الوقود، وبنفس الوقت طالع مصروفي ومصروف البيت".

ليست حاجة الأفراد للعيش والعمل هي ما يدفع باتجاه هذا العمل الخطير، بل أيضا حاجة المحاصرين ككل لإيجاد بدائل عن شح الوقود في الغوطة نتيحة الحصار، فهذه الحاجة تجعل منه مادة ضرورية لاستمرار العيش والأعمال وسط المصاعب التي تعيشها مناطق الحصار، والتي قلّت فيها شروط السلامة إلى أبعد الحدود، فأمام خطر الموت جوعا، والموت المتربص بهم سماءا وقصفا، "يغض" الناس أعينهم مجبرين عن شروط السلامة والأمان المتبعة في أماكن عادية لا حصار فيها، فهم يسابقون الموت لاقتناص لحظة حياة منه ليس إلا.

أنتجت هذه المادة بالتعاون بين "حكاية ما انحكت" و"الإنسان في سورية" و"راديو سوريالي".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد