نشطاء داريَّا والفوضى في إدلب


ما إن انتقلوا من داريا إلى إدلب، حتى بدأ بعض النشطاء الدارانيين يقارنون بين المدينتين، بين داريا التي ظل كل شيء فيها منظما وهي محاصرة وتتلقى براميل النظام، وبين إدلب التي يأتيها الدعم من كل صوب، ولم تتمكن من تنظيم نفسها؟ فما هي الأسباب؟

13 أيلول 2016

ما إن انتقلوا من داريا إلى إدلب، حتى بدأ بعض النشطاء الدارانيين يقارنون بين المدينتين، فداريا شهدت خلال أربع سنوات من حصارها تنظيماً دقيقاً قام به المجلس المحلي في المدينة، هذا التنظيم جعل المدينة تصمد أمام هجمات جيش النظام، وأمام الفلتان الأمني، وهو ما لم يجِده بعض نشطاء داريا بعد وصولهم إلى إدلب، فقد كتب ابن مدينة داريا الناشط رامي أبو محمد في صفحته على فيسبوك "رغم اتساع المساحة المحرّرة في الشمال وتوّفر المقوّمات، لا توجد إدارة حقيقية للمنطقة، وهذا نقص كبير في الثورة يوّلد خوفاً مما بعد سقوط النظام، أن تمشي في شارع تجد في أوله حاجزاً لفصيل، ثم للثاني ثم للثالث، وترى أن المنطقة تسير على غير نظام، وأن الفصائلية تطغى على المصلحة المحلية، كل ذلك يجعل بعضهم يحكمون علينا أننا لسنا مؤهلين لما بعد الأسد".

مشكلة الإدارة المحلية

"حكاية ما انحكت" تواصل مع رامي أبو محمد لتوضيح نقاط الضعف التي لاحظها في إدلب، فأجاب بأن "الأمر حالياً ليس متوقفاً على النشطاء، بل مرتبط بمدى تعاون الفصائل العسكرية لإنشاء إدارات محلية مدنية بعيدة عن النفوذ العسكري والمحاصصة الفصائلية، لأنّ القوة الحقيقية على الأرض المحررة للفصائل العسكرية وليست للحكومة المؤقتة، ولا بد من وضع وثائق تفاهم بين المجالس المحلية والفصائل العسكرية لتبيين الاختصاصات وتوزيع الصلاحيات".

رامي أبو محمد، داريا، المصدر: صفحته الشخصية، فيسبوك، نُشرت الصورة بتاريخ 29/06/2016.
رامي أبو محمد، داريا، المصدر: صفحته الشخصية، فيسبوك، نُشرت الصورة بتاريخ 29/06/2016.

ولتوضيح هذه النقطة لا بد من ذكر شيء عن التنظيم الإداري في داريا، ففي مكاتب المجلس المحلي، حتى بعد أن دخلت الثورة فيها مرحلة التسليح للدفاع عن المظاهرات، بقيت المؤسسات الأمنية والقضائية منفصلة عن كتائب الجيش الحر، لكن هذا الجيش كان محكوماً من قبل إدارة مدنية، حيث ينقسم المجلس المحلي إلى ثلاثة مستويات، المكتب التنفيذي، ويضم رئيس المجلس ونائبه وأعضاء من المكاتب المدنية والعسكرية، الهيئة التشريعية، وتقوم بدور رقابي على عمل كافة أعضاء المجلس بمن فيهم الرئيس، والهيئة العامة التي تضم جميع العاملين في المكتب التنفيذي، ويتم انتخابهم بشكل دوري من قبل العاملين في المجلس المحلي.

لكن ما يراه نشطاء داريا من فوضى في إدلب تحكمه طبيعة المدينة أيضاً، فداريا لم تدخلها عناصر أجنبية ولم يستلم نشطاؤها دعماً مكثفاً من الخارج، كما كان للطبيعة الجغرافية دور في ذلك، فإدلب محافظة ضخمة مليئة بالقرى والمدن الصغيرة، ومحاطة بألوية عسكرية شديدة التنوع، من "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" الكردية، إلى "جند الشام" و"أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، هذه الفصائل جميعاً متناحرة في ما بينها، وفيها مقاتلون غير سوريين، كما أن لها مشروع إقامة الدولة الإسلامية التي لا يتطابق شكلها مع ما تطمح إليه الثورة السورية.

يعلق الناشط "سامي القرجي" من مدينة "كفرنبل" في محافظة إدلب لـ (حكاية ما انحكت) على ما كتبه رامي أبو محمد بقوله "هناك تناقض كبير في الفكرة، فالمجالس المحلية إدارة مدنية للمناطق المحرّرة ولا دخل لها بتوّحد الفصائل العسكرية، فكل قرية صغيرة في إدلب وريفها تملك مجلساً محلياً يدير البلدة مدنياً، ولديه قواعد بيانات قريته ويدير عدة مشاريع تفيد المجتمع المدني، وجميع هذه المجالس المحلية مرتبطة بمجلس محلي واحد اسمه مجلس المحافظة".

سامي القرجي، المصدر: صفحته الشخصية في فيسبوك، نُشرت الصورة بتاريخ: 06/10/2015.
سامي القرجي، المصدر: صفحته الشخصية في فيسبوك، نُشرت الصورة بتاريخ: 06/10/2015.

انفصال المجالس المحلية التي تمثل الحياة المدنية عن الفصائل العسكرية أمر طبيعي برأي سامي، أما بالنسبة للظاهرة التي تكلم عنها رامي أبو محمد فيرد عليها سامي بقوله "هو صراع القوة وإظهار عضلات على الشعب من قبل الفصائل العسكرية، فلكي يُظهر كل فصيل قوته أمام المدنيين والداعمين قام بإنشاء حواجز لا فائدة عملية منها إلا إزعاج المواطن وعرقلة طريقه، وبعض الفصائل دعمت إيصال اسمها لأكبر قدر ممكن من المواطنين عن طريق كتابة اسمهم على جميع الجدران، وبعثرة هذه الفصائل وعدم تنظيمها هو وجع الثورة فلو تنظمت لتمّ حل القضية السورية، أما سبب هذه البعثرة فهو داعمو الفصائل"، ويضيف "ليس هناك سحر في حروف اسم داريا ولم يهرب أبناؤها من سيناريو فيلم ويأتوا الينا، كل ما في الأمر أن داريا لم تعبث بها أيادي الداعمين، ولم يحرضوا فصيلاً على آخر"، إلا أنه يبقى السؤال: لماذا تمكن الداعمون من اللعب في إدلب وإيجاد مواطئ قدم لأجنداتهم على حساب الثورة، فيما لم يتمكنوا من فعل ذلك في داريا؟ وهل عزلة داريا الجغرافية وحدها السبب أم أن للأمر علاقة بالإدارة الجيدة وطريق صرف التمويل؟

(الصورة الرئيسية: عبارة كتبت على جدران مدينة سراقب من قبل مجموعة حيطان سراقب. المصدر: الصفحة الرسمية لحيطان سراقب على الفيسبوك)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد