جولة موسيقيّة في "سوريا الصغيرة"

عن أغنيات الحنين قبل قرن من الزمن في "سوريا الصغيرة" في نيويورك


تضمنت الأغاني التي قدمها الموسيقيون السوريون في مدينة نيويورك منذ عام 1913 وحتى أربعينيات القرن الماضي قصائد مسجلة وأغاني شعبية جلبوها معهم من بلادهم إضافة إلى مؤلفات أصليّة تحكي عن الخسارة والحب والولع بالأقارب والإيمان بالله والطعام. ربطتهم الأسماء والألحان والنغمات والإيقاعات بجذورهم وشكلت النوستالجيا الخاصة بهم وحنينهم إلى ما تركوه وراءهم.

12 آذار 2021

ريتشارد م. برو

أستاذ مشارك في جامعة ويسكونسن لاكروس متخصص في دراسات الأقوام والشعوب، وهو جامع تسجيلات ومؤسس “ميدويست مهجر، تسجيلات الإصوات السوريّة اللبنانيّة على اسطوانات 78 دورة في الدقيقة” وهي مدونة تركز على الموسيقين من أصل عربي في الولايات المتحدة الأمريكيّة قبل سنة 1961.

Translated By: دلير يوسف

لن تجدوا أيّة إشارة في شارع واشنطن، في مانهاتن السفلى، بين مرآب باتري بارك وشارع ألبيني، تدّل على أنّ هذه المنطقة كانت في يوم من الأيام موطنًا لواحد من أكبر مجتمعات السوريين في الولايات المتحدة.

مجموعات مثل "مجتمع شارع واشنطن التاريخي" عملت بلا كلّل للحفاظ على المباني الثلاثة المتبقيّة: واجهة كنيسة القديس جورج (والآن تُسمى "حانة سانت جورج") ومبنى قديم  ومركز مجتمعي سابق، والتي كانت قائمة خلال ذروة "الحيّ السوريّ" أو سوريا الصغيرة في مدينة نيويورك،.

الدليل الوحيد المتبقي الآن، والذي يربط هذه الأبنية الثلاثة بسوريا الصغيرة هو حجر الزاوية في حانة سانت جورج. وهو حجر من الرخام محجوب بأنابيب موصولة بشكل عشوائي من طرف الشارع، نُقش عليه اسم "كنيسة سانت جورج السوري أر. سي".

منذ العام 1890 وحتى العام 1940، كان حيّ "سوريا الصغيرة" يمثل المستعمرة الأم للمجتمعات السوريّة واللبنانيّة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كان نصف القطر المكون من ثلاثة مربعات سكنيّة حول شارعي واشنطن وريكتور موطنًا للصحف والمجلات والمطاعم ومحلات المجوهرات والبنوك والحلاقين ومحلات البقالة والكنائس والمسجد ومتاجر التسجيلات. عاش جبران خليل جبران وكتب هناك وساهم في إعادة تأسيس "رابطة القلم" مع مؤلفين سوريين ولبنانيين آخرين. ذاك ما كان يُعرف بــــــــــ"المهجر"، الشتات العربي في أمريكا.

كان الباعة المتجولون يجرون عربات فواكه طازجة، ويبيعون المشروبات الباردة من الحاويات الكبيرة للمارة في طريق التسوق اليومي. وفي الصيف، كان الأطفال الأكبر سنًا يراقبون ويدفعون ويسحبون أشقائهم الصغار في عربات الأطفال بينما يتجمع الرجال لتدخين الأرجيلة. وَفَرَتْ شوارع سوريا الصغيرة مكانًا للراحة بين الأحياء المزدحمة في شارع واشنطن.

داخل شوارع سوريا الصغيرة كانت هناك ثلاث شركات تسجيل عربيّة أمريكيّة: شركة معلوف فونوغراف في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، شركة إ.ج. مقصود للفونوغراف بين عامي 1910 و 1930، وتسجيلات علم فون في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت، وكانت من بين أكثر شركات التسجيلات شهرة.

ملأت هذه الشركات فجوة ثقافية مهمة حين قلصت شركتا الفونوغراف الكبيرتان في الولايات المتحدة، فيكتور وكولومبيا، بحلول العشرينيات من القرن الماضي من تسجيل وبيع الموسيقى العربية. 

الروزانا... مجاعة، وسفينة، وأغنية شعبية عبرت الحدود

12 شباط 2021
لا أحد يعرف تحديدًا من أين جاءت الأغنية الشعبية الشامية الشهيرة "عَ الروزانا"، سواء تصاعدت أنغامها من سفينة إيطالية تحمل الطعام خلال المجاعة الكبرى في لبنان، أو من قصّة حب...

كانت شركات، مثل "بيضافون" ومقرها بيروت، تسجّل لموسيقيين سوريين ومصريين وتبيع تسجيلاتهم الموسيقيّة في الوطن وفي جميع أنحاء الشتات في أوائل القرن العشرين، لكن هذا الأمر قد بدأ بالتغيير وذلك بحلول العقد الأول من القرن العشرين، حين بدأ موسيقيو المهجر في الولايات المتحدة بتسجيل الموسيقى بأنفسهم، وتقديمه لجمهور المهجر.

تضمّنت الموسيقى التي قدمها فنانو المهجر في مدينة نيويورك منذ العام 1910 وحتى الثلاثين عامًا التالية قصائدًا مسجلة وأغنياتٍ شعبيّة من الوطن ومؤلفات أصليّة تحكي عن الخسارة والحب والحنين إلى الأقارب والإيمان بالله والأطعمة المفضلة في الوطن، وربطتهم الأسماء والألحان والنغمات والإيقاعات بجذورهم وشكلت حنينهم إلى ما تركوه وراءهم.

كان هناك الكثير مما يمكن أن يشتاق إليه المرء، حتى قبل مغادرة الوطن، أو ما كان يعرف آنذاك بسوريا العثمانيّة، ما يشكل اليوم كلّاً من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، حيث كانت صناعة الحرير في المنطقة وغيرها من الحرف في تراجع مستمر وكان عدم الاستقرار السياسي والفقر في ازدياد.

سرعان ما وجد الآلاف من الرعايا العثمانيين السابقين أنفسهم في مدن نيويورك وبوسطن وديترويت. لقد بحثوا عن عمل جديد، أو عن مجرد فرصة ليكونوا باعة متجولين، وربما أمكنهم أن يبدأوا متاجرهم وأعمالهم التجاريّة الخاصة في يوم من الأيام. نزلوا من القوارب والقطارات في أماكن بعيدة عن الوطن، وبعيدة عن الثقافات واللغات التي يتذكرونها على أنّها ثقافات ولغات مألوفة.

كان ألكسندر معلوف يبلغ من العمر الثانية عشرة سنة 1894 حين تركت أمه وإخوته وأخواته بلدته الأم، زحلة، الواقعة اليوم في لبنان. كانت عائلة معلوف بكلّ تأكيد من الطبقة الوسطى. إحدى جوانب ازدهارهم النسبي كانت اهتمامهم بحركة الفنون والأدب التي سيطرت على مصر وعلى سوريا الكبرى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ما صار يُسمى لاحقًا بالنهضة العربيّة.

كما تزامن وصول المهاجرين من سوريا الكبرى مع ازدهار آلات الجراموفون وأسطوانات الفونوغراف وتسجيلات الأقراص المسطحة. وفيما كان الموسيقيون العرب في القاهرة وبيروت يقومون بتسجيل الموسيقى طوال تسعينيات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بدأ ألكسندر معلوف، على بعد آلاف الأميال، بتأليف ونشر موسيقى البيانو في سوريا الصغيرة.

خلّونا الليلة تَ نقول للحزن ماله مطرح

18 شباط 2021
يغوص دلير يوسف في ذاكرته ويسرد في هذا النص الأغنيات التي كان يسمعها حين كان طفلًا في مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا، فيقول إنّ هذه الأغنيات جعلت المدينة أجمل وإنّ...

خلال سنوات قليلة، نشر معلوف مزيدًا من الموسيقى، وتزوج، وتعاون مع الموسيقي جوزيف هينيوس Joseph Henius، وقدّم دروسًا في العزف على البيانو داخل وخارج المجتمع السوري في نيويورك. منذ طفولته، كان معلوف مستمعًا للموسيقى العربيّة التقليديّة مثل المواويل، وأشكال الموسيقى الشعبية العربية مثل العتابا، وجرب دمجها مع موسيقى المارش الأمريكيّة، وموسيقى الفوكستروت وموسيقى الراجتايم.

