مهوش شيخي: هل الرجال يتمتعون بالحرية العميقة؟


24 آذار 2017

مهوش شيخي من مدينة القامشلي مواليد 1966 مهندسة كهربائية وناشطة مدنية، عضوة مؤسسة لـ جمعية شاوشكا للمرأة التي كانت من أوائل الجمعيات التي تأسّست بعد الحراك الثوري في سورية، وكان ذلك في 2012 وما زالت مستمرّة حتى الآن. هذه الجمعية اهتمت بتمكين المرأة فكرياً واقتصاديًا وسياسياً، وأسّست صالوناً أدبياً مهماً في مدينة القامشلي، وتحوّلت لحالة ثقافية راقية وحيوية، وهي مقيمة حالياً في ألمانيا.

أجرى الحوار: فريق حكاية ما انحكت

(1): ماهي أهم الإنجازات التي حقّقتها الإدارة الذاتية في مجال حقوق المرأة منذ 2012؟

نظرياً وحسب القوانين والمبادئ العامة التي أصدرتها الإدارة الذاتية هي إنجازات كبيرة، ربّما كناشطات في المجال النسوي كنّا ننادي بها دون أن نكون متأملات كثيراً بتحقيقها، بخلاف القانون الوضعي السوري، وخاصة قانون الأحوال الشخصية المستمّد من الشريعة الإسلامية والفقه الحنفي ومصادر إسلامية أخرى، فما أقرّته الإدارة الذاتية يرتقي إلى مستوى القوانين في الدول المتقدّمة في مجال حقوق المرأة، فقد منعت الزواج بدون رضا الفتاة وألغت المهر الذي كان يخوّل الرجل من خلاله باستملاك الفتاة، وحلّ محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية ومنع تعدّد الزوجات وتنظيم صكوك الزواج مدنياً، والكثير من النقاط الأخرى التي وقفت إلى جانب المرأة.

أمّا المبدأ الأهم الذي التزمت به الإدارة الذاتية هو مبدأ الإدارة التشاركية في كافة المؤسسات، وقد جرى تطبيق هذا المبدأ بحذافيره، وهو مبدأ مطبّق في بنية حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، وربما مستمّد من الفكر الأوجلاني، حتى الحاكمية للمقاطعات تشاركية ولا تخلو مؤسسة من هذه التشاركية.

ولكن، على أرض الواقع تختلف الأمور، فحزب الاتحاد الديمقراطي استطاع، والحق يقال، إيقاظ الفئات المهمّشة في المنطقة ولا سيما النساء وزجهم في الحياة العسكرية والسياسية، ولكن هذا التغيير لم يأتي طبيعياً، وإنّما قسريا ولم يترافق مع تنمية شخصية المرأة كإنسان مستقل له متطلباته وله كامل الحقوق والواجبات، ولم يأتي هذا التغيير نتيجة لتغيير المنظومة الاجتماعية الاقتصادية، وإنّما بقرار حزبي فوقي لأدلجة جموع النساء الغفيرة وزجها في صفوفهم ونجحت إلى حدّ كبير في ذلك لأنّ السيطرة على الفئات المقهورة والمستلبة أيسر من الفئات الأخرى.

البنية الاجتماعية الاقتصادية لم تتغيّر في المجتمع، ولم تتحقّق أيّ من الديمقراطية أو التنمية الاقتصادية ولم تتوّفر الظروف المناسبة للعيش الكريم، ومع ذلك أقرّت هذه القوانين الكبيرة التي تجاوزت سوية المجتمع الذي كان يبدو منفتحاً شكلياً، ولكنه في الجوهر كان أكثر المجتمعات قهراً، لأنّه كان يعاني درجات مختلفة من القهر (القهر الطبقي والقومي والنساء كانت تعاني القهر الجندري أيضا)، وبإقرار هذه القوانين حصل ارتباك لدى العائلات ونشأت قلاقل ليست صغيرة، ولكن أيّ موضوع اجتماعي أو سياسي جديد لا بدّ في البداية أن يلاقي ارتباكات وصعوبات. كثر من قالوا أنّ هذه القوانين قد فكّكت العائلة وشجّعت النساء على التمرّد، ربّما ساهمت هذه القوانين بتقوية شوكة النساء، ولكن يجب أن لا ننسى أنّ الحرب الدائرة هي التي أربكت العائلة أيضا، وفكّكت وشرّدت، وباقي المناطق السورية تشهد على ذلك. إذاً وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق سياسياً مع هذه المنظومة، نجد أنّها أنجزت نظرياً الكثير من ناحية حقوق المرأة.

