سقوط الجنوب... أسبابه وتداعياته


بعد الهزائم العسكرية التي منيت بها الفصائل المعارضة في أكثر من مكان، ثمة محاولة لتشكيل مقاومة شعبية تعتمد حرب العصابات. هنا شهادة لأحد الضباط المنشقين من محافظة درعا، يتحدث فيها عما جرى خلال السنوات الماضية وما يجري اليوم.

17 كانون الثاني 2019

(لافتة مرفوعة في معربة في ريف درعا بتاريخ 24 ديسمبر 2018، في محاولة لاستعادة النشاط السلمي وبؤر المقاومة ضد نظام الأسد بعد أن خذل الجميع الثورة السورية، والصورة مأخوذة من صفحة تجمع أحرار حوران على الفيسبوك وهي تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)
جواد جاد الله

(اسم مستعار/ قائد سابق في بالجيش السوري الحر)

(درعا)، مع انطلاقة الثورة السورية، عملت العديد من الجهات الدولية والإقليمية على رصد تطورات الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في مدينة درعا البلد في ١٨ آذار بمظاهرات شملت جميع مدن وبلدات المحافظة، حيث قوبلت بقمع شديد ومواجهة بالرصاص الحي من قبل قوات الأمن والجيش، حيث حوصرت المدينة وقصفت بالمدفعية في الشهر الرابع من ذلك العام، لتتواصل الاحتجاجات في أغلب المحافظات السورية، حيث عملت تلك الجهات على رصد ومتابعة مفاعيل الثورة التي بدأت تأخذ منحاً آخر بحركة انشقاقات واسعة من قبل قوات الأمن والجيش، وقيام العناصر المنشقة بتنظيم نفسها والتصدي مع المدنيين للاقتحامات المتكررة، والحملات العسكرية التي كان النظام يشنها بشكل يومي.

تغيّر المعطيات على الأرض وقدرة المجموعات المنشقة على شن هجمات واسعة على حواجز النظام وثكناته العسكرية، رجحت فيها كفة الجيش الحر في درعا على النظام، حيث قامت مجموعات الجيش الحر بعمليات عسكرية واسعة في المنطقة الشرقية. وعلى إثر ذلك، تم تشكيل المجلس الثوري العسكري بدرعا في 24 شباط 2012، وقد تلقى المجلس دعما من المملكة العربية السعودية بشكل عام ومن المملكة الأردنية الهاشمية بشكل سري ، ليقوم بتوزيعه على الفصائل العاملة على الأرض مع استمرار الدعم الخاص من خلال أفراد محليين ومغتربين في الخليج وفي الأردن، وكان يتم جمع مبالغ مالية من أجل شراء السلاح والذخيرة، ثم تحوّل الدعم إلى مجموعات تجمع التبرعات من الهيئات والمنظمات المتعاطفة والداعمة للثورة، والذي كان عبارة عن أموال وأسلحة يتم تهريبها إلى الداخل السوري ليستلمه قادة فصائل بعينهم أو من ينوب عنهم.

هذا الأمر مهد لظهور الدعم المؤدلج، حيث بدأ تنظيم الإخوان المسلمين بتوجيه الدعم إلى تشكيلات بعينها، مثل لواء شهداء اليرموك، والذي بايع لاحقا تنظيم "داعش". كما توجه دعم الإخوان لكل تشكيل كان يبدأ أسمه بكلمة (درع) كـ "درع الجنوب" و"درع أسود السنة"، قبل أن تتخلى عن هذا الدعم وتلغي كلمة درع من تسميتها في إعلان لرفض سياسات التنظيم ولواء اليرموك، الذي تحول لاحقا لـ "جيش اليرموك" ومن ثم "جيش الثورة".

الارتباط مع غرفة الموك، أصبح من الأسباب التي دفعت بقادة الفصائل إلى التواجد خارج سورية لفترات طويلة، إما بسبب الاجتماعات التي كانت تحصل في الأردن أو لمحاولة تحسين وضع فصائلهم من خلال تسويق الفصيل أمام الدول الداعمة