في هذه الأثناء، وبحلول العام 1907، افتتح الموسيقي إبراهام ج. مقصود، والذي كان يبلغ من العمر 29 سنة آنذاك والذي صار يستخدم اسم إ. ج. مقصود، متجرًا لتسجيل الفونوغراف في سوريا الصغيرة. كان قد مرّ أقل من عقد على وصوله إلى الولايات المتحدة لأول مرة. معظم تسجيلات متجره كانت عبارة عن موسيقى عربيّة مستوردة إلى الولايات المتحدة، ومسجلة لأشخاص في الوطن، في سوريا وأماكن أخرى من العالم العربي. كما بدأت كلّ من تسجيلات كولومبيا وتسجيلات فيكتور بتسجيل أغنيات الموسيقيين المشرقيين بغرض بيعها للمهاجرين العرب في الولايات المتحدة، ولكن حتى أواخر عام 1911، لم يُسجّل أيّ مهاجر عربي أو عثماني إلى الولايات المتحدة خصيصًا لجمهور المهجر.

وكان هذا على وشك أن يتغير.

في 24 تموز 1913، سجل ألكسندر معلوف، وكان قد أصبح كاتب أغنيات ومؤلفًا موسيقيًا بارعًا، مقطوعة البيانو المنفرد B 13834-1, #17443 Al-Ja-Za-Yer (الجزائر) لصالح شركة تسجيلات فيكتور Victor Talking Machine.

وعلى الرغم من أن معلوف أصبح مواطنًا حاصلًا على الجنسية في العام السابق وهو يتحدث العربيّة والإنجليزيّة على الأقل، قرر فريق التسويق في شركة فيكتور أنّ الاسطوانة ستطبع باللغة الإنجليزية فقط. المؤشر الوحيد للإشارة إلى الخلفيّة العرقيّة لمعلوف على اسطوانته الأولى كانت كلمة "سوري" المطبوعة مقابل كلمة "بيانو منفرد".

جعله تسجيله الأول مرشدًا موسيقيًا للشرق الأوسط ورائدًا ثقافيًا وسفيرًا ناشئًا للحنين إلى الماضي. أشارت أغنياته إلى كلّ شيء من بلاد الشام: الموسيقى والطعام والمشاهد والأصوات والبشر وطرق رؤية العالم وفهمه.

ظل عدد المسلمين السوريين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة صغيرًا نسبيًا خلال الموجة الأولى من الهجرة من عام 1880 إلى عام 1941.

ومع ذلك، في العام 1916، سجلت شركة كولومبيا اسطوانة لأحد المهاجرين المسلمين السوريين وهو محمد زين الدين. ولد زين الدين في حمص في سوريا في العام 1892 ، ووصل إلى نيويورك في 6 مايو 1912 وبحلول خريف عام 1916، كان قد سجّل سبع أغنيات على ستة أقراص مزدوجة الوجه لصالح شركة كولومبيا بما في ذلك أحد التسجيلات الأولى للآذان (Columbia E3383, #44511) في الولايات المتحدة.

بينما أصبح معظم المهاجرين العرب مواطنين مجنسين مستقرين في الولايات المتحدة، عاد بعضهم مثل جورج عزيز وإلياس ورديني وجيرمانوس شحادة (1872-1934) ومحمد زين الدين إلى لبنان أو سوريا. مثلًا عاد محمد زين الدين إلى حمص، حيث توفي في العام 1972.

ومع ازدياد عدد المهاجرين العرب والموسيقيين العرب الأمريكيين على قوائم شركتي كولومبيا وفيكتور، قرر إ.ج. مقصود أن يفتتح متجرين للتسجيلات، أحدهما في شارع برودواي في البناء رقم 52، والثاني في شارع واشنطن في البناء رقم 89.

نمت سوريا الصغيرة بشكل ملحوظ مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ودخول الولايات المتحدة في الصراع، أما في الوطن، فقد كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة في طور التفكك بعد أن تحالفت مع ألمانيا، ولبنان ينزلق في المجاعة حيث لقي ما يقرب من ثلاثين بالمئة من السكان حتفهم نتيجة لذلك.

وعلى الرغم من أنّ معظم الموسيقيين الأمريكيين من أصول سوريّة ولبنانيّة تجنبوا الخدمة العسكريّة خلال الحرب العالمية الأولى، فقد خدم مغني معلوف المستقبلي أنطوني شبطيني (1893-1955) مع 15000 عربي أمريكي آخر في الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، جُند مغني تسجيلات كولومبيا محمد زين الدين  في الجيش العثماني قبل الحرب العالمية الأولى لمدة ثلاثة أشهر.

شهدت عشرينيات القرن الماضي الحقبة التي فقدت فيها تسجيلات فيكتور وكولومبيا احتكارهما لتقنية "تسجيل القطع الجانبي"، ولكنها أيضًا كانت الفترة التي قلصا فيها جهودهما لتسجيل وإصدار موسيقى جديدة باللغة العربيّة. ولملء هذا الفراغ في الصناعة وبضربة من عبقريّة ريادة الأعمال، أنشأ عازف البيانو والملحن ألكسندر معلوف علامته الموسيقية الخاصة. حافظ معلوف على وتيرة متقنة في الظهور على الراديو، حيث كان يدير شركة التسجيلات الخاصة به، ويؤلف الأغاني ويبيع النوتة الموسيقيّة للناشرين.

في أكتوبر 1923، سجل معلوف أخيرًا أغنية "Egyptian Glide"، والمقطوعة الثانية "Pharaoh" عن طريق شركته الخاصة "Gennett Records". وعلى الرغم من توقفها الطويل عن التسجيل للفنانين السوريين الأمريكيين، إلا أنّ تسجيلات فيكتور توكينج ماشين Victor Talking Machine قامت في العام 1926 بإعادة معلوف مرة أخرى إلى استوديوهاتها، هذه المرة مع أوركسترا أكبر، بهدف تسجيل مقطوعة "Desert Wail" ومقطوعة "كردستان". هذه المقطوعات  تم إصدارها بالأصل من قبل علامة تسجيلات معلوف في العام 1924، وكانت بمثابة تحية إكرام من معلوف للتغييرات السياسيّة الحاصلة في الشرق الأوسط، حيث فشلت الجهود لإنشاء مملكة كردستان والحفاظ عليها وعلى حكمها الذاتي وسقطت، مثل معظم المناطق في الشرق الأوسط والمنطقة، تحت السيطرة المُلزمة.

تحت اسم علامته الموسيقيّة التي تحمل اسمه، سجّل معلوف للفنان إلياس ورديني والذي كان يعمل سابقًا مع تسجيلات فيكتور، والذي أصبح أحد أشهر المغنين في الشركة. لطيفي عبدو، الشخص الأقل شهرة، سجل 23 أغنية عبر 19 اسطوانة لصالح تسجيلات معلوف، بما في ذلك تسجيل "في أرض أجدادي". وبلا شك، لاقت تلك الأغنيّة صدى عند المهاجرين السوريين الذين اشتاقوا للوطن أو انتظروا بفارغ الصبر الأخبار القادمة من الوطن.

كما سجل زميلا معلوف الموسيقيان إبراهيم إدوارد عبدو ولويس ورديني المولودان في لبنان أغانٍ فرديّة حول العودة إلى الوطن أو تبجيل سوريا باعتبارها الوطن الأم. في حوالي العام 1927، سجل عبدو مقطوعة "معلوف # 950-951 طيارة" (خذني إلى بلدي بالطائرة).

كانت أول رحلة تجارية عبر المحيط الأطلسي قد أقلعت قبل ثماني سنوات فقط، في عام 1919، ومع ذلك كانت الفكرة منتشرة على نطاق واسع في العام 1927، حيث كان ذلك هو العام الذي قام فيه الطيار تشارلز ليندبيرغ بأول رحلة فرديّة عبر الأطلسي. ومن المفارقات الساخرة إنّ عبدو حصل على  الجنسية الأمريكية عام 1927. ربما كان بأغنيته يحتفل ويحزن للتغيير الذي أصاب حياته.

أسس فريد علم الدين (والذي عُرف باسم فريد علم) آخر شركة تسجيلات في سوريا الصغيرة. لسنوات طويلة، كان المؤرخون والباحثون في موسيقى الشعوب، وحتى أكثر المتخصصين، يُفترضون أن معلوف ومقصود كانتا شركتا التسجيلات العربيّة الأمريكيّة الوحيدة في شارع واشنطن، في قلب مانهاتن.

لكن خلال أزمة "الكساد الكبير" الاقتصاديّة التي شهدت إغلاق معلوف ومقصود لعلامتيهما التجاريّة بحلول عام 1935، افتتح فريد علم متجره وأطلق علامته التجاريّة "تسجيلات علم فون" في البناء رقم 81 في شارع واشنطن.

