لم تجد ح.م، ابنة قرية شيوخ فوقاني، الواقعة شمال حلب، مأوىً لها بعد أن احتل تنظيم داعش القرية في شهر آذار 2014، فقد قام التنظيم بعدد من المجازر بحق المدنيين خلال بحثه عن عناصر الجيش الحر المتواجدين في القرية. هكذا نزحت ح.م ابنة الثمانين عاماً إلى مدينة منبج التي يسيطر عليها داعش منذ عام 2014، شرقي حلب، وأقامت في منزل أخيها هناك.
في حزيران 2015، قامت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تتألف في معظمها من أحزاب ميشيات كردية مدعومة من الولايات المتحدة، بأخذ القرية من داعش، بعد معارك كثيرة ساندتها طائرات قوات التحالف بالقصف، لكن قسد لم تسمح للمهجرين بالعودة إلى بيوتهم، علماً أنّ عدد سكان شيوخ فوقاني كان أربعين ألفاً قبل احتلالها من قبل داعش، وقد هاجر الآلاف منهم إلى القرى والمدن القريبة، فبقيت ح.م في منبج، إلى أن حاصرتها قسد في بداية حزيران 2016، وبدأت محاولات دخولها.
كانت السيدة المسنة في بيت أخيها برفقة بناته الثلاث عندما بدأت الاشتباكات بين داعش وقسد، ويقع البيت في حي الحزاونة، وهو أكثر حي تعرض للقصف والرصاص بين الجانبين، حيث إنه يتوّسط الجهة الجنوبية من منبج، فمَن يسيطر عليه يستطيع السيطرة على هذه الجهة، وفي 08/07/2016، قبل يوم من سيطرة قسد على الحي بشكل كامل، قرّرت ح.م مع باقي النسوة أن يهربن من الحي، فقد أصيب منزلهن بأعيرة نارية خلال قتال الشوارع الذي دار بين كتيبة المهام الخاصة التابعة لوحدات حماية الشعب، إحدى الفصائل العسكرية في "قسد"، وبين عناصر داعش.
بعد أن اجتزن عدة حارات، لم يستطعن إكمال السير بسبب شدة الرصاص، فلجأن إلى إحدى المنازل، لكن ولسوء حظهن، كان المنزل مفخخاً من قبل داعش، وقد قام التنظيم بإعداده فخاً لقوات قسد، دون أن يضعوا قفلاً على الباب، بحيث إن فتحوه ينفجر، فكان الانفجار من نصيب ح.م ومرافقاتها.
قام الأهالي بنقل جثث الضحايا الأربع إلى مشفى الأمل الواقع شمال حي الحزاونة، وهو عبارة عن طابق أرضي يحوي غرفاً صغيرة في إحدى الأبنية السكنية تم تحويله إلى مشفى، ويفتقر الكادر الطبي فيه إلى المعدات الحديثة، لكن ح.م كانت قد فارقت الحياة مع اثنتين من بنات أخيها قبل وصولهن إلى المشفى.
استمرت الاشتباكات لعدة أيام بعد الحادثة، فلم يكن ممكناً أن تُنقل الجثث إلى مقبرة منبج، تم دفنهن في الحديقة الخلفية للمشفى الخالي من برادات حفظ الجثث، والذي وقعت عدة عمليات قصف في محيطه من قبل الطيران الروسي أواخر عام 2015، كما قام تنظيم داعش بقطع يد أحد السوريين بتهمة السرقة تطبيقاً للشريعة الإسلامية في ساحة تقع أمام هذا االمشفى.
منبج تحوي مدافن أثرية تعود إلى العصور البيزنطية تم اكتشافها عام 2007، حيث وُجد أن هذه المقابر تأخذ شكل صليب، وتتألف من ثلاث غرف، في كل غرفة ثلاثة قبور، وكان تعدادها خمس مقابر بمساحة خمسمئة متراً مربعاً، أما سبب المعارك الضارية بين قوات سوريا الديمقراطية وداعش فيعود إلى أن أن منبج تقع بين مدينة الرقة (عاصمة داعش)، والحدود بين سوريا وتركيا، لذلك فإنه يستميت للحفاظ عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الحكاية رواها لـ (حكاية ما انحكت) ناشط من مدينة منبج، مفضلاً عدم ذكر اسمه أو الاسم الصريح للمرأة الضحية.