(2): كيف تقيمين تشريع الزواج المدني وتأثيره على المجتمع في تلك المناطق؟

أعتقد أنّ تشريع الزواج المدني من أحد أهم التشريعات الثورية التي أقرّتها الإدارة الذاتية، وبالنسبة للناشطات في المجال النسوي كان حلماً بعيد المنال لصعوبة تحقيقه وتقبّله بيسر على الأرض، ولكن نتيجة حالة الاعتدال الديني القائمة في المنطقة، وأيضا التنوّع الإثني والديني لم يقابل بالرفض، ولكنه بنفس الوقت بقي أسير الأوراق والمكاتب وقد سجلت بعض حالات زواج مدني لنخبة خاصة وللإعلام ليس إلا.

(3): هل قلّت نسبة الاعتداءات على النساء (وجرائم "الشرف") بعد تشريع القوانين الخاصة بحماية المرأة من قبل السلطات المحلية؟

نعم قلّت نسبة الاعتداءات التي كانت تحدث بحق النساء تحت ذريعة ضعفها ونقصها، ربّما العنف صار أكبر نتيجة الأوضاع الخاصة التي تمرّ بها المنطقة من حرب شعواء وهو عنف طال المجتمع ككل، ولكن الاعتداءات على النساء قد خفّت كثيراً نتيجة تزايد الوعي العام لدى الناس، وأيضاً الدعم الكبير الذي تلّقته النساء من الإدارة الذاتية، ولديّ أرقام من عدد المراجعات لدواوين العدالة الاجتماعية التابعة للإدارة الذاتية بخصوص الاعتداءات بين عامي 2015 و2016 استقبلت دواوين العدالة الاجتماعية 1032 شكوى متعلقة بالمرأة والعنف الممارس عليها وشملت الشكاوي تعدّد الزوجات، تحرش، زواج قاصر، اغتصاب، حيار، ميراث (رغم أنها من القضايا الحساسة  في منطقتنا )، الخ.

 

(4): هل لاحظت أيّ تغيير في الوعي الاجتماعي بما يتعلّق بحقوق المرأة نتيجة لسياسات حزب الاتحاد الديموقراطي؟

عندما بدأ الحراك في سوريا كانت النساء مشاركات بزخم في الحراك والمظاهرات، وكانت المنظمات المدنية النسائية من أوائل المنظمات التي تشكّلت، وكنّا نلاحظ الحضور الكبير للمرأة في الحياة السياسية وتتابعت الأحداث وسيطر الاتحاد الديمقراطي على الوضع وسنّت الإدارة الذاتية القوانين العامة الخاصة بالمرأة، كلّ ذلك أدى فعلياً إلى تغيير الوعي الاجتماعي وتقدّمه عند المرأة من ناحية حقوقها ومشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والعسكرية.

 

(5): كيف تقيمين عمل المنظمات النسائية التي تسيطر منظومة حزب الاتحاد الديموقراطي عليها مثل "ستار"؟ ما هي طبيعة علاقاتها مع الجمعيات والمنظمات النسائية الأخرى؟

أما عن المنظمات المنضوية تحت جناح الإدارة الذاتية مثل ستار، نتيجة للتعداد الكبير  للمرأة ضمن الحزب والإدارة لم نستطيع أن نفصل بين عمل هذه المنظمات والحزب نفسه، وبشكل شخصي لم أكن معجبة بما تفعله هذه المنظمات لأنّها كانت بوقًا نسائياً للحزب ليس إلا، ولم تعطي لنفسها أيّ خصوصية تميّزها عن كيان الحزب، وأما علاقتها مع المنظمات الأخرى لم تكن علاقة موائمة، في البداية سعوا للتواصل مع المنظمات الأخرى، ولكن بعد أن اشتدّ عودهم لم يعودا يهتموا كثيراً بالمنظمات الأخرى وحاولوا السيطرة عليها وتوجيهها كما يريدون.

(6): هل عزّز بروز هذه المنظمات الثقة بالنفس لدى النساء وشجعهنّ على رفع الدعاوى على المنتهكين لحقوقهن؟ كيف تختلف هذه المنظمات عن المنظمات النسائية التي أُنشأت تحت حكم البعث؟

ليست بروز هذه المنظمات هي التي عزّزت الثقة لدى النساء، وإنما مجمل الظروف التي أحيطت بالنساء أجبرتهم على أن يقووا، ظروف الحروب بالأساس تدفع الناس للكفاح والمقاومة من أجل البقاء، والإدارة الذاتية ومجمل ما أنجزته لصالح المرأة أيضاً، عزّزت الثقة وقوّت من شوكتها لدرجة بالغت بعض النماذج في تمرّدها، وخاصة بعد تأسيس ما يسمّى ببيت المرأة والمغالاة في إقناع المرأة بحريتها.

أما المنظمات التي أنشئت في عهد البعث كان لها طابعاً قومياً عربياً، ونتيجة تواجد اثنيات مختلفة، ولاسيما الغالبية الكردية كان هناك اغتراب كبير بين هذه المنظمات البعثية والنساء في هذه المنطقة (الجزيرة)، وكانت مكاتبها عبارة عن مجالس نسائية لمجاميع لا تفقهن بحقوق المرأة حتى ولا يدركن ماهي منظمة مجتمع مدني تدافع عن النساء، ولكنها كانت أيضا بوقاً للبعث، أما المنظمات النسائية التابعة للإدارة الذاتية فإنّها أقرب للنساء في المنطقة في الواقع، وأصلاً يسجّل لصالح هذه المنظومة إنجازا كبيراً، وهو الاهتمام بالمهّمشات أكثر ولكنها أيضا منظمات حزبية مؤدلجة ضمن إطار العقل الشمولي.

(7): هل تتفقين مع المحللين الذين يعتبرون "روجآفا" التجربة الوحيدة التي أعطت الأولوية لحقوق المرأة وتمكينها السياسي والمجتمعي منذ اندلاع الثورة السورية؟ وإذا توافقين معهم، كيف تختلف تجربة "روج آفا" عن التجارب الثورية في بقية المناطق السورية؟ وما هي العوائق التي منعت تمكين المرأة في هذه المناطق؟ هل تعود إلى العادات والتقاليد أو إلى الطابع الاسلاموي الذي تتميّز معظم القوى العسكرية المعارضة بها في الوقت الحاضر؟

نعم أعتبر تجربة روج آفا تجربة مختلفة ومميّزة عن غيرها بباقي المناطق في سوريا، سواء المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام أو المناطق التي "تحرّرت"، خاصة من ناحية  إقرار القوانين الخاصة بالمرأة، علماً أنّ تمكين المرأة عسكرياً وسياسياً لا يعني تمكينها كاملاً لأنّ التمكين بالنسبة للشعوب كما للأفراد تتعلّق بالتمكين الاقتصادي، وأيضا الاجتماعي وإحلال الديمقراطية، لا أعتقد أنّنا نستطيع الإشادة بهذه التجربة أو نقدها، وخاصة أنّنا في فترة حرب، وعادة يتم التقييم لأيّ تجربة في حالات الاستقرار أكثر. ولكن تبقى تجربة روجآفا أفضل بكثير من المناطق الأخرى، ولاسيما التي سيطرت عليها الفصائل الاسلامية التي أساءت أكثر لوضع النساء في الوقت الذي كانت المنظمات النسوية تدعو إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية بالدستور السوري وتطويره، وجدنا أنّه في بعض المناطق فصلت مدارس الإناث عن الذكور وأعيدت المرأة بالقوة إلى الحظيرة المنزلية وسبيت النساء من جديد كما في عهود الجاهلية ورجمت، وأما الحجاب أصبح هوية رسمية للمرأة وهذه الممارسات أحبطتنا كنساء، ولن أخفي سراً حتى في المناطق التي كنّا نعتبرها الأكثر اتقادا كثورة وحلم (داريا)، روّت لي إحدى الصديقات المحجبات المتحمسات للثورة أنّها بظروف قاهرة دخلت داريا للإغاثة ولم تكن داعش ولاجبهة النصرة فيها وإنما الجيش الحر الذي راهنّا عليه، في البداية أوقفوها وحاسبوها لأنّها دخلت بدون محرم وهي سيدة بالغة تحمل شهادة جامعية وتتمتع بشخصية اعتبارية هامة، وهي سيدة ملتزمة دينياً، في مقارنة بسيطة بين هذه الحالة وما تقدّمه الإدارة الذاتية للمرأة أجد أنّ التجربة بروج آفا ناصعة، وكلّما غالت الأطراف الإسلاموية بالتطرّف تجاه المرأة كانت ردة الفعل بروج آفا دعمها أكثر.

(8): ما رأيك في وحدات حماية المرأة؟ هل هي جزء من مشروع تمكين المرأة من خلال انخراطها في الفصائل العسكرية؟

من وجهة نظري الشخصية أعتبر السلاح مدمّر للإنسان، سواء كان حامله رجلاً أو امرأة، والحرب لا تبني الإنسان وإنما تحطمه ولكن عندما تصل المرأة إلى مرحلة حمل السلاح مع الرجل وتواجه أعتى أنواع الهمج عبر التاريخ لا أعتقد أن أحداً يستطيع لاحقا إرجاعها إلى المنزل/ الحظيرة. ولكنها ستحتاج كما الرجل إلى تأهيل وخضوع لبرامج مناسبة للخوض في الحياة الطبيعية وبنائها بشكل سليم.

(9): يرى البعض أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يهيمن على المنطقة، هو نوع من "حزب بعث آخر" ما يطرح فكرة إلى أيّ حد يمكن العمل في مناخ استبدادي وإلى أيّ حد يسمح الأمر بعمل حر لحقوق النساء، خاصة أنّ البعض يقول أنّ حقوق المرأة هنا هي كحقوق المرأة في ظلّ الاستبداد، أي مجرّد شعار مرفوع لكسب ود الغرب أي حرية شكلية وليست حرية عميقة؟

نعم، حزب الاتحاد الديمقراطي حزب عقائدي شمولي لا يقبل الآخر المختلف عنه أيديولوجياً  والمنظمات النسائية المنضوية تحت ظلّه منظمات حزبية تمشي بنفس النهج والمسير، وضمن هذه البيئة لا يمكن إنتاج الإنسان الحر السوي، ولكن السؤال الذي نطرحه بشكل متكرّر هو: هل كانت النساء أفضل حالا قبل أن يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي على مقاليد الأمور بالمنطقة؟

لا أعتقد أنّ النساء كانت أفضل حالاً وجاءت هذه المنظومة وأعادتهم إلى القيود، النخبة الناشطة المثقفة ليست نموذجاً، وإنما أتحدث عن جموع النساء التي كانت مقتنعة بدونيتها ودرجتها المتأخرة وقصورها العقلي والحياتي، وتعاني كافة أنواع الاستلابات الحياتية مادياً ومعنوياً، الذي يسجل لهذه المنظومة أنّها على الأقل أخرجت هذه الجموع من منازلها إلى الساحات والشوارع، وقالت لهم أنتم هنا مثلكم مثل الرجال ولستم بأقل منهم، نعلم تماماً أنّ النساء لا تتمتع بالحرية العميقة، ولكن: هل الرجال يتمتعون بالحرية العميقة؟ وأين هي هذه الحرية العميقة التي نتكلم عنها حتى بالمجتمعات الأكثر مدنية منّا؟ لا توجد حرية عميقة، فما بالك بمجتمعاتنا المقهورة منذ آلاف السنين وتبتلي يوماً بعد آخر بشتى أنواع التسلّط ومازالت. أكرّر مرة ثانية نعم حزب الاتحاد الديمقراطي حزب استبدادي لا يقبل الآخر المختلف عنه، ولكن يبقى أنّه أنجز المرحلة الأولى من مراحل تحرير المرأة، وربّما غير منصف أن نحكم على التجربة بهذه السرعة وما زالت طبول الحرب تقرع والدم المجاني مراق والدمار شامل وهائل، قد يكون ترفاً الكلام عن الحريات الفعلية أمام غياب الحياة أصلا في سورية.

(الصورة الرئيسية: لوغو منظمة شاوشكا. المصدر: الصفحة الرسمية للمنظمة على الفيسبوك، والصورة تستخدم وفق سياسة الاستخدام العادل والحقوق محفوظة للمنظمة)

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد