(اللاذقية)، لم يجد محمد إبراهيم (الاسم مستعار) بسنوات عمره الخمسين طريقة للتعبير عن غضبه، إلا الصراخ بوجه أحد ضباط الأمن ممن جاؤوا لتسلّم بندقية كلاشنكوف وعدد من القنابل اليدوية كانت بحوزته، بأن يقول له بلغة غاضبة: "كيف بدي عيش هلا؟ رح تطعموا ولادي يا ولاد الأوادم"؟.
لم يكن يقصد فعلاً بكلمة "أوادم" أنهم كذلك، بقدر ما كان يتفادى اصطداماً وربما "شحطاً" له إلى أقرب فرع أمني. ابتلع الرجل غصته وهو يراقب عناصر الفرع وهم يحملون معهم سلاحه وقنابله ويقفزون في شاحنة تويتا عالية تشبه تلك التي يمتكلها تنظيم داعش.
ليست حال "محمد" جديدة على مشهد الساحل السوري، فمنذ مطلع العام تقريباً والتفكيك يطال ميلشيات تتبع لإيران بضغط روسي (وأميركي ودولي) وتنفيذ سوري، فما يريده الروس في إدارتهم سوريا يختلف عما تريده طهران التي اعتمدت الإدارة بالفوضى والميليشيات (نموذج الباسيج)، مقابل نموذج روسيا للإدارة بالنظام والضبط والربط مع أجهزة الدولة السورية، وبالطبع مع السيطرة الروسية عليها.
ولد "محمد" وعاش في إحدى قرى ريف جبلة، ولم يكن لديه مورد رزق سوى أرض جبلية مزروعة زيتوناً. وبسبب الفقر الشديد لعائلته، لم ينل سوى قسط يسير من التعليم، حيث قضى حياته مزارعاً حتى تطوّع في "لواء صقور الصحراء" قبل عامين، واليوم هو واحد من عدة آلاف من الذكور تمّ تسريحهم بعد أن قضوا أشهراً عديدة في ميلشيات تابعة لإيران في الساحل السوري بعد عام 2014، وهي السنة التي دخل فيها حزب الله المعارك في سوريا علناً.
صقور الصحراء إلى الفوج الخامس در
بعد أربع سنوات تقريباً من عملهم كخطوط إسناد خلفية للجيش السوري، صدر قرار لم يكن مفاجئاً لكثيرين، بحل ميلشيا صقور الصحراء، ومعها ميليشيا أخرى هي "مغاوير البحر" وكليهما تأسسا على يد، محمد جابر، شقيق أيمن جابر، صهر كمال الأسد ، ويقودهما معاً فعلياً.
"محمد" كان ضابطاً في القصر الجمهوري، في حين أنّ أيمن كان رجل أعمال ارتقى في السلم الاقتصادي والاجتماعي بعد زواجه من ابنة كمال الأسد (رئيس غرفة تجارة اللاذقية) ويملك معمل حديد على الأوستراد الدولي (الشركة العربية لدرفلة الحديد)، اختص خلال الحرب السورية بتصنيع براميل رمتها الطائرات على السوريين. "محمد" كان رجلاً غامضاً يعمل في تجارة السلاح وقلما كان يهتم بالظهور الإعلامي.
يذكر محمد إبراهيم، كيف تم إغراؤهم بالتطوع عبر أحد المكاتب الوسيطة في مدينة جبلة وعبر السيارات الجوالة: "لم يكن ببالي أن أتطوّع بعد أن بلغت هذا العمر. في القرية (ريف جبلة) جالت سيارة تويوتا عالية تشبه تلك التي تستخدمها داعش، تدعو من يريد للتطوع براتب أولي 50 ألف ليرة (100 دولار) مع بدل مهمات شهرية، يعادل تقريباً نفس الراتب، كان العرض فوق طاقتي على الرفض لأنّ لدي التزامات عائلية كبيرة، عندي ثلاث أولاد في الجامعة والثانوي، تقدمت ومعي عدد من أبناء القرية حيث تم إخضاعنا إلى دورة تدريبية على استخدام السلاح الفردي والقنابل والمعارك في الصحراء والجبال عبر مدربين إيرانيين يتحدثون العربية بطلاقة".
بين 2014-2016 تحولت الميلشيا الإيرانية إلى قوة ضاربة في الساحل، ولم تتجرأ عليها فروع الأمن نفسها
خاض محمد معاركا كثيرة في شمال شرق اللاذقية في صفوف الصقور، في تدمر، وجنوب حلب، وشمال حماة، وكان دورهم الأهم حماية الحقول النفطية في شرق البلاد كحقل الشاعر الذي يعتبر أحد أكبر الحقول النفطية السورية وأغزرها.
يتذكر الرجل الخمسيني: "خضنا معارك قاسية ضد داعش، وضد تنظيمات إرهابية كجبهة النصرة، سقط عدد من المقاتلين في المعارك، قضينا أربع سنوات متنقلين من مكان إلى مكان، في ناس اغتنت من السرقات (التعفيش)".
قام مؤسس المجموعة وقائدها "محمد جابر" بحل المجموعة بضغط روسي وسوري، و"جابر" كان حتى الدخول الروسي في الأزمة السورية في الصف الإيراني، ويدير ميلشيا تأتمر بأمرها إلى حد كبير، وخضع جزء من قواته لدورات تدريبية في طهران أيضاً، وبعد الدخول الروسي بقي كذلك، حتى بدأت روسيا تغيير استراتيجيتها تجاه الميلشيات، ومنها جماعته، فلم يتردد في حلها والسفر إلى روسيا علماً أن زوجته تحمل الجنسية الروسية.
أما الأفراد في مجموعته، فقسم منهم تم تسريحه على دفعات منذ 2014، وآخرون انضموا إلى القوات الرسمية، فيما التحق آخرون بالفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا في البلاد عام 2016. في وقت لاحق تمّ تفكيك مغاوير البحر أيضاً ومصادرة أملاك أيمن جابر، شقيق محمد وصاحب معمل الحديد المنتج للبراميل المتفجرة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
إلى جانب "محمد إبراهيم" هناك آخرون لم يتمكنوا من الانضمام إلى الفيلق الخامس أو تشكيلات الجيش السوري بسبب العمر والأوضاع الصحية لهم.
يتحدث "علي إبراهيم" (اسم مستعار) شقيق "محمد" فيقول: "تجاوزنا سن التطوع عند الدولة وعند الروس. لم يعترفوا بخبرتنا (كان عسكرياً قبل عام 2011 وتم تسرحه بسبب العمر)، الإيرانيون تعاملوا معنا باحترام، لديهم نظام شديد في تعاملهم معنا، وهناك عادات لهم تختلف عن عاداتنا، رغم ذلك، فقد كانوا يحترمون المقاتلين الأشداء، لولا الروس كنا ما نزال على رأس عملنا".
يذكر علي في حديثه كيف خضع لدورة تدريبية في طهران لمدة ثلاثة شهور، وتلقى مقابلها ما يعادل 300 دولار شيّد بها غرفة فوق منزل أهله في القرية.
"نعم، حاول الإيرانيون أول الالتحاق تعليمنا الصلاة والصوم وترتيل القرآن"، يعترف علي، مضيفاً: "في الحقيقة لم ينجحوا سوى مع عدد ضئيل من الأشخاص مما خلق بيننا وبينهم رفضاً متبادلاً، ولكن الحرب والمعارك أبقت علاقتنا جيدة". أما عن ضغط الروس لتفكيك هذه الميلشيا فيعلق عليّ: "لم تنته الحرب بعد وما زال أمام الدولة كثير من المعارك وتحتاج إلى جنود داعمين لها، فلماذا هذا الإصرار الروسي على تفكيك هذه القوات، تريد روسيا الانفراد بسوريا هذا واضح، والأوضح، أن هذه طلبات أميركا وإسرائيل، روسيا صديقة لهؤلاء".
أما المهندس "ناصر محمد" (اسم مستعار) 41 عاماً فقد التحق بالفوج الخامس كمترجم بعد أن كان ملتحقاً بصقور الصحراء كضابط، يقول: "كنت مطلوباً للاحتياط منذ العام 2013، فالتحقت بالصقور باعتبارها تعمل في منطقة قريبة من مكان سكني في اللاذقية، ولكن لما تفككت الميلشيا لم أجد حلاً سوى الالتحاق بالفوج الخامس اقتحام بصفتي مترجماً عن الروسية وكوني خريج الجامعات الروسية، اليوم أتنقل مع الفوج في معاركه في البادية السورية".