استمرت هذه المرحلة حتى اختطاف رئيس المجلس العسكري بدرعا العقيد أحمد النعمة من قبل تنظيم جبهة النصرة في 4 أيار 2014، لتبدأ غرفة العمليات المشتركة (الموك) بتوجيه الدعم إلى الفصائل العاملة في الجنوب بعد التوسع العسكري الحاصل على الأرض والسيطرة على مواقع مهمة في المحافظة. على إثر ذلك بدأت المملكة الأردنية الهاشمية بتسهيل مرور مجموعات من الجيش الحر للتدرّب في المملكة السعودية بإشراف المخابرات السعودية لمدة دورتين فقط. ومن ثم بدأت المملكة باستقبال مجموعات من الجيش الحر لتدريبها على أراضي المملكة في قاعدة الملك فيصل الجوية جنوب شرق الأردن بإشراف مدربين عسكريين من جنسيات مختلفة، حيث دربت هذه المجموعات على عمليات الاقتحام والأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وفور عودة هذه المجموعات إلى سورية بدأت تدخل برفقتهم كل أشكال الدعم العسكري.

(لافتة مرفوعة في قرية المتاعية في ريف درعا بتاريخ 24 ديسمبر 2018، في محاولة لاستعادة النشاط السلمي وبؤر المقاومة ضد نظام الأسد بعد أن خذل الجميع الثورة السورية، والصورة مأخوذة من صفحة تجمع أحرار حوران على الفيسبوك وهي تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظو لأصحابها)

التوّسع استدعى من حيث النتيجة تنسيب أعداد أكبر من المقاتلين وحاجة أكبر للدعم اللوجستي من أموال وتجهيزات وتوفير كميات أكبر من الأسلحة والذخائر، إذ لم تكن الأسلحة والذخائر التي استولى عليها الثوار من المواقع العسكرية التي سيطروا عليها كافية، لتبدأ غرفة الموك بالعمل على توجيه الدعم إلى الفصائل التي بزغ نجمها في الأعمال القتالية من أسلحة وذخائر ودعم لوجستي ومالي، ومن هذه الفصائل فرقة 18 آذار وفرقة شباب السنة وفرقة فلوجة حوران وفوج المدفعية ولواء المهاجرين والأنصار ولواء الفرقان و القائمة تطول.

هذا الارتباط مع غرفة الموك، أصبح من الأسباب التي دفعت بقادة الفصائل إلى التواجد خارج سورية لفترات طويلة، إما بسبب الاجتماعات التي كانت تحصل في الأردن أو لمحاولة تحسين وضع فصائلهم من خلال تسويق الفصيل أمام الدول الداعمة. هذا أدى بمجمله إلى إهمال واضح لوضع التشكيلات العسكرية من قبل قادتها ودفعهم إلى الاعتماد على أشخاص آخرين في إدارة الفصائل، وهذا الاختيار لم يكن مبنيا على أساس الكفاءة، وإنما على أسس أخرى كالصلات العشائرية وما إلى ذلك، مما أدى من حيث النتيجة إلى وضع أشخاص غير مناسبين في مراكز قيادية في تلك الفصائل، في الوقت الذي لم يكن هؤلاء يؤمنون بأهداف الثورة وثوابتها، والذين عملوا بدورهم على ضم أعداد من الأفراد كمقاتلين دون النظر إلى خلفياتهم أو ميولهم ودون العمل على إعدادهم فكريا ليكونوا مؤمنين بأهداف الثورة، فتحول الانتساب إلى الفصائل العسكرية إلى مجرد مهنة للاستفادة من الراتب والإعانة الإغاثية، ومن حيث النتيجة كان من السهل على النظام وأجهزته الاستخباراتية اختراق هذه النوعيات من القيادات والعناصر.

مع بدايات العام 2015 بدأ التنافر والتباعد بين الجيش الحر وتنظيم جبهة النصرة للاختلاف الجذري بالتوجهات الفكرية والعقائدية واغتيال عدد من قيادات الجيش الحر

مع بدايات العام 2015 بدأ التنافر والتباعد بين الجيش الحر وتنظيم جبهة النصرة للاختلاف الجذري بالتوجهات الفكرية والعقائدية واغتيال عدد من قيادات الجيش الحر كالعقيد أحمد فهد النعمة رئيس المجلس العسكري ومحمد الزعبي الملقب بالخوصة، وهو قيادي في لواء اليرموك، ومهند المقداد الملقب بالزير، وهو القيادي في لواء درع الجنوب، إضافة الى العديد من الكوادر الثورية، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم جبهة النصرة باغتيالهم، إضافة إلى الأهداف التي كانت تسعى إليها جبهة النصرة، والتي بدأت تتبلور وتتكشف في إقامة إمارة في الجنوب السوري وسحق الثوار وفصائل الجيش الحر. ليأتي الفصل اللاحق والمحوري، وهو سقوط مدينة الشيخ مسكين أواخر العام 2015 بيد النظام السوري بإسناد جوي كبير من الطيران الروسي بعد قيام حركة المثنى الإسلامية التي بايعت لاحقا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بقطع طرق الإمداد إلى المدينة إثر هجوم الأخير على عدد من فصائل الجيش الحر. هذا السقوط الذي أدى إلى استشعار القرى المحيطة بالخطر من دخول النظام إليها واتخاذها الخيار بالتهدئة تجاه النظام.

بين داعش والنظام

مع بدايات العام 2016 قام جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم داعش بشن هجوم واسع، سيطر خلاله على أجزاء كبيرة من ريف درعا الغربي مما اضطر فصائل الجيش الحر إلى التحرك بسرعة للتصدي لهذا الهجوم واسترجاع ما تمّ السيطرة عليه من قبل التنظيم المتطرف من خلال معارك شرسة ومستمرة حتى تراجع التنظيم إلى منطقة حوض اليرموك حيث تحصّن التنظيم في تلك المنطقة، واستمرت المعارك بين الطرفين حتى سقوط المحافظة بيد النظام.

(لافتة مرفوعة في قرية مزيريب في ريف درعا بتاريخ 25 ديسمبر 2018، في محاولة لاستعادة النشاط السلمي وبؤر المقاومة ضد نظام الأسد بعد أن خذل الجميع الثورة السورية، والصورة مأخوذة من صفحة تجمع أحرار حوران على الفيسبوك وهي تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظو لأصحابها)

هذا الوضع خلق ضغطا هائلا على الفصائل المقاتلة لتشتتها على جبهات عدة بين النظام والتنظيم المتطرف، وخصوصا أنه كان هناك تزامن بين استئناف القتال من قبل النظام ومن قبل التنظيم. وقد تمّ أثناء مشاركتي في العمليات العسكرية ضد داعش، رصد قيام النظام بعمليتي إنزال لحاويات مجهولة المحتوى للتنظيم بالمظلات، حيث قامت مروحيات عسكرية بإنزالها فوق بلدة عدوان في حوض اليرموك وبلدة الشجرة، عندما ضغط الجيش الحر لتحقيق خرق في مناطق سيطرة التنظيم. هذا القتال الذي استمر لثلاث سنوات، واستخدمت فيه كل طاقات الفصائل وإمكاناتها لوضوح خطر هذا التنظيم على مسار الثورة وربط الدول الداعمة توجيه الدعم بقتال التنظيم والتركيز عليه، أدى إلى استنزاف إمكانات تلك الفصائل بشريا وعسكريا، كما أدى إلى تركيز انتباه فصائل الجيش الحر إلى الجبهة المفتوحة على تنظيم داعش بشكل شبه كلي.

وبالتزامن مع هذه التطورات قامت الخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد بتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال لكوادر وقيادات في الجيش الحر، ليتوجه الاهتمام الأمني للفصائل لمتابعة هذه الخلايا واجتثاثها، حيث بلغت ذروة هذه العمليات في الفترة الواقعة بين بداية عام 2017 وبداية العام 2018.

محاولات التوحيد في وجه الشرذمة

تخللت هذه الأحداث، محاولات لتوحيد فصائل الجيش الحر في جسم واحد، كان أولها تشكيل الجبهة الجنوبية في شباط 2014، والتي بقيت عبارة عن اسم فقط، دون وجود لأي نوع من أنواع الاندماج الفعلي، ليتبعها عدد من الاجتماعات خلال العامين 2016 و2017، باءت جميعها بالفشل لعدد من الأسباب، منها تغليب المصالح الفصائلية الضيقة والنزعة إلى السيطرة والانتمائات الحزبية لعدد قليل من الفصائل الكبرى كجيش اليرموك المتهم بانتماء قياداته لتنظيم الإخوان المسلمين.

الفشل في توحيد فصائل الجيش الحر، رافقه فشل في إنتاج واجهة سياسية متمرسة تكون قادرة على اتخاذ موقف سياسي واضح، مدعوم من قوة عسكرية متمكنة، كما هو الحال في الشمال السوري من خلال تجربة قوات سورية الديمقراطية التي استطاعت تشكيل قوة عسكرية موحدة وإنتاج ممثلين سياسيين، يملكون القدرة على اتخاذ القرارات اللازمة مع التحفظ على توجه قوات سورية الديمقراطية الانفصالي.

الفشل في توحيد فصائل الجيش الحر، رافقه فشل في إنتاج واجهة سياسية متمرسة تكون قادرة على اتخاذ موقف سياسي واضح، مدعوم من قوة عسكرية متمكنة

طول سنوات الصراع وتدني الوضع الأمني نسبيا والحصار الذي كان يفرضه نظام الأسد على المناطق الخارجة عن سيطرته، اقتصاديا وإنسانيا، ما شكل ضغطا كبيرا على الحاضنة الشعبية والمواطنين القاطنين في مناطق سيطرة الجيش الحر، والذي أدى في الأيام الأخيرة إلى الضغط على فصائل الجيش الحر لعدم الاستمرار في القتال لتجنيب القرى والبلدات الدمار الكلي.

تدخل الأيدي الخارجية

في الأشهر الأخيرة، قبل سقوط "المناطق المحررة" كان هناك معلومات لتجهيز نظام الأسد وبإشراف روسي لحملة كبرى لشن هجوم واسع على محافظة درعا، حيث بدأ عدد من فصائل الجيش الحر بالتجهيز لعمل عسكري استباقي يهدف إلى السيطرة على عدد من المواقع العسكرية لإضاعة الفرصة على النظام ومنعه من استغلال تلك المواقع في الهجوم، إلا أن فصائل أخرى قامت بالتعطيل قبل البدء بالعمليات العسكرية، وذلك تنفيذا لرؤية وتوصيات الأميركيين والأردنيين بضرورة عدم القيام بأي عمل عسكري يكون المبادر به الجيش الحر، بحجة أنّ ذلك سوف يعطي الذريعة لنظام الأسد وداعمه الروسي للهجوم على الجنوب بحجة خرق الجيش الحر لتفاهم مناطق خفض التصعيد، مما أدى إلى فشل التحضيرات والمساعي للقيام بعمل عسكري، والذي أدى بدوره إلى انخفاض الروح المعنوية لكل من المقاتلين والحاضنة الشعبية على حد سواء، ليقوم الأميركيين بعدها بتوجيه رسالة قبل يومين من الهجوم الذي قام به نظام الأسد والمليشيات الشيعية وبإسناد من الطيران الروسي، إلى قادة فصائل الجيش الحر، بأن الولايات المتحدة لن تتدخل لوقف الهجوم، وبأنها ستنصح الروس بعدم خرق منطقة خفض التصعيد، وأن الخيار يقع على عاتق قادة الفصائل في قرار الحرب مما أدى إلى صدمة للعديد من الفصائل.

(لافتة مرفوعة في الحراك في ريف درعا بتاريخ 21 ديسمبر 2018، في محاولة لاستعادة النشاط السلمي وبؤر المقاومة ضد نظام الأسد بعد أن خذل الجميع الثورة السورية، والصورة مأخوذة من صفحة تجمع أحرار حوران على الفيسبوك وهي تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظو لأصحابها)

كل هذه الأحداث تضافرت لتنسج قصة الأيام الأخيرة من سيطرة الجيش الحر على الجنوب السوري، وليدخل بعدها نظام الأسد والمليشيات الداعمة إلى قرى الجنوب بعد معارك شرسة استخدم فيها نظام الأسد والروس كل ما توفر لديهم من قوة نارية، حيث وصل عدد الطائرات التي حلّقت لتنفيذ غارات على بلدة بصر الحرير في نفس الوقت اثنا عشر طائرة حربية وأربع مروحيات تحمل براميل الموت.

الجنوب السوري بين السيطرة والانفلات

سقطت المناطق المحرّرة تحت سيطرة النظام وبدعم كامل من الروس والمليشيات الطائفية، وذلك بعد معارك طاحنة كانت هي الأعنف والأشرس من قبل النظام والطيران الروسي مدعوما بالمليشيات الطائفية. عقد النظام عدداً من الاتفاقيات مع بعض الفصائل التي كانت منضوية تحت راية الجيش الحر تزامنا مع خروج تنظيم هيئة تحرير الشام من الجنوب باتجاه الشمال ضمن اتفاقية التهجير، حيث تركزت هذه الاتفاقيات في ثلاث مناطق رئيسية، هي المنطقة الغربية والمنطقة الشرقية ومدينة درعا. هذه الاتفاقيات التي أتاحت للنظام ضم عدد من عناصر تلك الفصائل إلى قواته بموجب عقود للأمن العسكري والفرقة الرابعة وحزب الله الشيعي اللبناني في محاولة منه لاستمالة هؤلاء العناصر واستقطابهم كقوة أمنية رديفة تتيح للنظام السيطرة على المنطقة.

السيطرة الفعلية للنظام تغيب عن الأرض في محافظة درعا، إلا من خلال تواجد الحواجز الأمنية

يبدو جليا أن السيطرة الفعلية للنظام تغيب عن الأرض في محافظة درعا، إلا من خلال تواجد الحواجز الأمنية، التي لا تقوم بأي إجراء تجاه أي شخص يمر على تلك الحواجز حيث هناك تعليمات واضحة حتى للأجهزة الشرطية بعدم توقيف أي شخص. كل هذه المعطيات والكثير من التسريبات، تؤكد أنّ النظام وقواته العاملة على الأرض يستشعرون خوفا حقيقيا من الضغط على المواطنين منعا لانفجار الوضع، والذي سيكون ثمنه باهظا على تلك القوات المشتتة والموزعة على مساحة الجنوب السوري الشاسعة.

نحو المقاومة

في الوقت نفسه، وعلى الرغم من إرسال مثل تلك الرسائل، يبدو أن هناك مؤشرات حقيقية على توجه للعمل على تشكيل مجموعات للمقاومة الشعبية تهدف إلى ضرب تلك القوات وبمباركة ضمنية ممن يحملون نفسا ثوريا في الجنوب، إضافة إلى أولئك اللذين كانوا يعدون موالين للنظام، وخصوصا بعد طلبات الاحتياط التي طالت القسم الأعظم من الموالين تحديدا، إضافة للشعور العام الذي تولّد لدى الجميع بعدم موثوقية النظام وانقلابه على جميع تعهداته والبنية الأمنية المنفلتة، والتي تعمل بدون الالتزام بالأوامر مهما كان مصدر هذه الأوامر حتى لو كان رأس النظام نفسه. وفي الوقت نفسه، إنّ تواجد عدد كبير من الثوار الذين اختاروا عدم الخروج من المنطقة ضمن اتفاقية التهجير، أخذ يصب في بوتقة تشكل نواة جديدة لمقاومة شعبية تهدف إلى إرسال رسائل واضحة بأنّ الجنوب لا زال يزخر بالروح الثورية، ما من شأنه الضغط على النظام للعمل لاتخاذ قرارات تهدف لتهدئة غضب الشارع، مما سوف ينعكس على حفظ المنطقة وسكانها لتكون مرحلة انتقالية لما هو قادم.

(مظاهرة في مدينة درعا بجانب الجامع العمري بتاريخ 12 ديسمبر 2018 في محاولة لاستعادة الحراك المدني وتشكيل بؤر مقاومة من جديد)

تزامنت العمليات العسكرية الخاطفة التي تقودها المقاومة الشعبية، بعودة بوادر الحراك الشعبي الذي تمثل بكتابة عبارات مناهضة للنظام في مختلف قرى وبلدات محافظة درعا، تمثلت بـ "يسقط حزب البعث، لا للاحتياط، يسقط بشار الأسد، ارحل يا بشار..."، حيث تم كتابة هذه العبارات على مقرات وثكنات عسكرية ومراكز أمنية تابعة للنظام. كما خرجت في مدينة درعا مظاهرة بمحاذاة الجامع العمري بتاريخ ٢٠ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٨ حمل فيها علم الثورة ورددت شعارات رافضة للتسويات في الجنوب السوري ومطالبة بالمعتقلين وخوّنت المتطوعين في الجيش السوري الذين يشاركون في العمليات العسكرية.

إنّ العمل الثوري العسكري الذي قد يأخذ بالتشكل في قادم الأيام لا يهدف من حيث المؤشرات الأولية إلى السيطرة على مساحات من الأرض، إنما سوف يكون، إن حدث، عودة إلى السنوات الأولى من الثورة وأسلوب حرب العصابات الذي سيحمل في طياته رعب حقيقي لعناصر النظام وقياداته ويدفعهم لإعادة النظر في وضع المنطقة ككل.

هذه المؤشرات جميعها تدل على أن النظام لا يسيطر على الجنوب إلا بشكل صوري، وقد تتغير هذه المعادلة في قادم الأيام.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد