قبل اندلاع انتفاضات العالم العربي، كانت مسألة العلاقة بين الدين والدولة والعلمانية والحداثة تحتل الحيز الأكبر من النقاشات والمناظرات، سيما وأنّ نقد أو تحليل البنية التسلطية الأمنية للأنظمة الحاكمة كان من المحظورات، على الأقل علناً.
تسعى هذه الطاولة المستديرة/ الملف إلى طرح أسئلة عن آفاق العلمانية في مستقبل سوريا. كيف يمكن تحديد علاقة الدولة والمجتمع بالأديان ودرجة حضور الدين في الخطاب العام والحيز العام؟
ليست العلمانية مشروعاً مكتملاً أو منجزاً حتى في معظم الديمقراطيات الغربية التي حاولت حصر مشكلة الدين في الحيز الخاص. وقد ظهر ذلك جلياً مؤخراً مع صعود تيارات اليمين المتطرف في كثير من الدول الغربية التي تدّعي تطبيق العلمانية، مما يبرهن أن الحيز العام في معظم دول العالم ظل مُشرّباً بالدين ومظاهره ورموزه، وإن بدرجات مختلفة.
أما في العالم العربي، وفي السياق السوري، فقد تجلت حدة استقطاب طرح مسألة فصل الدين عن الدولة في المجال العام بصدور عدد كبير من الكتب حول هذا الشأن، بالإضافة إلى النقاشات المحتدمة التي رافقت سابقاً مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في سورية عام 2009، ومقترحات تشريع الزواج المدني، وتشديد العقوبات على "جرائم الشرف" وغيرها.
بعد اندلاع الانتفاضة السورية وتحولها إلى نزاعٍ دمويٍ مزق النسيج الاجتماعي السوري، خسرت الدولة مواردها الاقتصادية وأصبحت مرتهنة سياسياً للدول الإقليمية والكبرى، فيما النظام السوري يدّعي العلمانية من جهة، ويقتل ويعتقل ويسجن الناس باسمها من جهة أخرى، كما أنّ معظم تيارات المعارضة الحالية ارتهنت لأجندة خارجية بعيداً عن فضاء الوطنية السورية، خاصة الجماعات المسلحة التي وُظفت لخدمة دول إقليمية ومخططات لها علاقة بالتوازنات أكثر مما لها علاقة بالمصلحة الوطنية السورية. هذا أدى إلى انتشار الخطابات الطائفية المدعومة من قوى ذات شعارات مذهبية مرتبطة بدول إقليمية على الأرض السورية.
في هذا السياق الحربي، كيف يمكن أن نفهم دور العلمانية، وهل يمكن تطبيقها بعيداً عن تحويلها إلى أداةٍ قمعية وقناعٍ سلطوي، كما هي الحال في الأنظمة الشمولية العربية، بما فيها النظام السوري الذي حولها إلى مجرد تكتيكٍ يشكل امتداد لخطاب "الحرب على الإرهاب"؟
(3): كيف يمكن للمواطنة التي تقوم على المساواة في الحقوق، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو المذهب، وتحت حماية القانون، أن تغدو بديلاً عن الطروحات الدينية والإيديولوجية الأحادية؟ وهل من الضرورة أن تغدو كذلك ولماذا؟ وهل من بدائل عن العلمانية حال كانت غير ضرورية، سورياً وعربياً، وما هي؟
يدعوكم كلٌّ من "حكاية ما انحكت" و"صالون سوريا" و"جدلية" التعبير عن آرائكم وتصوراتكم حول الأسئلة المطروحة أعلاه، وتقديم وجهات نظركم لإغناء الموضوع وتوسيع دائرة الحوار.