يقول ناصر إنّ امتياز الروسي على الإيراني مرتبط بعقلية كل منهما ورؤيتها للحرب السورية، يقول: "لقد رفضت الالتحاق بالجيش لأني أعرف كيف تمشي الأمور فيه، من الرشوة إلى الفساد في كل شيء، حتى الطعام، أنا لم أكن موظف دولة، وهذا ساعدني على الالتحاق بالصقور وقيادة مجموعة فيها، بقيت مع المقاتلين في البادية حوالي العامين، والمستشارين الإيرانيين لم يألوا جهداً في دعمنا، لكن السياسة هي السياسة، ونحن لا قدرة لنا على التدخل في أي قرار دولي أو محلي، تم حل الصقور لأن روسيا لديها تصور عن سوريا يختلف عن إيران، يحاول دعم فكرة الدولة ومؤسساتها أكثر من أي تنظيمات أخرى".
الدفاع الوطني الخاسر الأكبر
قوات الدفاع الوطني تأسست أواخر 2012 كقوة رديفة للجيش تضم عناصراً من المتخلفين عن الالتحاق بالجيش النظامي، ودعمتها إيران بكثافة، عبر قيامها بتدريب عناصره وإخضاعهم لدورات عسكرية وعقائدية، إضافة إلى دفع رواتبهم الشهرية. في العام 2017 طالبت إيران رسمياً بالاعتراف قانونياً بشرعية قوات الدفاع الوطني، وفقاً لما قاله اللواء محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، مضيفاً في مؤتمر صحفي في طهران إن على الحكومة السورية ومجلس الشعب أن يصوّتا على قانون يعترف بشرعية الدفاع الوطني. إلا أن أفعال الميلشيا من سرقات ونهب وخسائر في المعارك والانطباع السيء حولها في الشارع السوري، الساحلي والعاصمة تحديداً، إضافة إلى تشكيلها عبئا حقيقياً على روسيا في مناطق سيطرتها، جعل من تفكيكها هدفاً روسياً دائماً نتيجة ممارستها السيئة مع الناس وفشلها العسكري المتكاثر.
خدم ياسر الحسين (اسم مستعار، كان يعمل سابقا عاملا في محل تجاري لبيع المواد الغذائية) في مقر الدفاع الوطني الرئيسي في المدينة الرياضية في اللاذقية لأكثر من ثلاثة أعوام شهد خلالها كثيراً من القصص، إلى أن صدر قرار نقل جميع قوات وآليات الدفاع الوطني من هناك وتسليمها للجيش، وإبعاده بعد ذلك بالتدريج عن مواقع المعارك.
ساهم الروس في تفكيك الاحتقان الشعبي المكبوت ضد الميليشيات الإيرانية، وخلق ارتياحاً لافتاً لدى قطاع واسع من المؤيدين دون أسف على الفراق الإيراني مع الميلشيات
يجري الحديث اليوم عن تفكيك الدفاع الوطني بعد أن تضاءل دوره كثيراً، كما حدث في الهامة وقدسيا بدمشق. الرجل ذي 38 عاماً، ويعمل حالياً في مكتب عقاري، وغير مطلوب للاحتياط لأسباب صحية، يقول: "عمل الدفاع الوطني لسنوات على الجبهات ويكافئ اليوم بهذا الشكل، أليست هذه خيانة؟".
تتناقض أقوال ياسر مع الارتياح الشعبي الصريح لتفكيك هذه الميليشيا في الساحل، وفي أمكنة أخرى، فقد عاش أهل الساحل وغيره كابوساً في أماكن تواجد هؤلاء في المدن والأرياف، ترك لديهم ذكريات مليئة بالكره والحقد على هؤلاء، فهم لم يتركوا بيتاً إلا وعفشوه حتى لو كان بيتاً لفقير من ريف اللاذقية التي كلفوا بحمايتها من هجمات جبهة النصرة وغيرها وفق الرواية الشعبية المتداولة.
يقول أبو أحمد، "سليم نوري" (اسم مستعار/61 عاماً) من سكان المشروع العاشر: "تمت سرقة سيارتي الكيا من أمام بيتي، وشاهدتها في المدينة الرياضية بالقرب من حاجز للدفاع الوطني، وحين تواصلت مع عدد من الأشخاص ضمن الدفاع هددوني بإخفائي تحت الأرض. ولما تقدمت للشرطة والأمن لم يتجرؤوا على تسجيل السرقة إلا ضد مجهول، أعرف أني لست وحدي من سُرقت سيارته، فهناك اليوم شبكة من هؤلاء ممن كانوا في الدفاع ما زالوا يسرقون الناس والسيارات والمحلات وهم مسلحين".
