كان شغوفاً بالموسيقا، وخصوصاً الغيتار، فقبل أن يدخل الجامعة، تعلَّم العزف بمفرده، وبعد تخرجه من كلية الهندسة الزراعية في جامعة اللاذقية، بدأ يدرِّس الغيتار في المركز الثقافي ببانياس لمدة سنتين، لكنه كان مطلوباً للخدمة الإلزامية في جيش النظام، فأجبر على الالتحاق به قبل ستة أشهر من بدء الثورة.
تم فرز الشاب الذي وُلد في قرية "بستان الحمام"، والتي تقع في منطقة جبلية مطلة على البحر بريف بانياس، إلى منطقة القصير شمالي حمص، وكان في فريق المشاة، عُيِّنَ في إحدى النقاط الساخنة المواجهة للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، كانت مهمته أن يطلق النار على أي شيء يراه يتحرك في مرماه، لكنه بدلاً من ذلك كان يرمي في السماء، اعتقد قادته أنه مخبول، فتم نقله إلى مكتب إداري في القطعة العسكرية، وفي تشرين الثاني من ذلك العام كتب على صفحته في فيسبوك "رفيقتي سورية في فرنسا وتشعر بالغربة، أما أنا فسوري في سوريا وتقتلني الغربة".
عام 2012 عاد عامر في إجازة إلى بانياس، وتنقل بينها وبين اللاذقية وجبلة، هناك التقى من جديد بأصدقائه، وفي اللاذقية قام بخطبة فتاة تعمل في الحياكة وتصميم الإكسسوارات، حيث أمضيا أجمل أيامهما بصحبة الأصدقاء، الموسيقا، الغناء وشرب الكحول، فعامر وأصدقاؤه كانوا مجموعة من المحتفين بالحياة، وبقوا كذلك معه حتى بعد وفاته.
رجع إلى قطعته العسكرية، آملاً أن يتحرّر قريباً منها ليتابع حياته معلماً للغيتار ويتزوج، وعندما وقعت مجزرة قرية البيضا في بانياس أول أيار عام 2013، والتي قَتل فيها الشبيحة اثنين وسبعين مدنياً، كان عامر موجوداً في القطعة، فاتصل بأهله وطلب منهم أن يتبرعوا بمبلغ مالي كان قد خبأه في المنزل لعائلات الضحايا، كما أوصاهم أن يوصلوا بعض ملابسه للنازحين من قرية البيضا إلى القرى المجاورة، عامر عُرف بين أصدقائه ومحبيه بأنه شديد الإحساس، محبوب، ومثقف، كثير المطالعة، إضافة إلى إتقانه للغة الفرنسية التي درسها في جامعة اللاذقية.
يقول أيهم سليمان، أحد أقرباء عامر، إنه تحدّث إليه للمرة الأخيرة يوم وفاته في الثاني عشر من أيار 2013، إذ كان ثمة استنفار أمني وقصف يطال القطعة العسكرية كتمهيد عن المعركة الضخمة التي ستدور بعد أيام بين قوات المعارضة من جهة، وحزب الله وجيش النظام من جهة ثانية، تلك المعركة التي انتهت في آخر أيار بدخول الجيش النظامي إلى المدينة مخلفاً خمسمائة ضحية معظمهم من المدنيين. في تلك الليلة طلَب أيهم من عامر أن يهرب، لكن الأخير قال له إنه مطمئن إلى أن شيئاً لن يحدث، وأغلق الهاتف لأنه كان يريد أن يحاول النوم، ثم نام، ولم يستيقظ بسبب القذيفة التي أصابت المكتب الذي يعمل به.
عندما وصل خبر وفاته إلى اللاذقية، توّجه بعض أصحاب المحلات والمقاهي الثقافية إلى بانياس للمشاركة في التشييع، وحين وصلت الجثة، استُقبلت في قرى بانياس ككافة جثث الجنود في الجيش، كان عامر مغطىً بالعلم، حوله جنود وضباط، أدَّوا التحية العسكرية، ثم أنزلوه إلى القبر، مع إطلاق نار كثيف في الجو، وبين أصوات الرصاص، لم يتذكر أحد سوى رفاقه القدامى أنه عازف غيتار، وهم لم ينسوا ذلك مع الوقت، حيث إنهم يجتمعون سنوياً عند قبره ويحتفلون كما كانوا يفعلون في حياته، فيشربون العرق السوري، ويعزفون الموسيقا.
(الصورة الرئيسية: من صفحة عامر سليمان على الفيسبوك، نُشرت بتاريخ 03/10/2012)