في الحارات القديمة لمدينة "طرطوس"، حيث المقاهي المليئة بلاعبي "الورق" والعاطلين عن العمل، والذين تمتزج أحاديثهم بصدى الموج، نشأ أعضاء فرقة (مزاج)، وتشكلت ذاكرتهم وذائقتهم الموسيقية، ولعل من الغرابة أن يخرج من تلك البيئة التي يغلب عليها طابع الريف والأغنيات الجبلية عازفو راب، لكن هذه الغرابة تضمحل إذا عرفنا أن هؤلاء الشبان تفتَّح وعيهم المبكر على الرفض، كما أنهم تعلموا العزف وأتقنوا اللغة الإنكليزية، هكذا عشقوا فن "الراب" الذي يخلو من الضوابط ويمنح الحرية لممارسيه، أما نشأتهم في البيئة المحلية لطرطوس فقد سمحت لهم أن يمزجوا أهازيج "الدبكة" بعزف الراب، وبعد كثير من اللقاءات والتجارب الغنائية، شكَّل كلٌ من علاء ومحمد وحازم فرقة "مزاج" عام 2007.
من خلال متابعتهم وتواصلهم مع عازفي راب في العالم العربي، لا سيما في مصر ولبنان (فرقة عكس السير)، طور أعضاء الفرقة أدواتهم لينتهوا إلى إنتاج الأغاني الخاصة بهم، فكانت أغنية "هون طرطوس"، والتي تضمنت نقداً اجتماعياً لاذعاً، كما أنها تُعد علامة فارقة في تاريخ الفرقة بما أحدثته من انتشار فرض احترام كثير من أبناء المدينة لهذا الفن، وذلك إثر تقديمها في مهرجان "صيف طرطوس" الأول عام 2008، إضافة إلى أغنية "نزل الدم" في نفس العام، و"مجتمع بلا عنوان"، عام 2009، مما أتاح للفرقة حضوراً قوياً في مهرجان "صيف طرطوس" الثاني عام 2010.
لم يقتصر تأثير البيئة بالنسبة إلى فناني الفرقة على العزف، بل جسدت أغانيهم تفاصيل المعاناة اليومية بلهجة محكية، مثل أغنية "بهاليومين" ، التي تتحدث عن غلاء المعيشة وقمع الحريات، يقول كاتب كلماتها محمد أبو حجر لـ(حكاية ما انحكت) إن "أعضاء الفرقة قد عانوا من ظروف صعبة للغاية، فهذا الفن غريب عن المجتمع السوري، ويتعامل معه الكثيرون على أنه فن هابط، أو يربطونه بـ(عبدة الشياطين)، وبالشذوذ والملابس الخاصة والغريبة، صحيح أن الكثيرين يستسهلون الراب ويمارسونه نوعاً من التغيير و"الهواية"، إلا أن هذا لا يعني أنه فن سهل أو سطحي، وفي ذات الوقت "لا يتعدى أن يكون نوعاً من أنواع الموسيقا، وليس نمط حياة مثلما يعتقد الكثيرون، لكن ما يميزه عن غيره من الفنون ارتباطه بالنقد الاجتماعي أو السياسي".
على الرغم من ولادة هذا الفن في أميركا خلال السبعينيات رداً على التمييز العنصري، إلا أن ربطه بالسياسة و"التغريب" ليس دقيقاً كما يخبرنا أبو حجر، فهذا الفن قد دخل إلى العالم العربي وأخذ طابع مجتمعاته، وللراب السوري خصوصيته، فهو يناقش مسائل تتعلق بالمجتمعات الشرقية، مثل جريمة الشرف التي لحنت الفرقة بشأنها أغنية "حب"، والتي غُنيت عام 2009 في مهرجان "الرمال الذهبية"، ثم في حفلة (طائر الفينيق) عام 2010.
إضافة إلى الجانب الاجتماعي، امتدت صعوبات عمل الفرقة إلى الرقابة الأمنية، فقد مُنعوا لمرات عدَّة من الغناء في المراكز الثقافية، وبسبب المضايقة المستمرة التي تحولت إلى خطر ومحاولة اعتقال، هاجر محمد أبو حجر عام 2012 إلى إيطاليا، ومنها إلى ألمانيا حيث ما زال يقيم، مما أضاف مشكلة أخرى، وهي المسافات وصعوبة التواصل وتنسيق العمل، كما يقول مغني الفرقة "حازم زغيبة"، مما لم يتح لهم تقديم أية أغنية معاً منذ سنوات، إلا أنهم ما زالوا يتواصلون عبر الإنترنت، وينشرون أغنياتهم في المواقع الإلكترونية.
أتاحت الهجرة كثيراً من الحرية لمحمد أبو حجر، فهو كما يقول لـ(حكاية ما انحكت) يستطيع أن يكتب ويغني ويتواصل مع فرق عزف عالمية، في حين أن انقطاع الكهرباء والإنترنت والتضييق الأمني يزيد من معاناة العازف علاء عودة الذي ما زال يقيم في "طرطوس"، والذي يمارس "الراب" كي "يُنفس" عن غضبه ويعبِّر عن ألمه، فهذا الفن "يتيح لي الكثير من التحرر، ولأنني لا أنتظر شيئاً مقابله، فإنني لا أسعى إلا إلى أن أكون راضياً عن نفسي دون النظر إلى النتائج أو الرضوخ للضوابط".
انعكست الأحداث في سوريا على أعمال الفرقة، فمع ازدياد النزاعات وانتشار العنف أصدرت أغنية "الإشارة مفقودة" عام 2013، ثم "الدفتر" عام 2014، إلى أن كانت أغنية "يسقط الوطن"، وهي رد على جميع مَن تسببوا بهذه الحرب، من النظام والمعارضة والميليشيات المسلحة إلى سارقي ثورة الشعب السوري.
تقوم الفرقة بالتحضير لعدة أغنيات ستُنشر في المستقبل، منها أغنية حوارية بين لاجئ سوري ومواطن ألماني بعنوان up and down "طلوع و نزول"، وذلك بالتعاون مع فرقة باك وود بانش backwood bunch الألمانية، ومن كلمات هذه الأغنية التي خصَّت الفرقة موقع (حكاية ما انحكت) بها: (فيني كم فينيقي سافَر أول مرة عالسفينة) (البحر كان النعش للي شفتن شكُّوا قبلي) (لما نظرة شفقة تكون دواك بتحسا صعبة) (بالآخر لاجئ اسمي لاجئ بلا وطن، خايف من نظرة ابني إذا طال الزمن)، وقد سُجلت الأغنية بين سوريا وإيطاليا وألمانيا.