فيما بين 2014-2016 تحولت هذه الميلشيا إلى قوة ضاربة في الساحل، ولم تتجرأ عليها فروع الأمن نفسها، مستبيحة كل شيء. ومع فشلهم في الدفاع عن قرى ريف اللاذقية الشمالي وقت حدوث الهجوم عليها في 2013، فإنّ الناس نظرت إلى ما فعله الروس بعين الرضا، وحتى إيران لم تعد تعتبر هؤلاء سنداً لها في ظلّ ظهور ميلشيات شيعية حقيقة منها ميلشيا أفغانية (لواء فاطميون، ولواء زينب، كتائب أبو العباس .. الخ)، فأوقفت رواتبهم منذ أكثر من عام، الأمر الذي دفع منتسبيها إلى الهجرة منها إلى الجيش الرسمي أو إلى الفيلق الخامس أو البقاء في البيوت، إضافة إلى قرار وزارة الدفاع السورية تسوية وضع هؤلاء بمنحهم عقوداً سنوية أو أكثر عند انضمامهم إلى الجيش الرسمي.
كما صدرت أوامر مباشرة من القيادة السورية بإيقاف العمل بالبطاقات الأمنية لدى المقاتلين غير النظاميين وسحبها منهم، وفي جميع المحافظات السورية، كما تمّ التوقف عن إسناد أيّ مهمات إليهم من قبل الأجهزة الأمنية.
قدرت مصادر خارجية عدد منتسبي الميلشيات بحوالي 50 ألفاُ إلى 80 ألفاً، اليوم لا يعرف بالضبط عدد مسرّحي الميلشيات في غياب إحصاءات رسمية، ولا أرقام من انضم منهم إلى الجيش أو الفيلق الخامس أو حتى قوات النمر (سهيل الحسن) التي تشهد الإقبال الأكبر من هؤلاء في ظل دعم روسي واضح وثبات في صرف الرواتب والمكافآت والرضى الحكومي عنها. سابقاً كان يقدر عدد قوات النمر بحدود 30 ألف فما فوق مع مراعاة المبالغة في تضخيم الأرقام.
سرقات متعددة... من ورائها؟
لا يكاد يمر أسبوع إلا وتملأ الساحل أخبار عن سرقة سيارات أو محلات على يد أشخاص يرتدون زياً عسكرياً ومسلحين، ويرجح الناس أن هؤلاء هم من بقايا الميلشيات وخاصة "جماعة النهب الوطني" (الاسم الشعبي الساخر للدفاع الوطني)، ولديهم أدلتهم التي تؤكد أن جزءاً من السلاح لم يتم سحبه منهم. من الصحيح أن شوكتهم انكسرت كما يقال شعبياً، إلا أن القبض على هؤلاء محكوم بعوامل كثيرة، منها علاقتهم المستجدة مع أفراد مدعومين من أطراف متعددة.
يذكر "سليم" أن الشكاوى على هؤلاء تحولت إلى الروس، جزء من الناس لم يعد يثق بقدرة الأجهزة الأمنية على استرداد مسروقاتهم، ويحاول الروس مراضاة كل المتصلين بهم عبر القيام بإخبار الأجهزة بما يحدث والطلب إليهم التدخل الصريح لحل المشاكل، "لم يكن الإيرانيون يتدخلون في أي شيء من تصرفات هذه الجماعات رغم انزعاجهم منها، الروس يتدخلون عبر كبار ضباطهم"، الروس اهتموا بهذه المواضيع من منطلق ضعف ثقتهم برغبة الأجهزة الأمنية على التحرك ضد هؤلاء اللصوص.
ساهم الروس في تفكيك الاحتقان الشعبي المكبوت ضد هؤلاء، وخلق ارتياحاً لافتاً لدى قطاع واسع من المؤيدين دون أسف على الفراق الإيراني مع الميلشيات كلها على الرغم من النفقات الكبيرة التي دفعتها إيران في الحرب السورية. وتقدرها مصادر بأكثر من 30 مليار دولار، وهي قياساً بنفقات دفعتها روسيا (وفق الإعلام حتى أيار 2018) أكبر بكثير حيث قدرت النفقات الروسية بحدود 700 مليون دولار.
