على الرغم من حداثة نشأتها ونقص الخبرات وغياب الدعم المالي، تأسّست في المناطق الكردية (شمال شرق سوريا) العشرات من المنظمات النسائية، بهدف تفعيل حراك نسوي غاب لعقود طويلة.
وقد أصدرت الإدارة الذاتية العديد من القوانين الخاصة بحقوق المرأة، شبيهة بتلك القوانين المدنية المعمول بها في دول أوروبية؛ إلا أنّ هذه الإجراءات قسّمت الشارع الكردي بين مؤيدٍ ومعارض، وسادت حالة من الجدل والخلاف حول أهميتها في مجتمع يتسم بطابع محافظ من جهة، وبصعوبة نشر ثقافة الوعي الاجتماعي بحقوق المرأة والمساواة مع الرجال من جهة ثانية.
يُعتبر البعض من هذه المنظمات النسائية مسيّسة ومقرّبة من أحزاب سياسية مثل "منظمة مؤتمر ستار" التي سخرت كلّ جهودها وحراكها النسوي في خدمة منظومة الإدارة الذاتية، في حين اقتصر عمل منظمات مستقلة كـ "اللجنة الكردية للدفاع عن المُعنفات" على عقد الندوات والجلسات الحوارية، في مسعى لدفع المجتمع والسلطات إلى توفير الحماية للنساء المُعنّفات اللواتي انتهكتْ حقوقهنّ.
منظمات توعوية
تعتمد منظمة "سارا لمناهضة العنف" والتي تعمل منذ شهر تموز /يوليو 2013، في مرجعية عملها على المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة، وتجمع الإحصاءات والبيانات الخاصة بالانتهاكات والخروقات التي تطال المرأة وحقوقها.
وعن منهجية عملها، قالت عضوة مجلس إدارتها، سامية أحمد، لموقع حكاية ما انحكت: "نعمل على مناصرة ضحايا العنف عبر توعيتها بحقوقها ورفع سويتها الفكرية، من خلال المحاضرات واللقاءات وتسليط الضوء على الانتهاكات".
وفي مسعىً لإيجاد آلية تغيير لبعض العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع الكردي، تحالفت ثلاثة منظمات نسائية كردية مع إذاعة محلية، في 4 من شهر آذار /مارس الماضي، وأعلنت عن تأسيس "اللجنة الكردية للدفاع عن المُعنفات".
كلاويش كامل، وهي عضوة مؤسسة بـ "اللجنة "الكردية للدفاع عن المُعنفات"، شرحت أنّ الخطوة جاءت لتوحيد جهود المنظمات المهتمة بقضايا المرأة، ورفع الغبن عن المعنّفات بما يضمن تأثيراً أكبر في اتجاه حلّ هذه القضية، وتوفير أرضية لتطوير آليات الدفاع والنضال لأجل المرأة وحقوقها.
وفي حديث مع موقع، حكاية ما انحكت، قالت كلاويش أنهنّ يعملن "بأساليب عصرية حديثة من شأنها توعية المرأة المعنّفة بكيفية مواجهة العنف وردع المعنّف، ودفع المجتمع والسلطات في توفير الحماية للنساء المعنفات".
تبعية سياسية
تعمل منظمة "مؤتمر ستار" منذ سنة 2005 بشكل غير مستقل كونها مقرّبة من حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)؛ ونظراً لكثرة عدد المنتسبات إليها، قرّرت عضواتها في مؤتمرهنّ السادس المنعقد بشهر شباط /فبراير سنة 2016، استبدال برنامجهنّ الداخلي ليتحوّل من اتحاد نسائي استمر لعشر سنوات، إلى تنظيم سياسي ينشط في المناطق الكردية، حيث باتت أبرز حركة نسوية تضم جميع التنظيمات والشخصيات النسائية العاملة مع الإدارة الذاتية، وحركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) وحزب الاتحاد الديمقراطي.
ولدى حديثها مع حكاية ما انحكت، أفادت أفين سويد الناطقة الرسمية باسم "ستار"، أنّ منهجية عملها تعتمد على تنظيم النساء وتدريبهنّ، وتعزو السبب إلى: "بناء مجتمع ديمقراطي حر يؤمن بأنّ حرية المرأة مبدأ أساسي لحرية المجتمع"، وأشارت أنّ التنظيم أخذ على عاتقه الدور الطليعي لقيادة الحركات النسائية، وتتاعب قائلة: "إيماناً منه بأنّ ثورة روج أفا ستبقى غير مكتملة ما لم تحصل المرأة على مكانتها في المجتمع".
واعتبرت سويد أنّ "ستار" جاءت بناءً على حاجة النساء الكرديات لتنظيم يؤمن بفلسفة وتحرّر المرأة، وافتتحت مشاريع تعاونية إنتاجية، لرفع السوية الاقتصادية للمرأة في المجتمع، وأشارت أنّ: "المؤتمر شكّل مجموعات نسوية مهمتها التدرب على السلاح والقيام بحراسة مناطقها، دعماً لمقاومات وحدات حماية المرأة التي تحارب الإرهاب في الخنادق".
لكن الباحثة والناشطة الحقوقية، الدكتورة ميديا محمود، كان لها رأياً آخر، وفي حديثها لموقع حكاية ما انحكت، قالت أنّ "هذه المنظمات فشلت في خلق حراك نسوي"، وأخبرت أنّ: "استمرار أيّ عمل يحتاج إلى تمويل ثابت وهو ما لا تصل إليه أي منظمة إلا التابعة للكتل السياسية".
وترى محمود، أنّ السبب الأهم لفشل عملها هو استلاب المجتمع المدني عموماً والتنظيمات النسائية خاصةً من قبل الجماعة السياسية، وشدّدت أنّ حقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان، وعلّقت: "فمن ينتهك حقوق الإنسان عامة لا يمكن أن يصون حقوق المرأة، ومن لا يؤمن بالتعددية، لا يمكن أن ينظر بعين الاعتبار إلى تنظيمات لا تتبعه إيديولوجيا"، في إشارة منها الى انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية.
ولفتت ميديا النظر إلى أنّ التدخلات الحزبية لعبت أدواراً شديدة السلبية في تشكيلها، وعلّقت قائلة: "لا أستطيع استيعاب أن تكون منظمة نسوية تابعة لحزب سياسي! لا يجوز أدلجة أو تسييس واقع المرأة في المجتمع".
العبرة في توعية المجتمع
بعد إعلان الإدارة الذاتية في شمال سوريا بداية العام 2014، أصدرت ميثاق العقد الاجتماعي (دستور الإدارة)، ونصت المادة (28) أنّ "للمرأة الحق في تنظيم نفسها، وإزالة كلّ أشكال التفرقة على أساس الجنس"، كما أقرّت القوانين الخاصة بالمرأة للإدارة الذاتية في مادتها الرابعة: "الالـتـزام بمبــدأ الإدارة التشـاركيـة في كـافــة المؤسســـات".
وذكرت أفين سويد أنّ "مؤتمر ستار" شكل لوبي مع المنظمات النسوية الأخرى، وتمكنت من خلال الضغط على الرأي العام لتطبيق قرار الرئاسة المشتركة بين الرجل والمرأة في جميع مراكز القرار من أدنى الهيئات إلى أعلاها.
وتابعت كلامها لتقول: "نجحنا في تطبيق قرار المناصفة بين الجنسين وباتت نسبة النساء 50% إلى جانب الإقرار بحقوق المرأة في الأحوال المدنية والشخصية"، ولفتت أنّ النضال في هذا المضمار "كان صعباً لكنه مازال مستمراً رغم صعوباته".
أما الدكتورة ميديا محمود، اعتبرت أنّ وجود النساء مناصفة في جميع المناصب "نقطة ايجابية تحتسب للإدارة الذاتية"، لكنّها شدّدت أنّ ثقافة التوعوية الاجتماعية يجب أن تلازم عملية سن القوانين وقالت: "بلورة الحقوق وضمانها في القوانين أمر مهم، لكن العبرة في وعي المجتمع وتقبّله للقوانين".
أما كلاويش كامل، من "اللجنة الكردية للدفاع عن المعنفات" كشفت أنّهم أطلقوا مشاريع توعوية لتثقيف المرأة ودفعها للعمل السياسي، وأخبرت: "مشروع كلنا سوا، أطلق منتصف آذار لتفعيل دور المرأة الكردية في الشأن السياسي وتشجيعها للعمل ضمن صفوف الأحزاب"، وأضافت: "أما مشروع شاركني حياتي يهدف الى إعادة المرأة لمكانتها الطبيعية في المجتمع لا أن تبقى ضلع قاصر، وقد نشرنا كتيب تثقيفي وزع مجاناً في هذا الصدد". حيث نشرت المنظمة تقريرها السنوي في 18 كانون الثاني /يناير من العام الجاري، وجاء في التقرير أنّ: 779 امرأة تعرضنّ لعنف أسري بالمناطق الكردية خلال العام الماضي.
جدير ذكره، أنّ منظمة "سارا" وفي تقريرها السنوي لعام 2016، كشفت أنّ 27 فتاة حاولنّ الانتحار، معظمهنّ جراء الضغوط العائلية والمجتمعية، لكن فاطمة طيفور التي تنحدر من قرى بلدة كوباني (عين العرب)، والتي لم تبلغ من العمر سوى 17 ربيعاً، انتحرت في 8 من الشهر الجاري.
وبحسب التقرير نفسه، تعرّضت 29 امرأة للتهديد بالقتل، وتقدّمت 3149 سيدة بدعاوي أمام المحاكم المختصة بدعاوي العنف الأسري، وسجلت 38 حالة فتاة قد تعرضنّ للتحرّش الجنسي، وتمّ توثيق 53 حالة زواج فتاة قاصر، وتعرّضت 13 فتاة للاغتصاب.
حالة فاطمة والفتيات اللواتي أقدمن على الانتحار أو تعرضنّ للانتهاكات والخروقات، تضع المنظمات النسائية الحديثة أمام امتحان إثبات إمكانيتها في ظل مجتمع كردي محافظ.
(الصورة الرئيسية: نساء وسيدات يحتفلنّ باليوم العالمي لحقوق المرأة بمدينة الحسكة، تاريخ التقاط الصورة: 08/03/207، حقوق النشر: تصوير كمال شيخو/ خاص حكاية ما انحكت)