لكي يؤمن مصروفه الشخصي، كان نور يعمل بائعاً للورد في مدينة دوما، إلى جانب دراسته في كلية الاقتصاد/ جامعة دمشق، وككافة الشباب كان يرسم مستقبله بعد الجامعة، ومن بين أحلامه أن يسافر إلى بلد آخر ليتابع دراسته، هكذا انكب على محاضرات الجامعة، في سنته الدراسية الأولى عام 2011، وقد كان عمره 17 عاماً.
لا أحد من السوريين لم تغير الثورة حياته، سواء كان ضد أو مع النظام، لا سيما إن كان في مرحلة تأسيس حياته واتخاذ قرارات تتعلق بمستقبله، لكن نور قال لنفسه في بداية الثورة، إنها أشهر وستنتهي بسقوط النظام، ليبدأ السوريون بعدها بإعمار بلادهم حرة ديمقراطية، كان هذا لسان حال أكثر المنخرطين في صفوف المظاهرات السلمية الرامية إلى نيل الحرية والديمقراطية، ومثل كافة السوريين الأحرار، بدأ نور يؤجل مشاريعه الشخصية لصالح الثورة، فبدلاً من أن يبيع الورد، أصبح يهديه إلى المتظاهرين والأهالي كي يضعوه على قبور ضحاياهم، تطورت الأحداث، ودخل السلاح إلى جانب التظاهر السلمي، وتزايد عدد المقتولين برصاص النظام مع منتصف عام 2011، حينها بدأ نور يدرك أن ما يحدث سيضع نقطة النهاية لكل ما خطط أن يكونه في المستقبل، مغيراً حياته بشكل كامل.
يوماً بعد يوم، تطورت الثورة، وبدأ النظام يحولها إلى الحرب، وبأخذ الشبان الذين في جيل نور إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، الأمر الذي دفع نور إلى الاختباء والهرب من مكان إلى آخر، في بيوت أصدقائه ومعارفه، وقد نسي حياته الأولى وكل ما يتعلق بها، مالئاً وقته في تنظيم المظاهرات، وفي العام التالي تحولت الحرب من قمع للمظاهرات إلى حملات اقتحام وتهجير لأهالي دوما. حاول نور أن يهرب إلى بلد آخر، لكنه كان مطلوباً لمخابرات النظام لأنه لم يلتحق بخدمة العلم، كما أن اسمه موضوع في اللائحة السوداء لمشاركته بالمظاهرات السلمية.
اشتدت الحرب في دوما، وخرجت قوات الأسد منها، ثم فرضت عليها حصاراً شبه كامل بدءاً من 25/10/2012، مع قصف بالطيران والصواريخ ومختلف أنواع الأسلحة، مانعاً أي شخص من الدخول أو الخروج، وصار بائع الورد يشم رائحة الموت حيثما توجه، ويرى الصواريخ التي لا تبقي أحداً حياً داخل الأبنية التي تقصفها، فيتساءل عن الوسيلة التي ستقتله، هل هي صاروخ أرض أرض؟، أم برميل متفجر سقط من طائرة؟ لكن أكثر ما أخافه أن يموت تحت الأنقاض ولا يستطيع أحد انتشاله، ولم تكف تلك الخيالات المرعبة عن ملاحقته حتى في نومه، لا سيما المتعلقة باحتمال أن يصبح معاقاً إن فقد يداً أو رجلاً نتيجة القصف، فما إن يسمع صوت الطائرة حتى يتوقف دماغه عن التفكير في أي شيء، سوى التساؤل عن ما إذا كانت المتفجرات التي تحملها من نصيبه أم لا؟.
لم يبقَ نور عاطلاً عن العمل على الرغم من توقف دراسته وتركه مهنة بيع الورد، فقد تعلم التصوير كي ينقل إلى العالم ما يحدث في دوما من مآسٍ، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال والنساء والشيوخ، وما زال يمارس هذه المهنة حتى اليوم.
نور ما زال لديه أمل بالخلاص، مع كل فجائع الحرب التي خصر بسببها أحلامه وما خطط لمستقبله، فالسنوات الخمس الماضية، جعلت قلبه يحمل هموماً أكبر بكثير من عمره، وهو الذي يعيش في دوما المحاصرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لم يعد له أمل اليوم إلا بأن يحلم من جديد.
أنجِزت هذه المادة بالتعاون بين موقع حكاية ما انحكت ومنظمة الإنسان في سوريا، وراديو سوريالي.