وجه آخر من الثورة بدأ يتضح بعد الهدنة، وهو الصراع بين النشطاء المدنيين وجبهة النصرة، هذا الصراع كانت له بوادر منذ عام 2015 مع اعتقال إعلاميين في راديو فرش/ كفرنبل من قبل عناصر النصرة، ومن خلال مظاهرة خرجت في معرة النعمان، تشرين الأول/ أكتوبر 2015 ضد انتهاكات التنظيم الإرهابي، وكان من هتافاتها "ثورتنا كانت سلمية يا غصن الزيتون، سرقوها منَّا جماعة الدقون".
من المسلَّم به أن النصرة، فرع القاعدة في سوريا، لم ولن تكون يوماً إلى جانب الشعب السوري في مسيرته المريرة لنيل الحرية والديمقراطية، وما من نقاط يتفق حولها السوريون الأحرار مع من يدَّعون أن النصرة تختلف عن "داعش" في أدبياتها، بدعوى أنها أقل تشدداً وأكثر انفتاحاً، إذ من المسلم به، أنَّ الإسلاميين مهما اختلف توجههم لن تمت أهدافهم إلى الكرامة الإنسانية بصلَة.
لكن ما يلفت الاهتمام اليوم هو مدى تنبه السوريين إلى خطر هذا التنظيم الذي تغلغل منذ عام 2012 في أوساط الثورة السورية، مدَّعياً حماية الثوار من إرهاب بشار الأسد، وإذا عقدنا مقارنة بين الهيكل العام للثورة أواخر عام 2011 وهيكلها اليوم، من حيث كيفية التظاهر، الشعارات، والأعلام، سنستنتج أن الإسلاميين ومنهم النصرة قاموا بما يجب لفضح مشروعهم المتطرف في سوريا، فبعد أن تعاطفت معهم شريحة كبيرة من السوريين، لا سيما من أبناء الأرياف، رافعةً رايتهم في المظاهرات، أو راية الجهاد الإسلامي "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فاجأتنا مظاهرات جمعة الثورة مستمرة، والتي كانت إثر الهدنة السورية، برفع علم الثورة فقط، على الرغم من غزارة المظاهرات "104 نقطة تظاهر"، إلى جانب ذلك، لم يُطلَق أي شعار طائفي أو متشدد، ما خلا تلك الشعارات التي ذُكر فيها اسم "الله"، على سبيل الرجاء لا الدعوة إلى البغضاء. في كل هذا دلالات غير مباشرة على استياء شعبي تجاه من استغل الثورة من الإسلاميين، أما آخر معالم هذا الاستياء فقد تجسدت في مظاهرة انطلقت بمعرة النعمان/إدلب، جمعة الثورة مستمرة، فاقتحمتها "اللجنة الأمنية" التابعة لجبهة النصرة، ثم مزقت علم الثورة، واعتقلت خمسة نشطاء، ليتحول الاستياء إلى نضال علني يهدف لإسقاط النصرة، ضمن ردود فعل تباينت بين المظاهرات والكتابات على مواقع التواصل.
اقتحام واشتباكات
في جمعة تجديد العهد، والتي كانت بتاريخ 11/03/2016، تالية جمعة الثورة مستمرة، انطلقت مظاهرة بمعرة النعمان، كان من بين لافتاتها واحدة كُتبت عليها عبارة تطالب جبهة النصرة بالإفراج عن "حسام هزير" أحد النشطاء الذين اعتقلتهم قبل أسبوع، فما كان من النصرة إلا أن داهمت هذه المظاهرة بالدراجات النارية وحاولت تفريق المتظاهرين، ما جعل قائد المظاهرة يغير هتافه المناهض لبشار الأسد إلى "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، في محاولة لاحتواء الواقعة.
https://www.youtube.com/watch?v=D-_ymP4BMxo
إثر ذلك، قامت النصرة بمداهمة مقرات الفرقة 13، التابعة للجيش الحر في معرة النعمان، في محاولة للسيطرة على المدينة، متَّبعة أسلوب داعش في قضم المدن السورية التي يسيطر عليها الجيش الحر، فالنصرة في إدلب مثل داعش في الرقة، "هم يدخلون كتيبة ورا كتيبة، حتى يسيطروا على المدينة وحدهم، وبعد فترة سنرى سيارات الحسبة والجلد وقطع الرؤس بشوارع ادلب وقراها".، كما يقول ميزر مطر.
أنواع النصرة
لم يكن عامة السوريين فقط مَن تعاطف مع النصرة في بداياتها، بل عدد من المثقفين أيضاً، والذين وجدوا أن التحالف معها ضروري ومؤقت لإسقاط النظام، وهم بذلك قد تناسوا التاريخ الدموي للإسلاميين، الذين من طبعهم أن يتمسكنوا حتى يتمكنوا، ثم يظهروا وجههم الإقصائي (الإخوان المسلمون في مصر نموذجاً)، لذلك ما من تعددية في الأوساط الإسلامية، إذ كلها بالنهاية عدو حرية الشعوب، أما بالنسبة إلى النصرة، إن كان ثمة تعددية في أوساطها فهي كما يلي " نصرة مختصة بمحاربة الجيش الحر وسرقة سلاحه وخصوصاً تلك التي أثخنت جيش النظام وميليشياته، نصرة مختصة بالعروض والأرتال الجرارة التي لا نراها إلا بالمدن المحررة، نصرة مختصة بالهجوم على المظاهرات التي ضد بشار الأسد وتفريقها والدعس على علم الثورة واعتقال الناشطين، القسم الأكبر هم من يقولون نحن وداعش اخوة يعني من جماعة انا وداعش ع النظام وانا وداعش والنظام على الجيش الحر " كما يقول مجاهد الشامي.
كما أن النصرة ليست مجرد تيار سلفي سياسي يمكن استيعابه داخل المجتمع، إذ ثمة فرق "بين تيار سلفي له الحق في التعبير عن نفسه ضمن الاتفاق الوطني العام، وبين الفاشية السلفية التي تتزعمها القاعدة وشبيهاتها والتي أساءت إلى المسلمين قبل غيرهم" كما كتب عماد العبَّار.
الحاضنة الشعبية
الرهان على طرد النصرة من سوريا هو نسبة من يؤيدهم من السوريين، وربما "لا تعادل أي تلك التي تعيشها قيادة تنظيم القاعدة في هذه الأيام، مع انكشاف ضحالة شعبية التنظيم في سوريا ورفض الناس لفكره ومشاريعه وراياته بالرغم من كل الدعاية والبروباغندا التي ضخها التنظيم في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية عن الحرب المقدسة وإبادة "النصيرية" وتطبيق شرع الله وغيرها من الشعارات التي اكتشف الشعب السوري سريعاً أنها لا تختلف بشيء عن شعارات أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، سقطت "القاعدة" وانشقت على نفسها إلى تنظيمات وتحاربت هذه التنظيمات فيما بينها فقط عندما دخلت "القاعدة" سوريا.. وهذا يسجل للسوريين ولثورتها"، حسبما كتب رامي سويد.