حين قرّر النحات والفنان عاصم الباشا (الشامي الأخير في غرناطة) العودة إلى سورية (يبرود) بعد منفى اختياري طويل، لم يكن يدرك أنّه في "رحلة إلى الجرح"، ذلك الجرح الذي يولّد التاريخ ويتفاعل معه، على أكثر من صعيد، فنحن إزاء تاريخ فيه من المفارقة أن يكون الغائب عن وطنه لمدة عقود شاهدا على لحظة قيامة سورية التي لم تغادر قيامتها بعد بكل ما في ذلك من ألم ومخاض وأمل لا يزال مفتوحا رغم كل اليأس، وفيه (التاريخ) من الشخصي أن يعتقل مع أخيه "نمير الباشا" الذي استشهد لاحقا تحت التعذيب، فيما خرج "العاصم" ليروي الرواية/ الشهادة، التي لا تتوقف هنا، إذ يتحول الفنان إلى "حفار قبور" لا للبشر، ولكن لأعز ما يملك، أي منحوتاته التي اضطر لدفنها قبل أن يغادر سورياه نحو المنفى مرّة أخرى، علها (المنحوتات) تنجو من السرقة والموت تحت قصف لم يرحم البشر حتى يرحم الحجر، فيما الأمل لم يزل يداعب النحات بأن "يشكر" يوما السارق الذي "حذف من عمره (الباشا) أربعين سنة".!