عن الطفولة، الاختلاف، والذاكرة

الجزء الأول: "هل حدثت هذي الأحدوثة حقًا في تلك الأيام؟"


ترى الفنانة سارة خياط في هذا النص أنّ كل شيء يبدأ من مرحلة الطفولة، وأنّ من الخطأ الاعتقاد "إنو راحت وخلصنا وما لها تأثير على حياتنا"، لأنّ الحقيقة تكمن في أنها "مكان التأسيس"، لهذا تدعو للاشتغال "عالذاكرة تبعنا، عمشاكلنا ونحنا صغار"، خاصة كأفراد من مجتمع الميم -عين، كي نكتشف ونعرف ما في بيئتنا من مشاكل، "اديش الطفل يلي جواتنا عم يتعذب بسبب الجهل اللي عم يتمارس علينا".

10 حزيران 2022

سارة خياط

مصمّمة ورسّامة تصويريّة من دمشق، تهتمّ بقضايا المرأة والهويّات والقضايا المتعلّقة بالاختفاء القسري في المعتقلات السوريّة والأطفال في المناطق المتضرّرة في سوريا. تقاتل من أجل قضاياها و تقوم بالتعرّف على نفسها وفهم شخصيّتها عن طريق رسم المواقف الشخصيّة وتوثيق الذواكر بصريا.

(هذه المادة من الجزء الثاني من ملف "أصوات كويرية". بإداة وإشراف المحرّر الضيف، فادي صالح، ويمكن قراءة النسخة الانكليزية من المقال على هذا الرابط).

إيمتا بلشنا كأطفال ننتبه عالصور ونستوعب ونتشبع بالمواد المرئية اللي بتعلمنا كيف نكون صبيان وبنات بالشكل اللي بيحبو المجتمع؟ إيمتا بلشنا نحس إنو حب أهالينا لإلنا مشروط بقديش فينا نعيد إنتاج وأداء هي الأدوار والتعابير الجندرية المتوقعة من الجندر المفروض علينا عند الولادة؟  كيف فينا نرجع لهديك المرحلة ونعيد تخيلها بطريقة بتناسب اختلافنا وخصوصيتنا كأفراد ونبحث فيها عن اللحظات اللي كنا نحس فيها بالأمان لنكون نحنا متل ما منحب من دون شروط؟

بالشغلات اللي بشتغلها، وخاصة اللي بتخصّني كتير، دائما بعرف إنو المشكلة بتبدأ بالطفولة، فدائما نحنا بأي شي بيصير معنا، ما منرجع بالحد الكافي لهديك الفترة ومنضل عم نحاربها، ومنفكرها إنو راحت وخلصناومالها اي تأثير على حياتنا ، بس الحقيقة مانا هيك، لإنو هاد مكان التأسيس، خصوصي إنو نحنا طالعين من بيئات كتير سيئة للأطفال، وخاصة إذا كانو االأطفال ما بيتناغمو مع الأدوار والأداءات الجندرية المفروضة والمتوقعة منهن ...فدائما بالمشاريع اللي بشتغلها بحاول إرجع للذاكرة تبعي أنا وصغيرة، مع أهلي، بالبيت والمدرسة  والشارع، وبحس إنو أغلب العالم متلي يعني، أكيد كل العالم بتفكر بطفولتها بس ما بتسترجي تحكي بهاد الموضوع، يمكن لإنو بيخافو على أهلن أو ما بيحبو يرجعو لهداك المكان ويلي بأغلب  الأحيان بحدد كيف رح نكمل حياتنا وأديه عنا وعي لنحاول نغير ونحب حالنا متل ما نحنا، بس الشغلة الأكيدة إنو نحنا وقت منكون كتير صغار، ما في عنا القدرة عالتعبير بطريقة بيفهموها الكبار، ما منعرف نعبر عن الشغل، وما منعرف نحكي عنّا بطرق نمطية، فعطول  منعبر بطريقة  كتير مختلفة منشان هيك بحس لازم نحنا نشتغل عالذاكرة تبعنا عمشاكلنا نحنا وصغار ونحاول نعترف فيها و نحلا ، لإنو إذا ما رجعت للأساس، واللي هوي البيت، في شغلات ما بتخلص كل حياتنا!.

كان يا ما كان في كتاب القراءة!

من أول ما بتولد ببلشوا  يفصلو بينا، الصبي لونو أزرق، البنت زهري، بعدين ببلشوا يخبرونا انو هاد  بصير وهاد ما بصير ويتقبلونا على حسب  أشكالنا و التصنيفات يلي بفضلوها من ضمن الشغلات اللي عطول بحكي عنا أنا ورفقاتي هيي حصص التدبير المنزلي اللي كنا ناخدا بسوريا. كيف من نحنا وبالمدرسة عم يجهزونا لهذا الدور. بالابتدائي، الأدوار دائما مقسّمة بكتاب القراءة، إنو الأم عم تطبخ والأب قاعد عم يقرا مجلة أو البنت عم تساعد إمها بتحضير الطاولة، بس الولد قاعد عم يلعب بالطابة. دائما في هاد الفصل، بتخلص من مرحلة كتاب القراءة بيبطل شي مقروء وبيصير شي ملموس، بتفوت عحصة التدبير المنزلي وبتفوت عحصة الخياطة... كتير غريبة هي حالة الفصل الدائم حسب الأدوار الجندرية... ما إلها تأثير بس عالبنات اللي ما بيحسو بأي انتماء لهالأدوار، بس كمان عالصبيان اللي ممكن بيحبو ياخدو بعض هالأدوار ويتعلموها. الأطفال اللي مختلفين جندريًا واللي بيحبو يجربو يعبرو عن جندرن أو أحاسيسن بطريقة غير نمطية وغير مقبولة من المجتمع، عادة ما بيلاقو حالن مصورين بكتاب القراءة أو كتب الأطفال السائدة في المجتمع.

فبقعد بتسائل:هل حدثت هذي الأحدوثة حقا في تلك الأيام؟ والشخصيات المذكورة هل عاشت أم كانت أوهام؟ هون عم وجه سؤال للعالم: هل فعلا صار عنّا هالشي اللي عم ارسمو بهالمكان بيوم من الأيام ولا أنا عم أتخيل وأخلق ذاكرة بديلة إلكن وإلي؟ قديش ممكن يكون فيو الموضوع قبول لما تكون الشخصية هيي بنت صغيرة وبدها تحلق شعرا بطريقة "مختلفة"؟ 

كتير سهل نقرأ كتب تنمية ومقالات عن حب الذات والتصالح وكتير سهل نقول للعالم حبوا حالكون بس كتير صعب  إنو نطبق هاد الموضوع خصوصي لما منكون ببيئة ما قبلتنا متل ما نحنا و عطول عم تطالبنا  بأشياء فوق طاقتنا أو عم تلبسنا شي ما بيشبهنا بس لحتى نكون مقبولين وهدول لاشخاص للاسف بلاغلب بكونوا   الاهل و البيئة المحيطة يلي ممكن تكون اكتر مكان تنأذي في بحياتك بحجة الحب. 

لو  عن جد بيعرفوا لاهل اديش الطفل  يلي جواتنا عم يتعذب بسبب  الجهل اللي عم يتمارس علينا، كان يمكن يحسبوا حساب لكل كلمة مؤذيه او شرط عم يحطوا على ولادون بدون ما يحسو، لانو ما لازم يكون  في حدا بيتقبل إنو  يعيشو أطفالو بتعاسه مشان المجتمع يكون مبسوط و راضي.

مقالات متعلقة

قهوة صغيرة بالشام

01 كانون الثاني 2021
"الاختلاف مش جريمة" جملة انتشرت على النت بشكل كبير بعد خبر انتحار سارة حجازي.  كتير من السوريين استعملوها كشعار وحطوها عصفحاتن وصورن الشخصية. هاد الشي خلاني إرجع بذاكرتي لورا شوي....
مقدمة الملف: الكويرية والثورة: نحو أرشيف سوري بديل (الجزء الأول)

29 أيلول 2020
كيف ستبدو ذاكرة سوريا البديلة إذا ما أخدت على محمل الجد تجارب وقصص و آراء وتحليلات ومقاربات أفراد مجتمع الميم – عين في سوريا وفي الشتات؟ كيف لنا أن نقارب...
الكويرية والعبور الجندري في المشهد الثقافي السوري (مقدمة)

03 حزيران 2022
يبحث الجزء الثاني من ملف "أصوات كويرية" في أماكن غير متعارف عليها، مخفية ومنسية، لكتابة تاريخ كويري سوري مختلف قليلا عن المألوف ومستوّحى من الثقافة الشعبية السائدة في الإعلام والأدب...
ثورةٌ ما بين جندري ووطني

05 كانون الأول 2020
"أدرك بقسوة وبهجة أن أي ثورة بدأت بذاك الجمال ولاقت ما لاقت من قمع شنيع، لم ولن تموت. يوماً ما سأشارك عائلتي من الكويريين والطنطات النشاط والأمل. ومن غير خوف،...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد