عرفت الحركة المسرحيّة السوريّة في لبنان نشاطًا ملحوظًا مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين، فعرفت ذروتها بين عامي 2012-2015، فعقدت مهرجانات (منمنمات شهر لسوريا، 2013)، (منصة المسرح العربي أغورا، 2014)، دون أن تذوي بشكل تام بعد هذا التاريخ، فأقيم في العام 2016 ملتقى (ابتكر سوريا)، وكذلك ملتقى (على حافة التغيير، 2019)، كما أحصي ما يقارب الخمسة عروض مسرحيّة العام 2018. بينما يصعب تقييم السنة الماضية والحاليّة بسبب الإجراءات المتعلقة بمواجهة فيروس كوفيد-19. لكن حضور الفنانين/ات السوريين/ات في لبنان، بدأ بالتراجع منذ العام 2015 وصولًا إلى اليوم، بسبب انتقال عدد كبير منهم/ن إلى بلدان أخرى.
تتطلب متابعة الإنتاج المسرحي السوري أو الحركة المسرحيّة السوريّة في لبنان خلال السنوات العشرة الماضيّة دراسة مستفيضة متخصّصة للبحث عن الإحصائيات والأشكال المسرحيّة التي هيمنت أو تلك التي برزت في لبنان بشكل خاص، عدا عن الأسئلة المتعلقة بالجانب الفني والإبداعي والتيارات المسرحيّة السائدة، وخصوصًا أنّ الأنشطة المسرحيّة تنوعت بين أشكال متعددة: مهرجانات، ملتقيات، ورشات العمل في الكتابة والتمثيل والإخراج، القراءات المسرحيّة، والعروض المسرحيّة التفاعليّة والاحترافيّة. لذلك، سيسعى هذا النص للاكتفاء بالأشكال والتيارات المسرحيّة الأساسيّة.
تعدّدت الأشكال المسرحيّة للإنتاج السوري في لبنان بين مسرح الحكواتي، مسرح خيال الظل، مسرح الدمى، مسرح متعدّد الوسائط، والمسرح الحركي. وتنوعت المدارس والتيارات التي تنتمي إليها العروض المسرحيّة، منها: المسرح التفاعلي، المسرح الواقعي، المسرح الوجودي والعبث والمسرح الفانتازي. كذلك شملت الموضوعات المسرحيّة كلّ الموضوعات التي استجدت مع التجربة السياسيّة والاجتماعيّة التي تعيشها سوريا منذ العام 2011، فتناولت المسرحيّات الموضوعات الأساسيّة للمرحلة مثل: الانتفاض السياسي، التظاهر، القمع، الاعتقال، حضور السلاح، الدمار، النزوح القسري والهجرة. وبرزت خصوصًا موضوعة تحرّر المرأة والعدالة الاجتماعيّة.
الإلهام المسرحي من حكايات المهمشين
لعلّ المشاريع المسرحيّة التي استمدت موضوعاتها من الفئات الاجتماعيّة مباشرةً، أو شاركت هذه الفئات في تأليف نصوصها، وصولًا إلى أداء الأدوار فيها، كانت واحدة من أكثر الأشكال المسرحيّة السوريّة انتشارًا في لبنان، وقد تراوح توصيفها بين مسرح المهمشين، مسرح المضطهدين، المسرح التفاعلي، أو مسرح اللجوء لأنّها غالبًا ما عملت مع موضوعات ومجتمعات اللجوء السوري في لبنان. فنتج عن بعضها عروض مثل (خيمتنا، 2014) في ورشة كتابة تفاعليّة مع شبان هواة من نادي مخيم البرج، كتب عنه (عمر الجباعي): "الممثلون هم من اختاروا موضوعات العرض، والمفارقة تكمن في أنّهم لم يختاروا الحديث بشكل مباشر عن اللجوء أو عن العنف أو عن العنصريّة أو عن المساعدات، وهي من الموضوعات التي يعانون منها جميعًا، بل اختاروا موضوعين حياتيين يعكسان كلّ ذلك دون الحديث عنه مباشرة، فاكتفوا بالحديث عن الحب وعن الملل". وفي هذا الإطار يأتي عرض بعنوان (ألف خيمة وخيمة، 2014)، الذي قدّم المشاركون فيه حكايات متعلقة بقرار السلطات اللبنانيّة إغلاق مخيم المرج في منطقة البقاع، حيث كان على ساكني الإثنين وأربعين خيمة أن ينتقلوا خلال مدة قياسيّة خارج المخيم إلى مصير مجهول، لذلك تركزت نصوص هذه الورشة على حكايات المكان، الذاكرة، الانقياد إلى المجهول. كتب عنه (عمار أبو حامد): "تركز المرويات على الحميميّة التي نشأت بين أهل المخيم وعلاقاتهم اليوميّة، وشخصياته البارزة. إنّ الحزن المستبطن في قراءات "ألف خيمة وخيمة" هو نابع عن فراق المخيم والابتعاد عن الذكريات. قدّم العرض الروايات الإنسانيّة على ألسنة مختبريها الحقيقيين على خشبة المسرح".
تعدّدت الأشكال المسرحيّة للإنتاج السوري في لبنان بين مسرح الحكواتي، مسرح خيال الظل، مسرح الدمى، مسرح متعدّد الوسائط، والمسرح الحركي. وتنوعت المدارس والتيارات التي تنتمي إليها العروض المسرحيّة
مسرحيّات مبنية على تقارير حقوق الإنسان
كذلك، تميزت تجربة (ورشة سيناريو) في هذا النوع المسرحي، حيث حققت عرضًا بعنوان (التحولات، 2018) مع مجموعة من الشبّان والشابات بين 15 و20 سنة من لبنان وسوريا وفلسطين. ودمج العمل رواية (التحولات، فرانز كافكا) وبين نصوص كتبها المشاركون/ات، والتي تناولت موضوعات: التمييز وهويّة اللاجئ، وثقافة المخيّم، وسلطة العادات والتقاليد للمجتمع البطريركي. وفي العام 2020، أنجزت (ورشة سيناريو) عرض بعنوان (بالنص، كتابة 17 امرأة سوريّة ولبنانيّة)، في الحكاية، تقرّر 17 امرأة سوريّة ولبنانيّة السفر إلى القمر، للخلاص من شروط العيش الأرضية. وبينما نتابع رحلتهم المستحيلة تروى حكايات النساء السوريات في حال اللجوء اللبناني، ويركز العرض على صعوبة العيش في حال من عدم اليقين بين العودة المستحيلة إلى الماضي، والعوائق والمجهول الذي يحيق بالمستقبل. ونذكر أيضًا (حرير، 2020) هو عرض مسرحي قدّمته مجموعة من النساء السوريات النازحات إلى لبنان، بعد تدريبات على بناء القصة والعالم القصصي، وصولًا إلى الوقوف على خشبة المسرح للأداء. تكتب عنه المخرجة (سارة زين) في البيان المرافق للعمل الفني: "كما تنسج النساء الحرير بصبر، نسجن عالمهن وحكين حكاياتهن في هذا العرض". يتناول العرض حكايات النساء في عالم اللجوء من غياب الأزواج، من الرقابة على الحب والمشاعر، من الحنين إلى الذاكرة والأماكن القديمة. ونذكر في هذا الإطار عرض (خيالات، 2018) الذي يتميّز بكونه مبادرة مبتكرة لتحقيق عرض مسرحي انطلاقًا من تقارير منظمات حقوق الإنسان. حيث انطلق المخرج (ساري مصطفى) من شهادات موثّقة لقريبات المختفين السوريّين منذ 2011، سواء المعتقلون منهم لدى النظام أو المخطوفون أو المفقودون الذين ظلّ مصيرهم مجهولًا. يستند العرض إلى تقرير أصدرته منظّمتا "دولتي" و"النساء الآن" بعنوان (خيالات المختفين: شهادات لقريبات المختفين السوريين المنسيين في بحر الفقد واللا يقين).
المسرح في سرد الحكاية
واحدة من أبرز الموضوعات المسرحيّة التي شملت الإنتاج المسرحي السوري منذ العام 2011، ليس ذلك المنتج في لبنان فقط، هو موضوعة كيفيّة سرد الحكاية السوريّة. باكرًا تناول المسرحي (وائل علي) هذا السؤال في عرضه (ما عم أتذكر، 2014)، وذلك عبر الغوص في ذاكرة معتقل سياسي سوري أطلق سراحه في التسعينيات، ومن خلال المقابلة المباشرة معه على المسرح ليبيّن انتقائية الذاكرة وعدم جدوى الاعتماد عليها في توثيق الحكاية. بينما يحاول المخرج (رأفت الزاقوت) في مسرحيّة (العرس، 2014) أن يلجأ إلى تقنيات مسرح الحكواتي ومسرح الدمى لرواية الحكاية، فيفتتح العرض بالحكواتي ينادي: "قصتنا قصة وشو قصة، قصة مجبولة بكلّ غصة، قصة وحكاية وحتوتة، قصة الواطي والعالي، قصة بلاد وعباد، قصة محفوظة برزنامة، قصة مكتوبة بدفتر، واتذكر يا سوري أتذكر". أمّا عن ربط الحكاية بالذاكرة، فيروي عرض (توتة توتة بلشت الحتوتة، 2015) للمخرج (وائل قدور) حكاية السوري (هادي) الذي استيقظ فاقدًا للذاكرة في لبنان، والذي يحاول أن يستجمع حكاياته من خلال نص مسرحي عثر عليه بين أوراقه، ليصبح البحث في ذاكرة الشخصيّة هو البحث عن الحدث السوري السياسي الاجتماعي. وفي تجربة أخرى يعتمد الكاتب نفسه على نصوص المسرح العالمي، كما هو الحال في عرض (الاعتراف، 2018) إخراج (عبد الله الكفري)، حيث يعالج موضوعة الضحية والجلاد مستندًا إلى نص (الموت والعذارء، 1990، للكاتب التشيلي آريل دورفمان).
تجربة الثنائي (محمد العطار، دراماتورج) (عمر أبو سعدة، إخراج) تمخضت عن ثلاثة عروض تذكر في هذا الإطار. يروي عرض (فيك تتطلع بالكاميرا؟، 2011) حكايات معتقلين في السجون وممارسات التعذيب من خلال حكاية الشخصيّة الرئيسيّة (نورا) التي تحاول تحقيق فيلمها الأول من شهادات المعتقلين، وعبر رحلتها في تحقيق فيلمها، نقرأ في النص ونرى على الشاشة في العرض شهادات معتقلين جمعها الكاتب من تجارب اعتقال في شهور الانتفاضة السوريّة الأولى، وأوجد الحامل السردي من خلال حكاية (نجلا) التي تسعى لإخراج فيلمها من شهادات الاعتقال. أمّا في عرضيهما (نساء طرواديات، وأنتيغون، 2015) فقد عملا على الدمج بين الشهادات الشخصيّة للنساء اللاجئات والنصان المسرحيان العالميان بنفس العنوان للإغريقي (سوفوكليس)، لتندمج في هذه التجربة حكايات الشخصيّات التراجيديّة الإغريقيّة بشهادات وحكايات النساء في الراهن السوري في لبنان.
لكننا نلحظ غياب المسرح الوثائقي بمعناه الذي أرساه (هاينر كيبهارت) في مسرحيّة (قضية روبرت أوبنهايمر)، والذي يعرفه بالمسرح الذي يستعمل فيه التقارير، محاضر التحقيق، ملفات إداريّة، ورسائل وإحصائيات، وذلك ليس في كتابة المسرحيّة فقط، بل يعرضها على الجمهور خلال السرد المسرحي.
لكننا نلحظ غياب المسرح الوثائقي بمعناه الذي أرساه (هاينر كيبهارت) في مسرحيّة (قضية روبرت أوبنهايمر)، والذي يعرفه بالمسرح الذي يستعمل فيه التقارير، محاضر التحقيق، ملفات إداريّة، ورسائل وإحصائيات، وذلك ليس في كتابة المسرحيّة فقط، بل يعرضها على الجمهور خلال السرد المسرحي. وهو مسرح نادر الوجود في المسرح العربي عمومًا، والعرض الوحيد الذي ينتمي بدقة إلى هذا النوع لم يكن عرضًا سوريًا، وإن كان عن قضية يتعلق بالاستغلال السوري في لبنان، هو بعنوان (لا عرض لا طلب، 2019) قدمته المخرجة المسرحيّة اللبنانيّة (سحر عساف) مع مبادرة العمل المسرحي في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وتناول العرض قضية أكبر شبكة للدعارة والاتجار بالبشر في لبنان، استغلت الشبكة 75 امرأة سوريّة، وقد وظف هذا العرض تقنيات المسرح الوثائقي.
المسرح الواقعي في التعبير عن الآن وهنا
لجأ الكثير من الكتاب ومخرجي المسرح السوريين في لبنان إلى المسرح الواقعي لإيصال أفكارهم، أو لابتكار الشخصيّات القادرة على تجسيد الموضوعات التي يرغبون التعبير عنها. فتميل النصوص الثلاثة الناتجة عن ورشة (الكتابة للخشبة، 2018) إلى الواقعيّة. فيُقدّم المؤلف (وسيم الشرقي) نصه المعنون (فيلم عاطفي قصير) على أنّه: "محاولة للبحث في تلك المسافة الضيقة المرتبطة بتغيّر الحساسيّة بين مجموعة من الأصدقاء الذين التقوا في المرحلة الجامعيّة، لكن الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة التي مرّت وتمرّ بها سوريا لعبت دورًا في التأثير على مصائرهم".
بينما يركز نص (حبك نار، مضر الحجي) على الحب في الحرب، وفي الحكاية تحاول (رند) أن تقنع (خلدون) بالانشقاق والهرب من خدمته العسكريّة، وهكذا تصبح استمراريّة عاطفة الحب مرتبطة بالإجابة عن سؤال اجتماعي راهن في الواقع السوري، وهو سؤال الهجرة أو البقاء في البلاد.
يلاحظ الحضور الكثيف في المسرحيّات الواقعيّة لقضايا تحرر المرأة، فيبرز في الحكايات الواقعيّة ذلك الرابط بين الثورة وتحرّر المرأة، من بينها نص (وقائع مدينة لا نعرفها، وائل قدور)، الذي يركز على شخصيتي (نور ورولا)، التي يحاول المؤلف من خلال حكايتهما أن يرسم ملامح علاقة مثليّة، ويربط المؤلف هذه العلاقة بالحدث السياسي والاجتماعي في البلاد؛ فبينما تلتزم (نور) بالحراك المعارض الذي انطلق مع المظاهرات، كذلك تتأثر وتلحق بها (رولا)، وكلتاهما تتعرضان للاعتقال. لقد أصبح الرابط العاطفي، محركًا دافعًا للالتزام بالقضايا السياسيّة والاجتماعيّة.
كذلك يربط عرض (توتة توتة) للمؤلف ذاته بين تحرّر المرأة في رغبة (نجلا) بأن تصبح ممثلة، وبين الحراك الثوري في سوريا، فاللحظة التي تقدر فيها (نجلا) على مواجهة الجميع برغبتها بدراسة التمثيل، هي لحظة مشاركتها في المظاهرات الاحتجاجيّة. وفي نص (فيك تتطلع بالكاميرا؟) تتجاور رغبة (نورا) بتحقيق فيلمها مع التمرد على القيود التي يفرضها عليها أخوها الأكبر (غسان) الذي يمنعها من المشاركة في المظاهرات. كذلك يقدم عرض (حدث ذلك غدًا، 2014) للمخرج (أسامة غنم) توليفة من النصوص العالميّة لتشيخوف وداريو فو وفرانكا راميه، بأغلبيتها نصوص واقعيّة تعالج واقع المرأة.
المسرح الوجودي، ومسرح العبث
الأسئلة التي حملها المسرح الوجودي أيضًا حاضرة في الإنتاج المسرحي السوري في لبنان. يركز عرض (مونولوج استفقت، 2013) للمخرج (ساري مصطفى) على أسئلة الذات، الحريّة، الوجود، العدم، الموت. معنى الاستيقاظ هنا يحيل إلى الحريّة، لكنه أيضًا يحيل إلى الموت، يكتب المخرج عن الشخصية الرئيسيّة في تقديم عرضه: "بين الواقع والخيال والحياة والموت، يعيش كلّ أفكاره وتجاربه ليكون ذاته، وليرسم خطًا بيانيا لديمومة تدعى الانسان، فيبقى الحلم والأمل هاجسًا له ويبقى الموت حقيقة الحياة". ويكمن العثور على العديد من أسلوبيّة وعناصر مسرح العبث، في عرضه المسرحي الثاني بعنوان (المركز، 2014).
المسرح الفانتازي
في مسرحيّة (مونولوج استفقت) يخاطبنا الميت من بعد موته، إنّنا إزاء فانتازيا فوق واقعيّة ترغب إيصال مقولتها الفلسفيّة. كذلك يعتمد عرض (الجانب الآخر من الحديقة، 2018) لفرقة (كون) المسرحيّة على حكاية فانتازيّة بعنوان (الأم) من حكايات (هانز توماس أندرسن). وفي الحكاية يختطف ملاك الموت طفل الأم التي ترحل في رحلة طريق الموت، البرزخ، في البحث عن ملاك الموت لاستعادة طفلها، وبالتالي فإنّ الشرط فوق الواقعي يشكل العتبة السرديّة الأساسية للحكاية التي سيبرع العرض في توظيف إسقاطاتها على حضور الموت في التجربة السوريّة، وعن تجارب الفقد والخسارات التي تعاني منها العائلات، وقد كان الخيار الإخراجي بتجسيد ملاك الموت على شكل دمية على المسرح تتناوب مجموعة المؤديين والمؤديات على بناء علاقة معها، بينما يسود المكان الخيالي، طريق الموت أو عالم ما بعد الموت، على المكان المسرحي، ممّا يجعله في إطار المكان التخييلي الفانتازي، وهذا ما يتضمنه العنوان المضمر "الجانب الآخر من العالم".
مسرح الدمى وخيال الظل والمسرح العابر للوسائط
في مجال مسرح الدمى برزت تجربة فرقة (أيد وحدة) مع أطفال سوريين من مخيم شاتيلا، قدموا عروضًا منها (فنان ونص)، (دمى أوتو بورتريه، 2018) وفيه تتمرد دمى على محركيها للمطالبة بحقوقها، وعرض (شارع الكواكب، 2019) الذي يستعمل حبكة سرديّة من الخيال العلمي عن عزلة الأطفال في كواكب ديجتاليّة كتعبير عن استلاب الطفولة للوسائط الرقميّة والانعزال بعيدًا عن عالم التجربة والمعايشة الحسيّة دون أن ينتقد العرض الوسائل الرقميّة واستعمال التكنولوجيا. وفي عرض (خيال كورديللو، 2019) دمج المخرج (عمر بقبوق) بين مسرح خيال الظل وبين فيديو السيلفي الذي انتشر في سوريا مع الثورة. كما أنّه يعتبر من المسرح العابر للوسائط ما يطلق عليه (باتريك بافي) في معجمه المسرحي وصف " Intermedialite" حيث تم الربط بين المؤدين في العرض عن طريق شبكة الإنترنت وبرامج الاتصال، يكتب المخرج عن خياره التقني: "يحاكي العرض موضوع العزلة والخوف، ويحاول أن يجمع الجمهور المسرحي السوري على منصّة واحدة بعد أن شتته الحرب والتهجير القسري والحصار، من خلال الاستفادة من تقنيّات البث المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي". أما عرض (العرس)، فبالإضافة إلى تقنيات مسرح الحكواتي التي ذكرناها سابقًا، فإنه يقدم سردًا حكائيًا عبر مسرح الدمى ومسرح خيال الظل أيضًا.
خلاصات:
- يتطلب رصد الحركة المسرحيّة السوريّة في لبنان خلال السنوات العشرة الأخيرة إلى المزيد من البحث والدراسة، وخصوصًا في ظل نقص الإحصائيات والمشاريع التوثيقيّة لهذه الحركة.
- شملت الأنشطة المسرحيّة السوريّة في لبنان، جميع أشكال الفعاليات المسرحيّة، وإن بدرجات متفاوتة، ومنها المهرجانات، الملتقيات، ورشات العمل والقراءات والعروض المسرحيّة.
- تنوعت أنواع العروض المسرحيّة السوريّة في لبنان، وشملت والتيارات المسرحيّة الفنيّة والفكريّة، وإن بدرجات متفاوتة. ويلحظ بروز متميز للمسرح التفاعلي النادر الحضور في التاريخ المسرحي السوري سابقًا.
- استعمل المسرح في مشاريع التنميّة الثقافيّة للفئات المهمشة بشكل لافت وبأشكال مختلفة أبرزها ورشات العمل في الكتابة والأداء. وهيمن المسرح التفاعلي على مجال استعمال الفنون في مجال التغيير المجتمعي والتنمية الثقافيّة.
- لعبت برامج الدعم المقدمة من المؤسسات الثقافيّة والتنمويّة دورًا أساسيًا في المحافظة على استمراريّة الإنتاج المسرحي السوري، وقدرة الفنان/ة على استمراريّة الإنتاج في المجتمعات المضيفة.
- ظهرت في الإنتاجات المسرحيّة السوريّة في لبنان عموم الموضوعات التي تعبّر عن التجربة التي يعيشها المجتمع السوري منذ العام 2011.
- على مستوى الموضوعات أيضًا، نتلمس حضورًا مكثفاً لموضوعة تحرّر المرأة، وموضوعات المساواة والعدالة الاجتماعيّة.