بلغ عدد الجنود الإيرانيين في سوريا وفق مصادر الجزيرة أكثر من ستة ألاف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني، أما المستشارين فقرابة ثلاثة آلاف. آخر الإنجازات ضد الوجود الإيراني في اللاذقية كانت إزالة الحاجز العسكري (يديره أفراد سوريون من حزب الله على الأرجح، لأن المسجد والجامعة تعتبران أهم موقع شيعي في الساحل) من أمام مسجد وجامعة الرسول الأعظم مطلع العام الحالي.
الناشط المعارض "جمال زاهر" (اسم مستعار) وهو مدرّس في جامعة تشرين، قال تعليقاً على تفكيك الميلشيا الإيرانية: "إدارة إيران للأزمة السورية أو لنقل لبعض عناصرها اعتمد جانباً من استغلال الحاجة الاقتصادية لسكان الريف تحديداً، سواء حدث ذلك مباشرة أو عبر وسطاء محليين قريبين من إيران. وراء ذلك على الأرجح رغبات إيرانية قديمة بتشييع السكان ليكونوا ظهيراً لها في وقت من الأوقات، لأنّ رغبة إيران في الوجود على الساحل السوري قوية وملحاحة، لكن الروس الذين يتصارعون مع الإيرانيين في الخفاء والعلن يرفضون تحول الساحل إلى الرعاية الإيرانية، فقد رفضت روسيا مثلا وجود إيران على الشواطئ السورية (وادي قنديل والبسيط)، وبدلاً من ذلك وجهتها على ما يبدو إلى استثمارات أخرى داخلياً" مثل الاسثمار في حقول الفوسفات في جوار تدمر والزراعة في منطقة سهل الغاب، مع العلم أن موضوع الفوسفات هو أحد المواضيع التنافسية بين روسيا وإيران بشكل حاد.
يضيف الدكتور "جمال" أن الأهالي كانوا الرابح الأكبر من الخلاص من طغيان هذه المجموعات، ومن تغولها على البشر والاقتصاد والحياة اليومية: "سبق لهذه الميلشيات أن تحدّت قوى الأمن علناً، وقتلت أشخاصاً منهم واحد من شرطة المرور في المدينة لأنه خالف سيارة تابعة لهم، مما كاد يتسبب بمعركة حقيقة على دوار الزراعة قبل عام تقريباً. قدرة هذه الميلشيا على التمدد في الحياة اليومية وعدم التقيد بأي قانون (من الوقوف على الفرن إلى توزيع المساعدات) جعل من غيابها نعمة مضافة حققها الروس للأهالي ربما بدون وعي، وارتفعت أسهمهم أكثر مما هي مرتفعة بالأساس".
أهلياً، يقول: "إن تفكيك الميلشيا قد فتح الباب لمزيد من حضور أجهزة الدولة في الشارع الساحلي المخنوق من تصرفاتهم طيلة سنوات، إضافة إلى أنّ علاقة الروس مع الساحل عموماً هي أفضل بكثير من نظيرتها الإيرانية، فالروس عموماً علمانيون غير متدينين ولا يختلفون كثيراً في طقوسهم اليومية عن أهل الساحل خلافاً للإيرانيين الذين فعلاً لم يقتربوا منهم ولا شوهدوا في شوارع المدينة مثل الروس، أحد الجنود الروس تزوّج من فتاة من ريف طرطوس من حوالي نصف عام".
من الصحيح أن هناك عدد كبير من المسرحين من هذه الميلشيا وترك تسريحهم أثراً سلبياً على الحياة والاقتصاد. ولكن التمدد الروسي في المجتمع منع وجود آثار سلبية ضخمة كما كان متوقعاً بسبب العدد الكبير لهؤلاء، ووجود الفوج الخامس اقتحام ساهم بامتصاص جزء منهم، وعدم الامتعاض الإيراني (الظاهر على الأقل) من تفكيكها تبعاً لوضع إيران المتقلقل حديثاً في الساحة السورية، إلا أنّ هذه النتائج الراهنة لا تتعارض مع فكرة أنّ ما حصل كان تأجيلاً لأزمة مشابهة لما حصل في البلاد ستحدث في وقت قادم.