بحلول ذلك الوقت، فعليًا كانت سوريا الصغيرة ككلّ في حالة من الانحدار. وما إذا كان علم قد اشترى شركة أ.ج. مقصود أو أنّه قد أفتتح متجرًا جديدًا فإنّ مقالًا صحفيًا نشر في العام 1935 قد أشار إلى أنّ: 

موسيقيون على الجبهة

03 كانون الثاني 2019
ما الذي يفعله الموسيقيون حين يجدون أنفسهم فجأة داخل الحرب؟ كيف يتصرفون؟ وماذا تفعل اليد التي كانت تعزف الموسيقا حين تحمل السلاح وتجد نفسها فجأة وسط معركة لا ناقة ولا...

"الحيّ السوري في البلدة، والذي كان لسنوات يتباهى بكونه واحدًا من أكبر مراكز الموسيقى في البلاد، قد اختفى عمليًا. أشهر ما تبقى في شارع واشنطن أسفل باتري بارك، متجر "ألفريد علم" لأسطوانات الجراموفون الشرقيّة. ربما تكون أعمال تسجيلات الفونوغراف الخاصة بـ"علم" هي الوحيدة من نوعها والتي لم تتقلص أعمالها بسبب الراديو ، حيث يستورد تسجيلات من ألمانيا لفنانين سوريين ليلبي طلبات مواطنيه في أمريكا".

بعد ثلاث سنوات، أشارت قصة أخرى بعنوان "نيويورك يومًا بعد يوم" إلى شارع واشنطن "الغريب بشكل غامض" و"المزدحم بأناس من ولايات الشرق الأدنى".

حظي مطعم "النيل" السوري الصغير ومطعم "ابن الشيخ" باهتمام خاص، وكذلك فعل متجر "ألفريد علم". أشارت الصحف إلى "أكوام تسجيلات الفونوغراف المصريّة والسوريّة في متجر أ. علم. فونوغرافات محمولة ذات تصميمات غريبة، مع اتجاهات كاملة مزينة بصور لمطربين وممثلين وسيمين من الشرق".

ومع ذلك، ذكرت نفس المقالة أيضًا التغييرات التي ستعني قريبًا زوال سوريا الصغيرة، حيث بدأت برامج التطوير والتجديد في البناء في الجانب الغربي السفلي في مانهاتن.

كان بناء نفق بروكلين-باتري في الأربعينيات من القرن الماضي يعني تدمير المساكن التي كانت تؤوي في يوم من الأيام الآلاف من المهاجرين الجدد والسوريين الأمريكيين. اختفت المباني التي احتوت على العديد من الأعمال التجاريّة وأماكن الاجتماعات في المجتمع بشكل مطرد، ولم تعد أبدًا. غادر السكان السابقون، واستقروا في حيّ بروكلين السوري القريب وفي أماكن أخرى. لقد تلاشى مركز  الحياة السوريّة الأمريكيّة لفترة طويلة ولم يتبق سوى القليل من الآثار، باستثناء التسجيلات الموسيقيّة التي انتشرت لاحقًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، منتقلة من مالك إلى آخر.

مقالات متعلقة

أنا وياك وحرب الأغاني

19 كانون الأول 2018
إلى جانب الحرب المسلّحة التي شهدتها سورية بين مؤيدي النظام ومعارضيه، كان هناك حرب من نوع خاص، إنها حرب الأغاني، إذ كلما ظهرت أغنية يرد عليها الطرف الآخر بأغنية مضادة....
الثقافة الشفوية والهوية في سورية (ملف)

15 أيار 2018
كيف يتحدث العلويون عن السنة والدروز والمسيحيين داخل نطاق المشيمة العلوية، وكيف يتحدث السنة عن العلويين والدروز والمسيحيين ضمن نطاق مشيمتهم، وأيضا كيف يتحدث الأخيرون عن غيرهم؟ ونفس الأمر فيما...
مقدمة الملف: الكويرية والثورة: نحو أرشيف سوري بديل (الجزء الأول)

29 أيلول 2020
كيف ستبدو ذاكرة سوريا البديلة إذا ما أخدت على محمل الجد تجارب وقصص و آراء وتحليلات ومقاربات أفراد مجتمع الميم – عين في سوريا وفي الشتات؟ كيف لنا أن نقارب...
إشكالية الأغنية المحايدة

14 تموز 2018
يصبح ظهور سيلفادور دالي مع الجنرال ديكتاتور إسبانيا الفاشية، فرانكوا، في صورة ودية ودعم فايا يونان وأختها لنظام القتل في سوريا ظهوراً متوقعاً، وعلى اتساق مع طبيعة الفن-الأغنية المحايدة، فالحياد...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد