(هذا المقال جزء من سلسلة مقالات عن التصوير السوري والمصورين السوريين. بتمويل من مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية)
قد تذكر كتب التاريخ المستقبلية أنّ الثورة السورية والحرب اللاحقة كانتا من بين الأكثر توثيقًا على الصعيد البصري في التاريخ الحديث، وأنّ المصوّرين السوريين كانوا من الأكثر وفرةً في أعمالهم.
غالبًا ما تُستهلك الصور بسرعة، في غياب أسماء وإسنادات، أو يتصفّحها المتفرّج باستعجال، من دون أن يتفاعل معها على الإطلاق أو بدرجة بسيطة. في معظم الأحيان، لا نعطي الصور الوقت الكافي لنفكّر فيها، وفي معناها، وفي سبب التقاطها أساسًا. وينطبق هذا الموضوع خصوصًا على السياق السوري.
ثمّة بعض الصور المؤلمة والمؤثرة التي انطبعت في أذهان ناس شاهدوا تبلوّر الأزمة السورية، مثل صورة الطفل إيلان كردي وجثته الهامدة راسيةً على شاطئ تركي، وصور الطائرات من دون طيار لمستشفيات ومدن متفجّرة، وطوابير الناس السائرين نحو الشمال ثمّ نحو الغرب. لكن، لا تعكس هذه الصور جميع مكنونات سوريا، وبالنسبة لسوريين عديدين، لن تكون هذه الصور فقط تلك التي تحدّد بلدًا أو جيلًا على الإطلاق.
خلال الأشهر الستّة المقبلة، سنعمل في "حكاية ما انحكت" على مشروع جديد أطلقناه. سنتعرّف على مصوّري سوريا في سلسلة من المقالات التي تركّز على الصور بإسم "سوريا تحت المجهر" SyriaInFocus. سنتحدّث إلى مصوّرين سوريين عن أدوارهم في توثيق الثورة والحرب، كما سنستعيد صورًا لسوريا قبل النزاع، وسنلامس مواضيع مثل الذاكرة، والتوثيق، والبروباغندا، والحنين. ستضمّ السلسلة مقالات طويلة تنتقد الأعمال البصرية، ومقابلات، ونقاشات مع المصوّرين. كذلك، ستشمل حكايات صورية من إعداد مصوّرين سوريين حول الصور التي تحمل معنى عميقًا بالنسبة إليهم، مع شرح ذلك بكلماتهم الخاصّة. سنستمع إلى سبب ترك هذه الصور أثرًا فيهم وعمّا يجعلها شخصية إلى هذا الحدّ.
ترمي سلسلة "سوريا تحت المجهر" إلى إخراج بعض الصور من السياق العام الدائم التدفّق، سواء في الأخبار أو على وسائط التواصل الاجتماعي، وفصلها، وتمكيننا من التوقّف والتفكير فيها بصوت عالٍ معًا.
في عصر المعلومات والتضليل الإعلامي، لم يسبق أن صادفنا زمنًا أهمّ لتفكيك الصور ودراسة السياق الذي التُقطت فيه، وفي بعض الأحيان، السياق الذي نُشرت فيه لاحقًا ليتلقّاها الرأي العام. سنتطرّق إلى مواضيع شخصية وعامة وسنستعرض صورًا ملفتة بالفعل.
نأمل أن تكون هذه السلسلة التي سننشرها نقطة الانطلاق لإثارة النقاشات، وربما لمنح نظرة عن الآراء الشخصية عن العالم للمصوّرين السوريين الذين التقطوا بعض أكثر الصور تأثيرًا عن البلد والنزاع. نرغب أن تكون هذه الفسحة، على الرغم من اقتصارها على الفضاء الافتراضي حتى الآن، مكانًا يمكننا أن نناقش فيه العملية الفوتوغرافية، والمسائل الأخلاقية التي نواجهها كمجتمع مصوّرين سوريين، ونريد أن نجتمع لنرقى بالحديث بين المصوّرين إلى ما هو أبعد من التصوير السوري. كذلك، نأمل أن تشكّل السلسلة مصدر إلهام لتكاثر مساحات أخرى تجمع بين الناس وتحثهم على تناول المسائل المهمّة لمجتمعنا.
يتميّز المجتمع السوري المصوّر للأفلام الوثائقية بشبابه، وعلى الرغم من تناثرهم في الشتات حول العالم وخوضهم غالبًا لظروف صعبة ومختلفة، ثمّة حاجة متزايدة إلى توحيدهم في مساحة يمكن أن يعتبروها مساحتهم الخاصّة التي تنطق بلغتهم وبلغة الصور العالمية، والتي تعكس هويتنا كمواطنين في الإنسانية أوّلًا وفي مجتمعنا الفوتوغرافي الذي ننتمي إليه.