عندما قبضت المخابرات على حذاء وائل


كان وائل يرتدي حذاءاً بلاستيكياً، "شحاطة"، متخففاً من حَرّ دمشق، وخلال ركضه اكتشف أنه قد أصبح حافياً، إذ لم ينتبه لحظة فَقَدَ شحاطته بسبب الخوف.

13 آب 2016

لم تكن أيام الجُمع في عدة أحياء من دمشق تختلف عنها في باقي المحافظات، فالوقت الذي يلي الخطبة كان مخصصاً للمظاهرات في عدة جوامع دمشقية، حيث ينطلق المتظاهرون من الجامع مستغلّين العدد الكبير من الناس، ويسيرون خارجه هاتفين بإسقاط النظام.

استمرت هذه الحال خلال العامين الأولين من الثورة، 2011، 2012، ومن الأحياء الدمشقية التي انتفض أبناؤها بوجه النظام، حي الشاغور، حيث كانت تخرج مظاهرة أسبوعية من جامع "الباشورة" الذي يتوسط الحي، وفي اليوم الأول من شهر حزيران عام 2012، حيث يبدأ الحر بمداهمة دمشق، قرر الناشط "وائل الشامي"، والذي كان قد شارك في الثورة منذ بدايتها، أن يخرج مع رفاقه في مظاهرة من هذا الجامع.

كان عدد الرفاق الثائرين (وائل وأصدقاءه) خمسة عشر متظاهراً، بينما كان الجامع ممتلئاً بالمصلّين، ما أصاب وائل بالخوف، إذ ماذا لو لم يكن عدد المشاركين كبيراً؟، أو لو تجاهل الناس المظاهرة وبقي وحيداً مع رفاقه؟، لكن ما إن انتهت صلاة الجمعة، وبدأ الناس يخرجون من الجامع حتى انطلقت المظاهرة، كان الهتاف الأول "ليش خايفين؟، الله معنا"، لكي يتجاوب الناس ويزداد عددهم، تلاه هتاف "يا أهل الشام، يا أهل الشام، عنَّا بالشاغور، سقط النظام"، و"سورية سورية، حرية"، بعدها مشى المتظاهرون حتى ساحة "المصلبة" التي تبتعد خمسين متراً إلى الجنوب من الجامع، ثم عادوا باتجاهه، إذ لم يكن ثمة تخطيط ينظم مسير المظاهرة.

في الشارع الممتد بين الجامع والساحة أمضى الناس حوالي ربع ساعة في الذهاب والإياب، لكن مجموعة من عناصر الأمن كانت قد وصلت إلى الساحة، وانتظرت أن يعود المتظاهرون إلى الجامع كي يهاجموهم من الخلف، ولأن وائل ابن الخمسة والعشرين عاماً كان في آخر المظاهرة، ويقوم بتصويرها، فقد كان الصيد الأول المُستهدف من قبل العناصر الذين بدؤوا من خلف المتظاهرين، وعندما أمسك أحدهم بكتف وائل أطلق الأخير ساقيه للريح وركض بكل قوته بمحاذاة المظاهرة متجنباً الاصطدام بالناس.

https://www.youtube.com/watch?v=Br0T4pWGZo4

كان وائل يرتدي حذاءاً بلاستيكياً، "شحاطة"، متخففاً من حَر دمشق، وخلال ركضه اكتشف أنه قد أصبح حافياً، إذ لم ينتبه لحظة فَقَدَ شحاطته بسبب الخوف، لكنه استمر بالركض حتى وصل إلى "طلعة الملجأ" الواقعة في الجهة المقابلة من ساحة "المصلبة"، ثم إلى "الشاغور الجواني" في الجهة الداخلية من سور دمشق، في حين يقع باقي حي الشاغور في الجهة الخارجية منه، كان يلهث وفي يده الكاميرا التي استطاع من خلالها التقاط فيديو للمتظاهرين، "الفيديو المرفق".

طلعة الملجأ، المصدر: عدسة شاب دمشقي، فيسبوك.
طلعة الملجأ، المصدر: عدسة شاب دمشقي، فيسبوك.

في "الشاغور الجواني" صادف وائل رجلاً لاحظ أن الشاب العشريني الخائف والحافي قد كان في مظاهرة، فقدم له حذاءه، والذي كان عبارة عن شحاطة مهترئة، وبهذه الشحاطة عاد وائل إلى البيت.

بين أهله، وبعد أن روى لهم عن ما حدث، قالوا له إنه لا بد من أن شحاطته قد أصبحت بيد المخابرات الآن، وهم يدورون فيها على بيوت دمشق حتى يجدوا من تناسب مقاسه فيعتقلوه، كان هذا مزاحاً منهم، لكنه لم يكن مبالغة، فمخابرات النظام قد تفعل المستحيل لتصل إلى أعدائها من المتظاهرين السلميين.

وائل ما زال يعيش حتى اليوم في دمشق، وما زال يعمل في توثيق الأحداث ونقل شهادات المعتقلين إلى وسائل الإعلام، إضافة إلى عمله في تنظيم المظاهرات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(صورة المقال: لوحة للفنان جابر العظمة، 2012، المصدر: موقع "دولتي")

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد